الخميس، 28 أبريل 2022

كل كتاب : هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

كل كتاب : هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
------------------
كتاب هداية الحيارى في اجوبة اليهود والنصارى


الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ونصب لنا الدلالة على صحته برهانا مبينا وأوضح السبيل إلى معرفته واعتقاده حقا يقينا ووعد من قام بأحكامه وحفظ حدوده أجرا جسيما وذخر لمن وافاه به ثوابا جزيلا وفوزا عظيما وفرض علينا الانقياد له ملاحكامه والتمسك بدعائمه وأركانه والاعتصام بعراه وأسبابه فهو دينه الذي ارتضاه لنفسه ولأنبيائه ورسله وملائكة قدسه فبه اهتدى المهتدون وأليه دعا الأنبياء والمرسلون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وأليه يرجعون فلا يقبل من أحد دينا سواه من الأولين والآخرين ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين شهد بأنه قبل شهادة الأنام وأشاد به ورفع ذكره وسمى به وما اشتملت عليه الأرحام فقال تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند لله الإسلام وجعل أهله هم الشهداء على الناس يوم يقوم الأشهاد لما فضلهم به من الإصابة في القول والعمل والهدى والنية والاعتقاد إذ كانوا أحق بذلك وأهله في سابق التقدير فقال وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير وحكم سبحانه بأنه أحسن الأديان ولا أحسن من حكمه ولا أصدق منه قيلا فقال ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا
وكيف لا يميز من له أدنى عقل يرجع إليه بين دين قام أساسه وارتفع بناؤه على عباده الرحمن والعمل بما يحبه ويرضاه مع الإخلاص في السر والإعلان ومعاملة خلقه بما أمر به من العدل والإحسان مع إيثار طاعته على طاعة الشيطان وبين دين أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار بصاحبه في النار أسس على عبادة النيران وعقد الشركة بين الرحمن والشيطان وبينه وبين الأوثان أو دين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان ثم خرج صبيا رضيعا يشب شيئا فشيئا ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان ثم

أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان ثم قبضوا عليه وأحلواه أصناف الذل والهوان فقعدوا على رأسه من الشوك تاجا منأقبح التيجان وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعا مبصوقا في وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان ثم شدت بالحبال يداه مع الرجلان ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللحمان وهو يستغيث يا قوم ارحموني فلا يرحمه منهم إنسان هذا وهو مدير العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان فما ظنك بفروع هذا أصلها الذي قام عليه البنيان أو دين أسس بنيانه على عبادة الإله المنحوت بالأيدي بعد نحت الأفكار من سائر أجناس الأرض على اختلاف الأنواع والأصناف والألوان والخضوع له والتذلل والخرور سجودا على الأذقان لا يؤمن من يدين بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه يوم يجزى المسيء بإسائته والمحسن بالإحسان أو دين الأمة الغضبية الذين انسلخوا من رضوان الله كانسلاخ الحية من قشرها وباؤا بالغضب والخزي والهوان وفارقوا أحكام التوارة ونبذوها وراء ظهورهم واشتروا بها من الأثمان فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان واستبدلوا بولاية الله وملائكته ورسله وأوليائه ولاية الشيطان أو دين أسس بنيانه على أن رب العالمين وجود مطلق في الأذهان لا حقيقة له في الأعيان ليس بداخل في العالم ولا خارج عنه ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا محايث ولا مباين له لا يسمع ولا يرى ولا يعلم شيئا من الموجودات ولا يفعل ما يشاء لا حياة له ولا قدرة ولا إرادة ولا اختيار ولم يخلق السموات والأرض في ستة أيام بل لم تزل السموات والأرض معه وجودها مقارن لوجوده لم يحدثها بعد عدمها ولا له قدرة على إفنائها بعد وجودها ما أنزل على بشر كتابا ولا أرسل إلى الناس رسولا فلا شرع يتبع ولا رسول يطاع ولا دار بعد هذه الدار ولا مبدأ للعالم ولا معاد ولا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار إن هي إلا تسعة أفلاك وعشرة عقول وأربعة أركان وأفلاك تدور ونجوم تسير وأرحام تدفع وأرض تبلع و ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد له ولا ند له ولا صاحبة له

ولا ولد له ولا كفؤ له تعالى عن إفك المبطلين وخرص الكاذبين وتقدس عن شرك المشركين وأباطيل الملحدين كذب العادلون به سواه وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخيرته من بريته وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده ابتعثه بخير ملة وأحسن شرعة وأظهر دلالة وأوضح حجة وأبين برهان إلى جميع العالمين أنسهم وجنهم عربهم وعجمهم حاضرهم وباديهم الذي بشرت به الكتب السالفة وأخبرت به الرسل الماضية وجرى ذكره في الأعصار في القرى والأمصار والأمم الخالية ضربت لنبوته البشائر من عهد آدم أبي البشر إلى عهد المسيح ابن البشر كلما قام رسول أخذ عليه الميثاق بالإيمان به والبشارة بنبوته حتى انتهت النبوة إلى كليم الرحمن موسى بن عمران فأذن بنبوته على رؤوس الأشهاد بين بني إسرائيل معلنا بالأذان جاء الله من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران إلى أن ظهر المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي القاها الى مريم فاذن بنبوته اذانا لم يؤذنه احد مثله قبله فقام في بني إسرائيل مقام الصادق الناصح وكانوا لا يحبون الناصحين فقال إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين تالله لقد أذن المسيح أذانا أسمعه البادي والحاضر فأجابه المؤمن المصدق وقامت حجة الله على الجاحد الكافر الله أكبر الله اكبر عما يقول فيه المبطلون ويصفه به الكاذبون وينسبه إليه المفترون والجاحدون ثم قال أشهد أن لا اليه إلا الله وحده لا شريك له ولا ند له ولا كفؤ له ولا صاحبة له ولا ولد له بل هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم قال رفع صوته بالشهادة لأخيه وأولى الناس بأنه عبد الله ورسوله وأنه أركون العالم وأنه روح الحق لا يتكلم من قبل نفسه إنما يقول ما يقال له وأنه يخبر الناس بكل ما أعد الله لهم ويسوسهم بالحق ويخبرهم بالغيوب ويجيئهم بالتأويل ويوبخ العالم على الخطيئة ويخلصهم من يد الشيطان وتستمر شريعته وسلطانه إلى آخر الدهر وصرح في أذانه باسمه ونعته وسيرته حتى كأنهم ينظرون إليه عيانا ثم قال حي على الصلاة خلف إمام المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين حي على الفلاح باتباع من السعادة في اتباعه والفلاح في الدخول في زمرة أشياعه فأذن وأقام وتولى وقال لست أدعكم كالأيتام وسأعود وأصلي وراء هذا الإمام هذا عهدي إليكم إن حفظتموه دام لكم الملك إلى آخر الأيام فصلى الله عليه من ناصح بشر برسالة أخيه

عليهما أفضل الصلاة والسلام وصدق به أخوه ونزهه عما قال فيه وفي أمه أعداؤه المغضوب عليهم من الإفك والباطل وزور الكلام كما نزه ربه وخالقه ومرسله عما قال فيه المثلثة عباد الصليب ونسبوه إليه من النقض والعيب والذم
أما بعد فإنا لله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره جعل الإسلام عصمة لمن لجأ إليه وجنة لمن استمسك به وعض بالنواجد عليه فهو حرمة الذي من دخله كان من الآمنين وحصنه الذي من لجأ إليه كان من الفائزين ومن انقطع دونه كان من الهالكين وأبى أن يقبل من احد دينا سواه ولو بذل في المسير إليه جهده واستفرغ قواه على الدين كله حتى طبق مشارق الأرض ومغاربها وسار مسير الشمس في الأقطار وبلغ إلى حيث انتهى الليل والنهار وعلت الدعوة الاسلامية وارتفعت غاية الارتفاع والاعتلاء بحيث صار اصلها ثابت وفرعها في السماء فتضاءلت لها جميع الأديان وجرت تحتها الأمم منقادة بالخضوع والذل والإذعان ونادى المنادي بشعارها في جو السماء بين الخافقين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صارخا بالشهادتين حتى بطلت دعوة الشيطان وتلاشت عبادة الأوثان واضمحلت عبادة النيران وذل المثلثة عباد الصلبان وتقطعت الأمة الغضيبة في الأرض كتقطع السراب في القيعان وصارت كلمة الإسلام العليا وصار له في القلوب الخلائق المثل الأعلى وقامت براهينه وحججه على سائر الأمم في الآخرة والأولى وبلغت منزلته في العلى والرفعة الغاية القصوى وأقام لدولته ومصطفيه أعوانا وأنصارا نشروا ألويته وأعلامه وحفظوا من التغيير والتبديل حدوده وأحكامه وبلغوا إلى نظائرهم كما بلغ إليهم من قبلهم حلاله وحرامه فعظموا شعائره وعلموا شرائعه وجاهدوا أعدائه بالحجة والبيان حتى استغلظ واستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعلا بنيانه المؤسس على تقوى من الله ورضوان إذ كان بناء غير مؤسسا على شفا جرف هار فتبارك الذي رفع منزلته وأعلى ملكته وفخم شأنه وأشاد بنيانه وأذل مخالفيه ومعانديه وكبت من يبغضه ويعاديه ووسمها بأنهم شر الدواب وأعد لهم إذا قدموا عليه أليم العقاب وحكم بأنهم أضل سبيلان من الأنعام إذ استبدلوا الشرك بالتوحيد والضلال بالهدى والكفر بالإسلام وحكم سبحانه لعلماء الكفر وعباده حكما يشهد ذوو العقول بصحته ويرونه شيئا حسنا فقال تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا
فصل التهديد لمن حاد عن الإسلام
فأين يذهب من تولى عن توحيد ربه وطاعته ولم يرفع رأسا بأمره ودعوته وكذب رسوله وأعرض عن متابعته وحاد عن شريعته ورغب عن ملته واتبع غير سنته ولم يستمسك بعهده ومكن الجهل من نفسه والهوى والعناد من قلبه والجحود والكفر من صدره والعصيان والمخالفة من جوارحه فقد قابل خبر الله بالتكذيب وأمره بالعصيان ونهيه بالإرتكاب يغضب الرب وهو راض ويرضى وهو غضبان يحب ما يبغض ويبغض ما يحب ويوالي من يعاديه ويعادي من يواليه يدعو إلى خلاف ما يرضى وينهى عبدا إذا صلى قد اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم فأصمه وأبكمه وأعماه فهو ميت الدارين فاقد السعادتين قد رضي بخزي الدنيا وعذاب الآخرة وباع التجارة الرابحة بالصفقة الخاسرة فقلبه عن ربه مصدود وسبيل الوصول إلى جنته ورضاه وقربه عنه مسدود فهو ولي الشيطان وعدو الرحمن وحليف الكفر والفسوق والعصيان رضي المسلمون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ورضي المخذول بالصليب والوثن إلها وبالتثليث والكفر دينا وبسبيل الضلال والغضب سبيلا أعصى الناس للخالق الذي لا سعادة له إلا في طاعته وأطوعهم للمخلوق الذي ذهاب دنياه وأخراه في طاعته فإذا سئل في قبره من ربك وما دينك ومن نبيك قال هاه هاه لا أدري فيقال لا دريت ولا تليت وعلى ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يضرم على قبره نارا ويضيق عليه كالزج في الرمح إلى قيام الساعة وإذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وقام الناس لرب العالمين ونادى المنادي وامتازوا اليوم أيها المجرمون ثم رفع لكل عابد معبوده الذي يعبده ويهواه وقال الرب تعالى وقد أنصت له الخلائق أليس عدلا مني أن أولي كل إنسان منكم ما كان في الدنيا يتولاه فهناك يعلم المشرك حقيقة ما كان عليه ويتبين له سوء منقلبه وما صار إليه ويعلم الكفار أنهم لم يكونوا أولياءه إلا المتقون وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون

فصل الأمم قبل البعثة ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم كان أهل الأرض صنفين أهل الكتاب

وزنادقة لا كتاب لهم وكان أهل الكتاب أفضل الصنفين وهم نوعان مغضوب عليهم وضالون
فالأمة الغضبية هم اليهود أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل قتلة الأنبياء وأكلة السحت وهو الربا والرشا أخبث الأمم طوية وأرداهم سجية وأبعدهم من الرحمة وأقربهم من النقمة عادتهم البغضاء وديدنهم العداوة والشحناء بيت السحر والكذب والحيل لا يرون لمن خالفهم في كفرهم وتكذيبهم الأنبياء حرمة ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا لمن وافقهم حق ولا شفقة ولا لمن شاركهم عندهم عدل ولا نصفة ولا لمن خالطهم طمأنينة ولا أمنة ولا لمن استعملهم عندهم نصيحة بل أخبثهم أعقلهم وأحذقهم أغشهم وسليم الناصية وحاشاه أن يوجد بينهم ليس بيهودي على الحقيقة أضيق الخلق صدورا وأظلمهم بيوتا وأنتنهم أفنية وأوحشهم سجية تحيتهم لعنة ولقاؤهم طيره شعارهم الغضب ودثارهم المقت
فصل والصنف الثاني المثلثة أمة الضلال وعباد الصليب الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر ولم يقروا بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ولم يجعلوه أكبر من كل شيء بل قالوا فيه ما تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة وأن مريم صاحبته وأن المسيح أبنه وأنه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن فدينها عبادة الصلبان ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان يقولون في دعائهم يا والدة الإله ارزقينا واغفري لنا وارحمينا فدينهم شرب الخمور وأكل الخنزير وترك الختان والتعبد بالنجاسات واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة والحلال ما حلله القس والحرام ما حرمه والدين ما شرعه وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير
فصل فهذا حال من له كتاب وأما من لا كتاب له فهو بين عابد أوثان وعابد نيران وعابد شيطان وصابئ حيران يجمعهم الشرك وتكذيب الرسل وتعطيل الشرائع وإنكار المعاد وحشر الأجساد لا يدينون للخالق بدين ولا يعبدونه مع العابدين ولا يوحدونه مع الموحدين وأمة المجوس منهم تستفزش الأمهات والبنات والأخوات دع العمات والخالات دينهم الزمر وطعامهم الميتة وشرابهم الخمر

ومعبودهم النار ووليهم الشيطان فهم أخبث بني آدم نحلة وأرداهم مذهبا وأسوأهم اعتقادا
وأما زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة فلا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه ولا يؤمنون بمبدأ ولا معاد وليس للعالم عندهم رب فعال بالاختيار لما يريد قادر على كل شيء امر ناه مرسل الرسل ومنزل الكتب ومثيب المحسن ومعاقب المسيء وليس عند نظارهم إلا تسعة أفلاك منها بمجوزات العقول وبالجملة فدين الحنفية الذي لا دين لله غيره بين هذه الاديان الباطلة التي لا دين في الأرض غيرها أخفى من السها تحت السحاب وقد نظر الله إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب فاطلع الله شمس الرسالة في حنادس تلك الظلم سراجا منيرا وأنعم بها على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكورا وأشرقت الأرض نبورها أكمل الإشراق وفاض ذلك النور حتى عم النواحي والآفاق واتسق قمر الهدى أتم الاتساق وقام دين الله الحنيف على ساق فلله الحمد الذي أنقدنا بمحمد صلى الله عليه و سلم من تلك الظلمات وفتح لنا به باب الهدى فلا يغلق إلى يوم الميقات وأرانا في نوره أهل الضلال وهم في ضلالهم يتخبطون وفي سكرتهم يعمهون وفي جهالتهم يتقلبون وفي ريبهم يترددون يؤمنون ولكن بالجبت والطاغوت يؤمنون ويعدلون ولكن بربهم يعدلون ويعلمون ولكن ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ويسجدون ولكن للصليب والوثن والشمس يسجدون ويمكرون وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
الحمد لله الذي أغنانا بشريعته التي تدعوا إلى الحكمة والموعظة الحسنة وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي فله المنة والفضل على ما أنعم به علينا وآثرنا به على سائر الأمم وإليه الرغبة أن يوزعنا شكر هذه النعمة وأن يفتح لنا أبواب التوبة والمغفرة والرحمة فأحب الوسائل إلى المحسن التوسل إليه بإحسانه والاعتراف له بأن الأمر كله محض فضله وامتنانه فله علينا النعمة السابغة كما له علينا الحجة البالغة نبوء له بنعمه علينا ونبوء بذنوبنا وخطايانا وجهلنا وظلمنا وإسرافنا في

أمرنا فهذه بضاعتنا التي لدينا لم تبق لنا نعمة وحقوقها وذنوبنا حسنة نرجو بها الفوز بالثواب والتخلص من اليم العقاب بل بعض ذلك يستنفد جميع حسناتنا ويستوعب كل طاعتنا هذا لو خلصت من الشوائب وكانت خالصة لوجهه واقعة على وفق أمره وما هو والله الا التعلق باذيال عفوه وحسن الظن به واللجأ منه اليه واللاستعانه به منه والاستكانة والتذلل بين يديه ومد يد الفاقة والمسكنة اليه بالسؤال والافتقار اليه في جميع الاحوال فمن أصابته نفحة من نفحات رحمته أو وقعت عليه نظرة من نظرات رأفته انتعش من بين الاموات وأناخت بفنائه وفود الخيرات وترحلت عنه جيوش الهموم والغموم والحسرات ... وإذا نظرت الي نظرة راحم ... في الدهر يوما انني لسعيد ...

من حقوق الله رد الطاعنين على الرسول فصل ومن بعض حقوق الله على عبده رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه ومجاهدتهم بالحجة والبيان والسيف والسنان والقلب والجنان وليس وراء ذلك حبة خردل من الايمان وكان انتهى إلينا مسائل أوردها بعض الكفار الملحدين على بعض المسلمين فلم يصادف عنده ما يشفيه ولا وقع دواؤه على الداء الذي فيه وظن المسلم أنه بضربه بداويه قسطا به ضربا وقال هذا هو الجواب فقال الكافر صدق أصحابنا في قولهم إن دين الإسلام إنما قام بالسيف لا بالكتاب فتفرقا وهذا ضارب وهذا مضروب وضاعت الحجة بين الطالب والمطلوب فشمر المجيب ساعد العزم ونهض على ساق الجد وقام لله قيام مستعين به مفوض اليه متكل عليه في موافقة مرضاته ولم يقل مقالة العجزة الجهال إن الكفار انما يعاملون بالجلاد دون الجدال وهذا فرار من الزحف واخلاد الى العجز والضعف وقو أمر الله بمجادلة الكفار بعد دعوتهم إقامة للحجة وازاحة للعذر ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة والسيف انما جاء منفذا للحجة مقوما لللمعاند وحدا للجاحد قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوي عزيز فدين الاسلام قام بالكتاب الهادي ونفذه السيف الماضي شعر ... فما هو الا الوحي أوحد مرهف ... يقيم ضباه أخدعي كل مائل ... فهذا شفاء الداء من كل عاقل ... وهذا دواء من كل جاهل ...
والى الله الرغبة في التوفيق فانه الفاتح من الخير أبوابه والميسر له أسبابه وسميته
مسائل الكتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى وقسمته قسمين القسم الاول في أجوبة المسائل القسم الثاني في تقرير نبوة محمد صلى الله عليه و سلم بجميع أنواع الدلائل فجاء بحمد الله ومنه وتوفيقه كتابا ممتعا ومعجبا لا يسأم قاريه ولا يمل الناظر فيه فهو كتاب يصلح للدنيا والآخرة ولزيادة الايمان ولذة الانسان يعطيك ما شئت من اعلام النبوة وبراهين الرسالة وبشارات الانبياء بخاتمهم واستخراج اسمه الصريح من كتبهم وذكر نعته وصفته وسيرته من كتبهم والتمييز بين صحيح الاديان وفاسدها وكيفية فساده بعد استقامتها وجملة من فضائح أهل الكابين وما هم عليه وانهم أعظم الناس براءة من أنبيائهم وان نصوص انبيائهم تشهد بكفرهم وضلالهم وغير ذلك من نكت بديعة لا توجد في سواه والله المستعان وعليه التكلان فهو حسبنا ونعم الوكيل
ليست الرياسة منع وحدها لاهل الكتاب عن قبول الاسلام فتقول أما المسألة الاولى وهي قول السائل قد اشتهر عندكم بان أهل الكتابين ما منعهم من الدخول في الاسلام الا الرياسة والمأكلة لا غير فكلام جاهل بما عند المسلمين وبما عند الكفار أما المسلمون فلم يقولوا انه لم يمنع أهل الكتاب من الدخول في الاسلام الا الرياسة والمأكلة لا غير وان قال هذا بعض عوامهم فلا يلزم جماعتهم والممتنعون من الدخول في الاسلام من أهل الكتابين وغيرهم جزء يسير جدا بالاضافة الى الداخلين فيه منهم بل أكثر الامم دخلوا في الاسلام طوعا ورغبة واختيارا لا كرها ولا اضطرارا فان الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه و سلم رسولا الى أهل الارض وهم خمسة أصناف قد طبقوا الارض يهود ونصارى ومجوس وصابئة ومشركون وهذه الاصناف هي التي كانت قد استولت على الدنيا من مشارقها الى مغاربها
فأما اليهود فاكثر ما كانوا باليمن وخيبر والمدينة وما حولها وكانوا بأطراف الشام مستذلين مع النصارى وكان منهم بأرض فارس فرقة مستذلة مع المجوس وكان منهم بأرض العرب فرقة وأعز ما كانوا بالمدينة وخيبر وكان الله سبحانه قد قطعهم في الارض أمما وسلبهم الملك والعز وأما النصارى فكانوا طبق الارض فكانت الشام كلها نصارى وأرض المغرب كان الغالب عليهم النصارى وكذلك أرض مصر والحبشة والنوبة والجزيرة والموصل وأرض نجران وغيرها من البلاد وأما المجوس فهم أهل مملكة فارس وما اتصل بها وأما الصابئة فأهل حران وكثير من بلاد الروم وأما المشركون فجزيرة العرب جميعها وبلاد الهند وبلاد

الترك وما جاورها وأديان أهل الارض لا تخرج عن هذه الاديان الخمسة ودين الحنفاء لا يعرف فيهم البتة وهذه الاديان الخمسة كلها للشيطان كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره الاديان ستة واحد للرحمن وخمسة للشيطان وهذه الاديان الستة مذكورة في آية الفصل في قوله تعالى ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم استجاب له ولخلفائه بعده اكثر الاديان طوعا واختيارا ولم يكره أحدا قط على الدين وانما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالا لامر ربه سبحانه حيث يقول لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وهذا نفي في معنى النهي أي لا تكرهوا أحدا على الدين نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الاسلام فلما جاء الاسلام أسلم الآباء وأرادوا اكراه الاولاد على الدين فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الاسلام والصحيح ان الآية على عمومها في حق كل كافر وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار فلا يكرهون على الدخول في الدين بل أما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة وان استثنى هؤلاء بعض عبدة الاوثان ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه و سلم تبين له انه لم يكره أحدا على دينه قط وانه انما قاتل من قاتله وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم فمن على بعضهم وأجلى بعضهم وقتل بعضهم وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدءهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله ونقضوا عهده فعند ذلك عزاهم في ديارهم وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق ويوم بدر ايضا هم جاءا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم والمقصود انه صلى الله عليه و سلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة وانما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا فاكثر أهل الارض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وانه رسول الله حقا فهؤلاء أهل اليمن كانوا على دين اليهودية أو اكثرهم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن انك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم اليه شهادة ان لا اله الا الله وذكر الحديث ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة وكذلك من اسلم من يهود

المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام مذكورون في كتب السير والمغازي لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف بل اسلموا في حال حاجة المسلمين وكثرة اعدائهم ومحاربة أهل الارض لهم من غير سوط ولا نوط بل تحملوا معاداة اقربائهم وحرمانهم نفعهم بالمال والبدن مع ضعف شوكة المسلمين وقلة ذات ايديهم فكان احدهم يعادي اباه وامه واهل بيته وعشيرته ويخرج من الدنيا رغبة في الاسلام لا لرياسة ولا مال بل ينخلع من الرياسة والمال ويتحمل أذى الكفار من ضربهم وشتمهم وصنوف اذاهم ولا يصرفه ذلك عن دينه فان كان كثير من الاحبار والرهبان والقسيسين ومن ذكره هذا السائل قد اختاروا الكفر فقد أسلم جمهور أهل الارض من فرق الكفار ولم يبق الا الاقل بالنسبة الى من أسلم فهؤلاء نصارى الشام كانوا ملء الشام ثم صاروا مسلمين الا النادر فصاروا في المسلمين كالشعرة السوداء في الثور الابيض وكذلك المجوس كانت أمة لا يحصى عددهم الا الله فاطبقوا على الاسلام لم يتخلف منهم الا النادر وصارت بلادهم بلاد اسلام وصار من لم يسلم منهم تحت الجزية والذلة وكذلك اليهود أسلم أكثرهم ولم يبق منهم الا شرذمة قليلة مقطعة في البلاد فقول هذا الجاهل ان هاتين الامتين لا يحصى عددهم الا الله كفروا بمحمد صلى الله عليه و سلم كذب ظاهر وبهت مبين حتى لو كانوا كلهم قد أجمعوا على اختيار الكفر لكانوا في ذلك أسوة قوم نوح وقد أفام فيهم ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم الى الله ويريهم من الآيات ما يقيم حجة الله عليهم وقد أطبقوا على الكفر الا قليلا منهم كما قال تعالى وما آمن معه الا قليل وهم كانوا اضعاف اضعاف هاتين الامتين الكافرتين اهل الغضب وأهل الضلال وعاد اطبقوا على الكفر وهم أمة عظيمة عقلاء حتى استؤصلوا بالعذاب وثمود اطبقوا جميعهم على الكفر بعد رؤية الآية العظيمة التي يؤمن على مثلها البشر ومع هذا فاختاروا الكفر على الايمان كما قال تعالى واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وقال تعالى وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين فهاتان امتان عظيمتان من اكبر الامم قد اطبقتا على الكفر مع البصيرة فامة الغضب والضلال اذ اطبقتا على الكفر فليس ذلك ببدع وهؤلاء قوم فرعون مع كثرتهم قد أطبقوا على جحد نبوة موسى مع تظاهر الآيات الباهرة آية بعد آية فلم يؤمن منهم الا رجل واحد كان يكتم ايمانه وأيضا فيقال للنصارى هؤلاء اليهود مع كثرتهم في زمن المسيح حتى كانوا ملأ بلاد الشام كما قال تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومضاربها التي باركنا فيها وكانوا قد أطبقوا على

تكذيب المسيح وجحدوا نبوته وفيهم الاحبار والعباد والعلماء حتى آمن به الحواريون فاذا جاز على اليهود وفيهم الاحبار والعباد والزهاد وغيرهم الاطباق على جحد نبوة المسيح والكفر به مع ظهور آيات صدقه كالشمس جاز عليهم انكار نبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومعلوم ان جواز ذلك على أمة الضلال الذين هم أضل من الانعام وهم النصارى أولى وأحرى فهذا السؤال الذي اورده هذا السائل وارد بعينه في حق كل نبي كذبته امة من الامم فان صوب هذا السائل رأى تلك الامم كلها فقد كفر بجميع الرسل وان قال ان الانبياء كانوا على الحق وكانت تلك الامم مع كثرتها ووفور عقولها على الباطل فلأن يكون المكذبون بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهم الاقلون الاذلون الارذلون من هذه الطوائف على الباطل أولى واحرى واي امة من الامم اعتبرتها وجدت المصدقين بنبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جمهورها واقلها واراذلها هم الجاحدون لنبوته فرقعة الاسلام قد اتسعت في مشارق الارض ومغاربها غاية الاتساع بدخول هذه الامم في دينه وتصديقهم برسالته وبقي من لم يدخل منهم في دينه وهم من كل أمة اقلها وأين يقع النصارى المكذبون برسالته اليوم من أمة النصرانية الذين كانوا قبله وكذلك اليهود والمجوس والصابئة لا نسبة للمكذبين برسالته بعد بعثه الى جملة تلك الامة قبل بعثه وقد أخبر تعالى عن الامم التي اطبقت على تكذيب الرسل ودمرها الله تعالى فقال تعالى ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فاتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون فأخبر عن هؤلاء الامم انهم تطابقوا على تكذيب رسلهم وانه عمهم بالاهلاك وقال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ومعلوم قطعا ان الله تعالى لم يهلك هذه الامم الكثيرة الا بعد ما تبين لهم الهدى فاختاروا عليه الكفر ولم لم يتبين لهم الهدى لم يهلكهم كما قال تعالى وما كنا مهلكي القرى الا وأهلها ظالمون وقال تعالى فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين أي فلم يكن قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس ومعلوم قطعا انه لم يصدق نبي من الانبياء من أولهم الى آخرهم ولم يتبعه من الامم ما صدق محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم والذين اتبعوه من الامم أضعاف هاتين الامتين المكذبتين مما لا يحصيهم الا الله ولا يستريب من له مسكة من عقل أن الضلال والجهل والغي وفساد العقل الى من خالفه وجحد نبوته أقرب منه الى اتباعه ومن أقر بنبوته وحينئذ فيقال كيف جاز على هؤلاء الامم التي لا يحصيها

الا الله الذين قد بلغوا مشارق الارض ومغاربها على اختلاف طبائعهم وأغراضهم وتباين مقاصدهم الاطباق على اتباع من يكذب على الله وعلى رسله وعلى العقل ويحل ما حرم الله ورسله ويحرم ما احله الله ورسله ومعلوم ان الكاذب على الله في دعوى الرسالة وهو شر خلق الله وافجرهم وأظلمهم واكذبهم ولا يشك من له أدنى عقل ان إطباق أكثر الامم على متابعة هذا النبي محمد صلى الله عليه و سلم وخروجهم عن ديارهم وأموالهم ومعاداتهم أباءهم وأبناءهم وعشائرهم في متابعته وبذلهم نفوسهم بين يديه من أمحل المحال فتجويز اختيارهم الكفر بعد تبين الهدى على شرذمة قليلة حقيرة لها أغراض عديدة من هاتين الامتين أولى من تجويز ذلك على المسلمين الذين طبقوا مشارق الارض ومغاربها وهم أعقل الامم وأكملها في جميع خصال الفضل
واين عقول عباد العجل وعباد الصليب الذين أضحكوا سائر العقلاء على عقولهم ودلوهم على مبلغها بما قالوه في معبودهم من عقول المسلمين واذا جاز اتفاق أمة فيها من قد ذكره هذا السائل على أن رب العالمين وخالق السموات والارضين نزل عن عرشه وكرسي عظمته ودخل في بطن امرأة في محل الحيض والطمث عدة شهور ثم خرج من فرجها طفلا يمص الثدي ويبكي ويكبر شيئا فشيئا ويأكل ويشرب ويبول ويصح ويمرض ويفرح ويحزن ويلذ ويألم ثم دبر حيلة على عدوه إبليس بأن مكن أعداءه اليهود من نفسه فأمسكوه وساقوه الى خشبتين يصلبونه عليهما وهم يجرونه الى الصلب والأوباش الاراذل قدامه وخلفه وعن يمينه وعن يساره وهو يستغيث ويبكي فقربوه من الخشبتين ثم توجوه بتاج من الشوك واوجعوه صفعا ثم حملوه على الصليب وسمروا يديه ورجليه وجعلوه بين لصين وهو الذي اختار هذا كله لتتم له الحيلة على ابليس ليخلص آدم وسائر الانبياء من سجنه ففداهم بنفسه حتى خلصوا من سجن ابليس واذا جاز اتفاق هذه الامة وفيهم الاحبار والرهبان والقسيسون والزهاد والعباد والفقهاء ومن ذكرتم على هذا القول في معبودهم والههم حتى قال قائل منهم وهو من اكابرهم عندهم اليد الذي خلقت آدم هي التي باشرت المسامير ونالت الصلب فكيف لا يجوز عليهم الاتفاق على تكذيب من جاء بتكفيرهم وتضليلهم ونادى سرا وجهرا بكذبهم على الله وشتمهم له أقبح شتم وكذبهم على المسيح وتبديلهم دينه وعاداهم وقاتلهم وبرأهم من المسيح وبرأه منهم وأخبر أنهم وقود النار وحصب جهنم فهذا احد الاسباب التي اختاروا لاجلها الكفر على الايمان وهو من أعظم الاسباب فقولكم ان المسلمين يقولون انهم لم يمنعهم من الدخول في الاسلام الا الرياسة والمأكلة لا غير كذب على المسلمين بل الرياسة والمأكلة من جملة الاسباب المانعة لهم من الدخول في

الدين وقد ناظرنا نحن وغيرنا جماعة منهم فلما تبين لبعضهم فساد ما هم عليه قالوا لو دخلنا في الاسلام لكنا من أقل المسلمين لا يأبه لنا ونحن متحكمون في أهل ملتنا في أموالهم ومناصبهم ولنا بينهم أعظم الجاه وهل منع فرعون وقومه من اتباع موسى الا ذلك
الاسباب المانعة من قبول الحق اعتراف ابي جهل بنبوة محمد
والاسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدا فمنها الجهل به وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس فان من جهل شيئا عاداه وعادى أهله فان انضاف الى هذا السبب بغض من امره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى فان انضاف الى ذلك ألفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظمه قوى المانع فان انضاف الى ذلك توهمه ان الحق الذي دعي اليه يحول بينه وبين جاهه وعزه وشهواته واغراضه قوى المانع من القبول جدا فان انضاف الى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ازادد المانع من قبول الحق قوة فان هرقل عرف الحق وهم بالدخول في الاسلام فلم يطاوعه قومه وخافهم على نفسه فاختار الكفر على الاسلام بعد ما تبين له الهدى كما سيأتي ذكر قصته ان شاء الله تعالى
ومن أعظم هذه الاسباب الحسد فانه داء كامن في النفس ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه وأوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسد ان ينقاد له ويكون من اتباعه وهل منع ابليس من السجود لآدم الا الحسد فانه لما رآه قد فضل عليه ورفع فوقه غص بريقه واختار الكفر على الايمان بعد إن كان بين الملائكة وهذا الداء هو الذي منع اليهود من الايمان بعيسى ابن مريم وقد علموا علما لا شك فيه أنه رسول الله جاء بالبينات والهدى فحملهم الحسد على ان اختاروا الكفر على الايمان وأطبقوا عليه وهم أمة فيهم الاحبار والعلماء والزهاد والقضاة والامراء هذا وقد جاء المسيح بحكم التوراة لم يات بشريعة يخالفها ولم يقاتلهم وانما اتي بتحليل بعض ما حرم عليهم تخفيفا ورحمة واحسانا وجاء مكملا لشريعة التوراة ومع هذا فاختاروا كلهم الكفر على الايمان فكيف يكون حالهم مع نبي جاء بشريعة مستقلة ناسخة لجميع الشرائع مبكتا له بقبائحم ومناديا على فضائحهم ومخرجا لهم من ديارهم وقد قاتلوه وحاربوه وهو في ذلك كله ينصر

عليهم ويظفر بهم ويعلو هو واصحابه وهو معه دائما في سفال فكيف لا يملك الحسد والبغي قلوبهم وأين يقع حالهم معه من حالهم مع المسيح وقد اطبقوا على الكفر به من بعد ما تبين لهم الهدي وهذا السبب وحده كاف في رد الحق فكيف اذا انضاف اليه زوال الرياسات والمأكل كما تقدم
وقد قال المسور بن مخرمة وهو ابن أخت أبي جهل لابي جهل يا خالي هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول ما قال فقال يا ابن اختي والله لقد كان محمد صلى الله عليه و سلم فينا وهو شاب يدعى الامين فما جربنا عليه كذبا قط قال يا خال فما لكم لا تتبعونه قال يا ابن اختي تنازعنا نحن وبنوا هاشم الشرف فاطعموا واطعمنا وسقوا وسقينا واجاروا وأحرنا حتى اذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي فمتى ندرك مثل هذه وقال الاخنس بن شريق يوم بدر لابي جهل يا أبا الحكم اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فانه ليس ها هنا من قريش احد غيرى وعيرك يسمع كلامنا فقال أبو جهل ويحك والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا ذهبت بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش

علماء اليهود يعرفون النبي كما يعرفون ابناءهم وأما اليهود فقد كان علماؤهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم قال ابن اسحق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال هل تدري عما كان اسلام اسد وثعلبة ابني شعبة واسد بن عبيد لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير كانوا فوق ذلك فقلت لا قال فانه قدم علينا رجل من الشام من اليهود يقال له ابن الهيبان فاقام عندنا والله ما رأينا رجلا يصلى خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين فكنا اذا قحطنا وقل علينا المطر نقول يا ابن الهيبان اخرج فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول كم فيقول صاع من تمر او مدين من شعير فنخرجه ثم يخرج الى ظاهر حرتنا ونحن معه نستسقي فوالله ما يقوم من مجلسه حتى تمطر ويمر بالشعاب قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلثة فحضرته الوفاة واجتمعنا اليه فقال يا معشر يهود اترون ما اخرجني من ارض الخمر والخمير الى ارض البؤس والجوع قالوا أنت اعلم قال فاني انما خرجت اتوقع خروج نبي قد اظل زمانه هذه البلاد مهاجره فاتبعوه ولا يسبقن اليه غيركم اذا خرج يا معشر اليهود فانه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن يخالفه فلا يمنعكم ذلك منه ثم

مات فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة قال اولئك الثلاثة الفتية وكانوا شبانا احداثا يا معشر اليهود والله انه للذي ذكر لكم ابن الهيبان فقالوا ما هو به قالوا بلى والله انه لصفته ثم نزلوا واسلموا وخلوا اموالهم واهليهم قال ابن اسحق وكانت اموالهم في الحصن مع المشركين فلما فتح ردت عليهم وقال ابن اسحق حدثني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف عن محمود بن لبيد قال كان بين ابياتنا يهودي فخرج على نادي قومه بنى عبد الاشهل ذات غداة فذكر البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان فقال ذلك لاصحاب وثن لا يرون ان بعثا كائن بعد الموت وذلك قبيل مبعث النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا ويحك يا فلان وهذا كائن ان الناس يبعثون بعد موتهم الى دار فيها جنة ونار ويجزون بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به لوددت ان حظي من تلك النار ان توقدوا أعظم تنور في داركم فتحمونه ثم تقذفوني فيه ثم تطبقون على وانى انجو من النار غدا فقيل يا فلان ما علامة ذلك قال نبي يبعث من ناحية هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا فمتى نراه فرمى بطرفه فرأني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي وانا أحدث القوم فقال ان يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم وانه لحي بين أظهرنا فآمنا به وصدقناه وكفر به بغيا وحسدا فقلنا يا فلان ألست الذي قلت ما قلت وأخبرتنا به قال ليس به قال ابن اسحق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال حدثني اشياخ منا قالوا لم يكن احد من العرب اعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه و سلم منا كان معنا يهود وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكنا اذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا ان نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم قتل عاد وإرم فلما بعث الله عز و جل رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم اتبعناه وكفروا به ففينا وفيهم أنزل الله عز و جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وذكر الحاكم وغيره عن ابن أبي نجيح عن على الازدي قال كانت اليهود تقول اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما كانت يهود خيبر تقاتل عطفان فلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالت اللهم انا نسألك بحق محمد النبي الامي الذي وعدتنا ان تخرجه لنا في آخر الزمان الا نصرتنا عليهم قال فكانوا اذا التفوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا عطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه و سلم كفروا به فانزل الله عز و جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا يعني بك يا محمد فلعنة الله على الكافرين ويستفتحون أي يستنصرون وذكر الحاكم وغيره ان بني النضير لما اجلوا من المدينة أقبل عمرو بن

سعد فاطاف بمنازلهم قرأى خرابها ففكر ثم رجع الى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة فنفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم فلم نرك وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتاله في اليهودية قال رأيت اليوم عبرا اعتبرنا بها رأيت اخواننا قد جلوا بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل والعقل البارع بد تركوا اموالهم وملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة وقد أوقع قبل ذلك بابن الاشرف في عزة بنيانه في بيته آمنا واوقع بابن سنينة سيدهم واوقع ببني قينقاع فاجلاهم وهم جل اليهود وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة فحصرهم النبي عليه السلام فلم يخرج انسان منهم رأسه حتى سباهم فكلم فيهم فتركهم على ان أجلاهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فاطيعوني وتعالوا نتبع محمد فوالله أنكم لتعلمون انه نبي وقد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان وأبو عمرو بن حواس وهما أعلم اليهود جاء من بيت المقدس يتو كفان قدومه وامرانا باتباعه وأمرانا أن نقرئه منهما السلام ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا فاسكت القوم فلم يتكلم منهم متكلم فاعاد هذا الكلام ونحوه وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء فقال الزبير بن باطا قد والتوراة قرأت صفته في كتاب التوراة التي انزلت على موسى ليس في المثاني التي أحدثنا فقال له كعب بن أسد ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه قال أنت قال ولم فوالتوراة ما حلت بينك وبينه قط قال الزبير بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فان اتبعته اتبعناه وان أبيت أبينا فاقبل عمرو بن سعد على كعب فذكر ما تقاولا في ذلك الى أن قال كعب ما عندي في ذلك الا ما قلت ما تطيب نفسي أن أصير تابعا وهذا المانع هو الذي منع فرعون من اتباع موسى فانه لما تبين له الهدى عزم على اتباع موسى عليه السلام فقال له وزيره هامان بينا أنت اله تعبد تصبح تعبد ربا غيرك قال صدقت وذكر ابن اسحق عن عبد الله بن أبي بكر قال حدثت عن صفية بنت حيي أنها قالت كنت أحب ولد ابي اليه والى عمي ابي ياسر فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشي فسمعت عمي يقول لابي أهو هو قال نعم والله قال اتعرفه وتثبته قال نعم قال فما في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت فهذه الامة الغضبية معروفة بعداوة الانبياء قديما واسلافهم وخيارهم قد اخبرنا الله سبحانه عن اذاهم لموسى ونهانا عن التشبه بهم في ذلك فقال يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها وأما خلفهم فهم قتلة الانبياء قتلوا زكريا وابنه يحي وخلقا كثيرا من الانبياء حتى قتلوا في يوم سبعين نبيا واقاموا السوق في آخر النهار كأنهم لم يصنعوا شيئا واجتمعوا على قتل المسيح وصلبه فصانه الله من

ذلك وإكرمه أن يهينه على أيديهم وألقى شهبه على غيره فقتلوه وصلبوه وراموا قتل خاتم النبيين مرارا عديدة والله يعصمه منهم ومن هذا شأنهم لا يكبر عليهم اختيار الكفر على الإيمان لسبب من الأسباب التي ذكرنا بعضها أو سببين أو أكثر
لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله وقد ذكرنا اتفاق أمة الضلال وعباد الصليب على مسبة رب العالمين أقبح مسبة على ما يعلم بطلانه بصريح العقل فإن خفي عليهم أن هذا مسبة الله وأن العقل يحكم ببطلانه وبفساده من أول عليه
وقد ذكرنا اتفاق أمة الضلال وعباد الصليب على مسبة رب العالمين أقبح مسبة على ما يعلم بطلانه بصريح العقل فإن خفي عليهم أن هذا مسبة لله وأن العقل يحكم ببطلانه وبفساده من أول
وهلة لم يكثر على تلك العقول السخيفة أن تسب بشرا أرسله الله وتجحد نبوته وتكابر ما دل عليه صريح العقل من صدقه وصحة رسالته فلو قالوا فيه ما قالوا لم يبلغ بعض قولهم في رب الأرض والسموات الذي صاروا به ضحكة بين جميع أصناف بني آدم فأمه أطبقت على أن الإله الحق سبحانه عما يقولون صلب وصفع وسمر ووضع الشوك على رأسه ودفن في التراب ثم قام في اليوم الثالث وصعد على عرشه يدبر أمر السموات والأرض لا يكثر عليها أن تطبق على جحد نبوة من جاء بسبها ولعنها ومحاربتها وإبداء معايبها والنداء على كفرها بالله ورسوله والشهادة على براءة المسيح منها ومعاداته لها ثم قاتلها وأذلها وأخرجها من ديارها وضرب عليها الجزية وأخبر أنها من أهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وأنها شر من الحمير بل هي شر الدواب عند الله
ألوان من سخافة النصارى في الصليب وكيف ينكر لأمة أطبقت على صلب معبودها وإلاهها ثم عمدت إلى الصليب فعبدته وعظمته وكان ينبغي لها أن تحرق كل صليب تقدر على إحراقه وأن تهينه غاية الإهانة إذ صلب عليه إلاهها الذي يقولون تارة أنه الله وتارة يقولون أنه ابنه وتارة يقولون ثالث ثلاثة فجحدت حق خالقها وكفرت به اعظم كفر وسبته اقبح مسبة أن تجحد حق عبده ورسوله وتكفر به وكيف يكثر على أمة قالت في رب الأرض والسموات أنه ينزل من السماء ليكلم الخلق بذاته لئلا يكون لهم حجة عليه فأراد ان يقطع حجتهم بتكليمه لهم بذاته لترفع المعاذير عمن ضيع عهده بعد ما كلمه بذاته فهبط بذاته من السماء والتحم في بطن مريم فأخذ منها حجابا وهو مخلوق من طريق الجسم وخالق من طريق النفس وهو الذي خلق أمه وأمه

كانت من قبله بالناسوت وهو كان من قبلها باللاهوت وهو الإله التام والإنسان التام ومن تمام رحمته تبارك وتعالى على عباده رضي بإراقة دمه عنهم على خشبة الصليب فمكن أعداءه اليهود من نفسه ليتم سخطه عليهم فأخذوه وصلبوه وصفعوه وبصقوا في وجهه وتوجوه بتاج من الشوك على رأسه وغار دمه لأنه لو وقع منه شيء إلى الأرض ليبس كلما كان على وجهها فثبت في موضع صلبه النوار ولما لم يكن في الحكمة الأزلية أن ينتقم الله من عبده العاصي الذي ظلمه أو استهان بقدره لاعتلاء منزلة الرب وسقوط منزلة العبد أراد سبحانه أن ينتصف من الإنسان الذي هو إله مثله فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح الذي هو إله مساو له في الالهية فصلب ابن الله الذي هو الله في الساعة التاسعة من يوم الجمعة هذه ألفاظهم في كتبهم فأمة أطبقت على هذا في معبودها كيف يكثر عليها أن تقول في عبده ورسوله أنه ساحر وكاذب وملك مسلط ونحو هذا
ولهذا قال بعض ملوك الهند أما النصارى فإن كان اعداؤهم من أهل الملل يجاهدونهم بالشرع فأنا أرى جهادهم بالعقل وإن كنا لا نرى قتال أحد لكني أستثني هؤلاء القوم من جميع العالم لأنهم قصدوا مضادة العقل وناصبوه العدواة وشذوا عن جميع مصالح العالم الشرعية والعقلية الواضحة واعتقدوا كل مستحيل ممكنا وبنوا من ذلك شرعا لا يؤدي إلى صلاح نوع من أنواع العالم ولكنه يصير العاقل إذا شرع به أخرق والرشيد سفيها والحسن قبيحا والقبيح حسنا لأن من كان في أصل عقيدته التي جرى نشؤه عليها الإساءة إلى الأخلاق والنيل منه وسبه أقبح مسبة ووصفه بما يغير صفاته الحسنى فأخلق به أن يستسهل الإساءة إلى مخلوق وإن يصفه بما يغير صفاته الجميلة فلو لم تجب مجاهدة هؤلاء القوم إلا العموم إضرارهم التي لا تحصى وجهه كما يجب قتل الحيوان المؤذي بطبعه لكانوا أهلا لذلك
والمقصود أن الذين اختاروا هذه المقالة في رب العالمين على تعظيمه وتنزيهه وإحلاله ووصفه بما يليق به هم الذين اختاروا بعبده ورسوله وجحد نبوته والذين اختاروا عبادة صور خطوها بأيديهم في الحيطان مزوقة بالأحمر والأصفر والازرق لو دنت منها الكلاب لبالت عليها فأعطوها غاية الخضوع والذل والخشوع والبكاء وسألوها المغفرة والرحمة والرزق والنصر هم الذين اختاروا التكذيب بخاتم الرسل على الإيمان به وتصديقه واتباعه والذين نزهوا بطارقتهم وبتاركتهم عن الصاحبة والولد ونحلوهما للفرد الصمد هم الذين أنكروا نبوة عبده وخاتم رسله
صلاة النصارى استهزاء بالمعبود والذين اختاروا صلاة يقوم أعبدهم وأزهدهم إليها والبول على ساقه وأفخاذه فيستقبل الشرق ثم يصلب على وجهه ويعبد الإله المصلوب ويستفتح الصلاة بقوله يا أبانا أنت الذي في السموات تقدس اسمك وليأت ملكك ولتكن إرادتك في السماء مثلها في الأرض أعطنا خبزنا الملايم لنا ثم يحدث من هو الى جانبه وربما سال عن سعر الخمر والخنزير وعما كسب في القمار وعما طبخ في بيته وربما سأل عن سعر الخمر والخنزير وعما كسب في القمار وعما طبخ في بيته وربما أحدث وهو في صلاته ولو أراد لبال في موضعه أن أمكنه ثم يدعو تلك الصورة التي هي صنعتة يد الإنسان فالذين اختاروا هذه الصلاة من إذا قام إلى صلاته طهر أطرافه وثيابه وبدنه من النجاسة واستقبل بيته الحرام وكبر الله وحمده وسبحه واثنى عليه بما هو اهله ثم ناجاه بكلامه المتضمن لا فضل الثناء عليه وتحميده وتمجيده وتوحيده وافراده بالعبادة والاستعانة وسؤاله اجل مسئول وهو الهداية الى طريق رضاه التي خص بها من انعم الله عليه دون طريق الامتين المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى ثم اعطى كل جارحة من الجوارح حظها من الخشوع والخضوع والعبودية مع غاية الثناء والتمجيد لله رب العالمين لا يلتفت عن معبوده بوجهه ولا قلبه ولا يكلم أحدا كلمة بل قد فرغ قلبه لمعبوده ولا يحدث في صلاته ولا يجعل بين عينيه صورة مصنوعة يدعوها ويتضرع اليها فالذين اختاروا تلك الصلاة التي هي في الحقيقة استهزاء بالمعبود لا يرضاها المخلوق لنفسه فضلا أن يرضى بها الخالق على هذه الصلاة التي لو عرضت على من له أدنى مسكة من عقل لظهر له التفاوت بينهما هم الذين اختاروا تكذيب رسوله وعبده على الايمان به وتصديقه فالعاقل اذا وازن بين ما اختاروه ورغبوا فيه وبين ما رغبوا عنه تبين له ان القوم اختاروا الضلالة على الهدى والغي على الرشاد والقبيح على الحسن والباطل على الحق وانهم اختاروا من العقائد ابطلها ومن الاعمال اقبحها واطبق على ذلك اساقفتهم وبتاركتهم ورهبانهم فضلا عن عوامهم وسقطهم
أكثر النصارى مقلدون فصل ولم يقل احد من المسلمين ان ما ذكرتم من صغير وكبير وذكر وانثى وحر وعبد وراهب وقسيس وكلهم تبين له الهدى بل اكثرهم جهال بمنزلة الدواب السائمة معرضون عن طلب الهدي فضلا عن تبيينه لهم وهم مقلدون لرؤسائهم وكبرائهم

علمائهم وهم اقل القليل وهم الذين اختاروا الكفر على الايمان بعد تبين الهدى وأي اشكال يقع للعقل في ذلك فلم يزل في الناس من يختار الباطل فمنهم من يختاره جهلا وتقليدا لمن يحسن الظن به ومنهم من يختاره مع علمه ببطلانه كبرا وعلوا ومنهم من يختاره طمعا ورغبة في مأكل أو جاه أو رياسة ومنهم من يختاره حسدا وبغيا ومنهم من يختاره محبة في صورة وعشقا ومنهم من يختاره خشية ومنهم من يختاره راحة ودعة فلم تنحصر اسباب اختبار الكفر في حب الرياسة والمأكلة
من آمن بالنبي من رؤساء الناصى فصل وأما المسألة الثانية وهي قولكم هب أنهم اختاروا الكفر لذلك فهل لا اتبع الحق من لا رياسة له ولا مأكلة اما اختبارا واما قهرا فجوابه من وجوه
أحدها انا قد بينا ان أكثر من ذكرتم قد آمن بالرسول وصدقه اختيارا لا اضطرارا وأكثرهم اولوا العقول والاحلام والعلوم ممن لا يحصيهم الا الله فرقعة الاسلام انما انتشرت في الشرق والغرب باسلام اكثر الطوائف فدخلوا في دين الله افواجا حتى صار الكفار معهم تحت الذلة والصغار وقد بينا ان الذين اسلموا من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين أكثر من الذين لم يسلموا وانه انما بقي منهم أقل القليل وقد دخل في دين الاسلام من ملوك الطوائف ورؤسائهم في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم خلق كثير وهذا ملك النصارى علىإقليم الحبشة في زمن النبي صلى الله عليه و سلم لما تبين له انه رسول الله آمن به دخل في دينه وآوى اصحابه ومنعهم من أعدائهم وقصته اشهر من أن تذكر ولما مات اعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم اصحابه بالساعة التي توفي فيها وبينهما مسيرة شهر ثم خرج بهم الى المصلى وصلى عليه فروي الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا على أن يبعثوا الى التجاشي هدايا مما يستظرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الادم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارته بطريقا الا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وأمروهما أمرهم وقالوا لهما ادفعا الى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا الى النجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم اليكم قبل أن يكلمهم قالت فخرجنا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وعند خير جوار فلم يبق من بطارقته بطريق الا دفعا اليه هديته

قبل ان بكلما النجاشي ثم قالا لكل بطريق انه قد صبا الى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا انتم وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من ابائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فاذا كلمنا الملك فيهم فاشيروا عليه بان يسلمهم الينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا نعم ثم إنهما قربا هداياهم الى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له أيها الملك انه قد صبا الى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا اليك فيهم اشراف قومهم من أبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن شيء أبغض الى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك قومهم اعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم فاسلمهم اليهما ليردوهم الى بلادهم وقومهم قالت فغضب النجاشي ثم قال لا ها الله اذن لا أسلمهم اليهما ولا أكاد اقوام جاوروني نزلوا ببلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فاسئلهم ما يقول هذان في أمرهم فان كانوا كما يقولان أسلمتهم اليهما ورددتهم الى قومهم وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهما واحسنت جوارهم ما جاوروني قالت ثم أرسل الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل اذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما امرنا به نبينا صلى الله عليه و سلم كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاؤه وقد دعا النجاشي اساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين احد من هذه الامم قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الاصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الارحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان وامرنا بصدق الحديث واداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف المحصنة وامرنا ان نعبد الله لا نشرك به شيئا وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام قالت فعدد عليه امور الاسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا

فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الاوثان من عبادة الله عز و جل وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا حرجنا الى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك ايها الملك قالت فقال النجاشي هل معك مما جاء به عن الله من شيء قالت فقال له جعفر نعم فقال له النجاشي فاقرأه على فقرأ عليه صدرا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت اساقفته حتى اخضلو مصاحفهم حين سمعوا ما تلى عليهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقوا فوالله لا اسلمهم اليكم ابدا ولا اكاد قالت ام سلمة فلما خرجنا من عنده قال عمر بن العاص والله لآتينه غدا أعيبهم عنده بما استأصل به خصراءهم قالت فقال عبد الله بن أبي ربيعة وكان ابقى الرجلين فينا لا تفعل فان لهم ارحاما وان كانوا قد خالفونا قال والله لاخبرنه أنهم يزعمون ان عيسى بن مريم عبد قالت ثم غدا عليه من الغد فقال له ايها الملك انهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فارسل اليهم فأسألهم عما يقولون فبه قالت فأرسل اليهم فسئلهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ما تقولون في عيسى اذا سألكم عنه قالوا نقول والله فيه ما قال الله عز و جل وما جاء به بيننا كائنا في ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم فقال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته التي القاها الى مريم العذراء البتول وروح منه فضرب النجاشي يده الى الارض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال وإن نخرتم وان نخرتم والله اذهبوا فانتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون من سبكم غرم من سبكم غرم ما أحب ان لي دبر ذهب واني أذيت رجلا منكم والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما ولا حاجة لي بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فأخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فاطيعهم فيه قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاؤا به واقمنا عنده بخير دار مع خير جار قالت فوالله انا لعلى ذلك اذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه قالت فوالله ما علمنا حزنا قط كان اشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا ان يظهر على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت فسار النجاشي وبينهما عرض النيل فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم حتى يأتينا بالخبر قالت فقال الزبير انا وكان من احدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة

فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج الى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده فاستوسق له امر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كان شهر ربيع الاول سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى النجاشي كتابا بدعوه فيه الى الاسلام وبعث به مع عمروا بن امية الضمري فلما قرىء عليه الكتاب اسلم وقال لو قدرت على أن آتيه لاتيته وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان ففعل وأصدق عنه اربعمائة دينار وكان الذي تولى التزويج خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبعث اليه من بقي عنده من اصحابه ويحملهم ففعل فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر فشخصوا اليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم رسول الله صلى المسلمين أن يدخلوهم في سهامهم ففعلوا فهذا ملك النصارى قد صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم وآمن به واتبعه وكم مثله ومن هو دونه ممن هداه الله من النصارى قد دخل في الدين وهم اكثر باضعاف مضاعفة ممن اقام على النصرانية
قال ابن اسحق وقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة وعشرون رجلا أو قريبا من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا اليه وكلموه وقبالتهم رجال من قريش في انديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسئلة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لي الله وتلا عليهم القرآن فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم ابو جهل ابن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من روائكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تظمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قالوا فقالوا لهم سلام عليكم لانجاهلكم لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل من أنفسنا خيرا ويقال ان النفر من النصارى من أهل نجران ويقال فيهم نزلت الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون واذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا الى قوله سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين وقال الزهري ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه

قال ابن اسحق ووفد على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد نصارى نجران بالمدينة فحدثني محمدا بن جعفر بن الزبير قال لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه و سلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فاراد الناس منعهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم وكانوا ستين راكبا منهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم منهم ثلاثة نفر اليهم يؤول امرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون الا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسبح والسيل عقالهم وصاحب رحلهم ومجمعهم وأبو حارثة ابن علقمة أسقفهم وحبرهم وامامهم وصاحب مدارسهم وكان ابو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم فلما وجهوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم من نجران جلس ابو حارثة على بغلة متوجها الى رسول الله صلى الله عليه و سلم والى جنبه أخ له يقال له كرز بن علقمة يسايره اذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال له كرز تعس الابعد يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أبو حارثة بل أنت تعست فقال ولم يا أخي فقال والله انه للنبي الذي كنا ننتظره فقال له كرز فما يمنعك من اتباعه وأنت تعلم هذا فقال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا الا خلافه ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فاصر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك فهذا وأمثاله من الذين منعتهم الرياسة والمأكل من اختيار الهدى وآثروا دين قومهم واذا كان هذا حال الرؤساء المتبوعين الذين هم علماؤهم وأحبارهم كان بقيتهم تبعا لهم وليس بمستنكر أن تمنع الرياسة والمناصب والمآكل للرؤساء ويمنع الاتباع تقليدهم بل هذا هو الواقع والعقل لا يستشكله
فصل وكان من رؤساء النصارى الذين دخلوا في الاسلام لما تبين أنه الحق الرئيس المطاع في قومه عدي بن حاتم الطائي ونحن نذكر قصته رواها الامام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم قال عدي بن حاتم أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو جالس في السمجد فقال القوم هذا عدي بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب فلما رفعت اليه أخذ بيدي وقد كان قال قبل

ذلك اني لا أرجوا أن يجعل الله يده في يدي قال فقام لي فلقيته امرأة وصبي معها فقالا ان لنا اليك حاجة فقام معهما حتى قضى حاجتهما ثم أخذ بيدي حتى أتي بي داره فالقت له الوليدة وسادة فجلس عليها وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما يفرك ان تقول لا اله الا الله فهل تعلم من اله سوى الله قال قلت لا ثم تكلم ساعة قم قال انما يفرك ان يقال الله تعالى أكبر وتعلم ان شيئا أكبر من الله قال قلت لا قال فان اليهود مغضوب عليهم وان النصارى ضلال قال قلت فاني حنيف مسلم قال فرأيت وجهه ينبسط فرحا قال ثم امر بي فانزلت عند رجل من الانصار جعلت اغشاه آتيه طرفي النهار قال فبينا أنا عنده عشبة اذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار قال فصلى وقام فحث عليهم ثم قال ولو بصاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ولو بتمرة ولو بشق تمرة فان أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم ألم أجعل لك سمعا وبصرا فيقول بلى فيقول ألم أجعل لك مالا وولدا فيقول بلى فيقول أين ما قدمت لنفسك فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئا يقي وجهه حر جهنم ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فان لم يجد فبكلمة طيبة فاني لا أخاف عليكم الفاقة فان الله ناصركم ومعطيكم حتى لتسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما يخاف على مطيتها السرق قال فجعلت أقول في نفسي فاين لصوص طي وكان عدي مطاعا في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم وقال حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين قال قال أبو عبيدة بن حذيفة قال عدي بن حاتم بعث الله محمد صلى الله عليه و سلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط فخرجت حتى أتيت أقصى أرض العرب مما يلي الروم ثم كرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الاول فقلت لو أتيته فسمعت منه فأتيت المدينة فاسشرفني الناس وقالوا جاء عدي بن حاتم الطائي جاء عدي بن حاتم الطائي فقال يا عدي بن حاتم الطائي اسلم تسلم فقلت اني على دين قال أنا أعلم بدينك منك قلت أنت أعلم بديني مني قال نعم قال هذا ثلاثا قال ألست لوسيا قلت بلى قال ألست ترأس قومك قلت بلى قال ألست تأخذ المرباع قلت بلى قال فان ذلك لا يحل لك في دينك قال فوجدت بها على غضاضة ثم قال لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة وترى الناس علينا ألبا واحدا هل رأيت الحيرة قلت لم أرها وقد علمت مكانها قال فان الظعينة سترحل من من الحيرة تطوف بالبيت بغير جوار وليفتحن الله علينا كنوز كسرى بن هرمز قلت

كسرى ابن هرمز قال كنوز كسرى ابن هرمز وليفيض المال حتى يهتم الرجل من يقبل منه صدقته قال فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار وكنت في أول خيل أغارت على المدائن ووالله لتكونن الثالثة انه حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد كان سلمان الفارسي من أعلم النصارى بدينهم وكان قد تيقن خروج النبي صلى الله عليه و سلم فقدم المدينة قبل مبعثه فلما رآه عرف انه هو النبي الذي بشر به المسيح فآمن به واتبعه ونحن نسوق قصته قال ابن اسحق حدثني عاصم عن محمود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني سلمان الفارسي من فيه قال كنت رجلا فارسيا من أهل اصبهان من قرية يقال لها جي وكان ابي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله اليه لم يزل حبه إياي حتى حبه أياي حبسني في بيت كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي نوقدها لا نتركها تخبو ساعة وكانت لابي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال يا بني اني قد شغلت في بنياني تحتبس عني فانك ان احتبست عني كنت أهم الى من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري فخرجت أريد ضيعته التي بعثني اليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي اياي في بته فلما سمعت اصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعته فلم آتها ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فرجعت الى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال يا بني أين كنت ألم أكن عهدت اليك ما عهدت قلت يا أبت مررت باناس يصلون في كنيسة لهم فاعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه فقلت له كلا والله انه لخير من ديننا فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته وبعثت الى النصارى فقلت لهم اذا قدم عليكم ركب من الشام فاخبروني بهم فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني فقلت لهم اذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة الى بلادهم فآذنوني بهم قال فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين علما قالوا الاسقف في الكنيسة فجئته

فقلت له اني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك فأخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال ادخل فدخلت معه فكان رجل سؤ يامرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فاذا جمعوا اليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق فأبغضته بغضا شديدا لما رايته يصنع ثم مات واجتمعت النصارى ليدفنوه فقلت لهم ان هذا كان رجل سؤ يامركم بالصدقة يرغبكم فيها فإذا جئتموه يها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا فقالوا لي وما علمك بذلك قلت أنا أدلكم على كنزه فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا والله لاندفنه أبدا فصلبوه ورموه بالحجارة وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلا يصلى ارى انه أفضل منه ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له يا فلان اني قد كنت معك واحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فالي من توصي بي وبم تأمرني فقال أي بني والله ما أعلم احدا على ماكنت عليه ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه الا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فاخبرته خبري وما أمرني به صاحبي فقال أقم عندي فاقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فاقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان ان فلانا أوصي بي الى فلان ثم أوصى بي فلان اليك فالي من توصي بي وبم تأمرني فقال يا بني والله ما اعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه الا رجلا بعمورية من أرض الروم فانه على مثل ما نحن عليه فان أحببت فأته فلما مات وغيبت لحقت بصاحب عمورية فاخبرته خبري فقال أقم عندي فاقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم فاكتسبت حتى كانت لي بقيرات وغنيمة ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له يا فلان اني كنت مع فلان فاوصي بي الى فلان ثم أوصي بي فلان اليك فالى من توصي بي وبم تأمرني قال يا بني والله ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا

عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين ابراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره الى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فان استطعت ان تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله ان أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم أحملوني الى ارض العرب واعطيكم بقيراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتموها فحملوني معهم حتى اذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي فكنت عنده فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي فينا انا عنده اذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فحملني الى المدينة فوالله ما هو الا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فاقمت بها وبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقام بمكة ما أفام لا اسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر الى المدينة فوالله اني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي اذ اقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة والله انهم الآن لمجتمعون معنا على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون انه نبي فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت اني ساقط على سيدي فنزلت عن النخلة فجعلت اقول لابن عمه ذلك ما تقول فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال مالك ولهذا اقبل على عملك فقلت لا شيء انما اردت ان استثبته عما قال وقد كان عندي شيء جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بقبا فدخلت عليه فقلت له انه قد بلغني انك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته اليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاصحابه كلوا وأمسك فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة ثم جئته به فقلت اني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فاكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله وهو ببقع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعلي شملتان لي وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت انظر الى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رأني صلى الله عليه و سلم استديرته عرف أني ساتثبت في شيء وصف لي فالقى الرداء عن ظهره فنظرت الىالخاتم فعرفته فاكبيت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم تحول فتحولت فجلست

بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فاعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أ يسمع ذلك اصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدر واحد قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين اوقية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ودية والرجل بخمسة عشر والرجل بعشر يعينني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم إذهب يا سلمان ففقر لها فاذا فرغت فاتني أكن أنا اضعها بيدي ففقرت واعانني اصحابي حتى اذا فرغت جئته فأخبرته فخرج معي اليها فجعلنا نقرب اليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده حتى فرغت فو الذي نفسي بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي على المال فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب فدعيت له فقال خذ هذه فادها مما عليك يا سلمان فقلت وأين تقع يا رسول الله مما علي قال خذها فان الله سيؤدي بها فاخذتها فوزنت منها لهم والذي نفسي بيده اربعين اوقية فاوفيتهم حقهم فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد
في فصل وكان ملك الشام أحد اكابر علمائهم بالنصرانية هرقل قد عرف انه رسول الله صلى الله عليه و سلم حقا وعزم على الاسلام فابى عليه عباد الصليب فخافهم على نفسه وضن بملكه مع علمه بانه سينقل عنه الى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمته ونحن نسوق قصته ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس أن أبا سفيان أخبره من فيه الى فيه قال انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فبينا أنا بالشام اذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى هرقل وقد كان دحية بن خليفة جاء به فدفعه الى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى الى هرقل فقال هرقل هل ههنا احد من قوم هذا الرجل الذي يزعم انه نبي قالوا نعم قال فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فاجلسنا بين يديه واجلسوا اصحابي خلفي فدعا بترجمانه فقال قل لهم اني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم انه نبي فان كذبتم كذبوه فقال أبو سفيان وايم الله لولا مخافة ان يؤثر على الكذب لكذبت ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه

من ملك قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال ومن اتبعه أشراف الناس أم ضعفاءهم قلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت لا بل يزيدون قال فهل يرتد احد منهم عن دينه بعد ان يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف كان قتالكم اياه قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قلت لا ونحن منه في مدة ما ندري ما هو صانع فيها قال فوالله ما امكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل قال هذا القول احد قبله قلت لا قال لترجمانه قل له أني سألتك عن حسبه فزعمت انه فيكم ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في احساب قومها وسألتك هل كان في ابائه ملك فزعمت ان لا فقلت لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك آبائه وسألتك عن اتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم اتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت ان لا فقد عرفت انه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله عز و جل وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له فزعمت ان لا وكذلك الايمان اذا خالطت بشاشته القلوب وسألتك هل يزيدون ام ينقصون فزعمت انهم يزيدون وكذلك الايمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت انكم قاتلتموه فيكون الحرب بينكم وبينه سجالا ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قال هذا القول احد قبله فزعمت أن لا فقلت لو قال هذا القول أحد من قبله قلت رجل إئتم بقول قيل قبله ثم قال فبم يأمركم قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف قال ان يكن ما تقول حقا انه لنبي وقد كنت أعلم انه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم ولو أعلم أني أخلص اليه لاحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأه فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى اما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام اسلم تسلم اسلم يؤتك الله أجرك مرتين وان توليت فان عليك لعنة الاريسيين و يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لانعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولو اشهد بانا مسلمون فلما قرأه وفرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الاصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا ثم أذن هرقل عظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمرا بابوابها فغلقت ثم أطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن تثبت مملكتكم فتبايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد

غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الايمان قال ردوهم علي فقال اني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فهذا ملك الروم وكان من علمائهم أيضا عرف وأقر انه نبي وانه سيملك ما تحت قدميه وأحب الدخول في الاسلام فدعى قومه اليه فولوا عنه معرضين كانهم حمر مستنفرة فرت من قسورة فمنعه من الاسلام الخوف على ملكه ورياسته ومنع أشباه الحمير ما منع الامم قبلهم
ولما عرف النجاشي ملك الحبشة ان عباد الصليب لا يخرجون عن عبادة الصليب الى عبادة الله وحده اسلم سرا وكان يكتم اسلامه بينهم هو واهل بيته ولا يمكنه مجاهرتهم ذكر ابن اسحق ان رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسل اليه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه مكانه يدعوه الى الاسلام فقال له عمرو يا أصحمة علي القول وعليك الاستماع إنك كانك في الرقة علينا منا وكانا في الثقة بك منك لانا لم نظن بك خيرا قط الا نلناه ولم نخفك على شيء قط الا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الانجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور وفي ذلك موقع الحز وأصابه المفصل والا فانت في هذا النبي الامي كاليهود في عيسى ابن مريم وقد فرق النبي صلى الله عليه و سلم رسله الى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخبر سالف وأجر منتظر فقال النجاشي أشهد بالله انه للنبي الامي الذي ينتظره أهل الكتاب وان بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل وان العيان ليس باشفى من الخبر
قال الواقدي وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم اليه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم الى النجاشي ملك الحبشة أسلم أنت فاني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها الى مريم البتول الطيبة الحصينة حملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده واني أدعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فاني رسول الله اليك واني أدعوك وجنودك الى الله وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى
فكتب اليه النجاشي بسم الله الرحمن الرحيم الى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا اله الا هو أما بعد فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والارض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا انه كما ذكرت وقد عرفنا ما بعثت به الينا وقد قر بنا

ابن عمك واصحابه فاسهد انك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك واسلمت على يديه لله رب العالمين والتفروق علامة تكون بين النواة والتمرة
في فصل وكذلك ملك دين النصرانية بمصر عرف أنه نبي صادق ولكن منعه من اتباعه ملكه وان عباد الصليب لا يتركون عبادة الصليب ونحن نسوق حديثه وقصته قال الواقدي كتب اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله الى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى اما بعد فاني ادعوك بداعية الاسلام اسلم تسلم اسلم يؤتك الله أحرك مرتين فان توليت فان عليك اثم القبط يا أهل الكتب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون وختم الكتاب فخرج به حاطب حتى قدم عليه الاسكندرية فانهى الى حاجبه فلم يلبثه ان اوصل اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال حاطب للمقوقس لما لقيه انه قد كان قبلك رجل يزعم انه الرب الاعلى فاخذه الله نكال الآخرة والاولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك قال هات قال إن لنا دينا لن ندعه الا لما هو خير منه وهو الاسلام الكافي به الله فقد ما سواه ان هذا النبي دعا الناس فكان اشدهم عليه قريش واعداهم له يهود واقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى الا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا اياك الى القرآن الا كدعائك أهل التوراة الى الانجيل وكل نبي ادرك قوما فهم من امته فالحق عليهم ان يطيعوه فانت ممن ادرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به فقال المقوقس إني قد نظرت في أن هذا النبي فرأيته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه ولم اجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه الة النبوة من اخراج الخبء والاخبار بالنجوى ووصف لحاطب اشياء من صفة النبي صلى الله عليه و سلم وقال القبط لا يطاوعونني في اتباعه ولا أحب ان تعلم بمحاورتي اياك وانا اضن بملكي ان أفارقه وسيظهر على بلادي وينزل بساحتي هذه اصحابه من بعده فارجع الى صاحبك وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه الى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب العربية فكتب بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا اليه وقد علمت ان نبيا بقي وكنت اظن انه يخرج بالشام وقد اكرمت رسولك وبعثت اليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة

وأهديت اليك بغلة لتركبها والسلام عليك ولم يزد والجاريتان مارية وسيرن والبغلة دلدل وبقيت الى زمن معاوية قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
في فصل وكذلك ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى اسلما طوعا واختيارا ونحن نذكر فصتهما وكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اليهما وهذا لفظه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله الى حيفر وعبيد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعو كما بداعية الاسلام اسلما تسلما فاني رسول الله الى الناس كافة لانذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وانكما ان اقررتما بالاسلام وليتكما مكانكما وان أبيتما ان تقرا بالاسلام فان ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم الكتاب وبعث به مع عمرو ابن العاص قال عمرو فخرجت حتى انتهيت الى عمان فلما قدمتها انتهيت الى عبيد وكان احلم الرجلين واسهلهما خلقا فقلت اني رسول رسول الله اليك والى أخيك فقال أخي المقدم على بالسن والملك وأنا أوصلك اليه حتى يقرأ كتابك ثم قال لي وما تدعو اليه قلت ادعوك الى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله قال يا عمرو انك سيد قومك فكيف صنع أبوك فان لنا فيه قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد ووددت انه كان أسلم وصدق به وكنت أا على مثل رأيه حتى هداني الله للاسلام قال فمتى تبعته قلت قريبا فسألني أين كان اسلامي فقلت عند النجاشي واخبرته أن النجاشي قد أسلم قال فكيف صنع قومه بملكه قلت اقروه قال والاساقفة والرهبان قلت نعم قال انظر يا عمرو ما تقول انه ليس خصلة في رجل افضح له من كذب قلت ما كذبت وما نستحله في ديننا ثم قال ما أرى هرقل علم باسلام النجاشي قلت بلى قال باي شيء علمت ذلك قلت كان النجاشي يخرج له خراجا فلما اسلم وصدق بمحمد قال لا والله لو سألني درهما واحدا ما اعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له نياق اخوه اتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا قال هرقل رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال انظر ما تقول يا عمرو قلت والله لقد صدقتك قال عبد فاخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه قلت يأمر بطاعة الله عز و جل وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال ما

أحسن هذا الذي يدعوا اليه لو كان اخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير دينا قلت انه ان أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه و سلم على قومه فاخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم قال ان هذا لخلق حسن وما الصدقة فاخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم من الصدقات في الاموال حتى انتهيت الى الابل فقال يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه فقلت نعم فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا قال فمكثت ببابه اياما وهو يصل الى أخيه فيخبره كل خبرى ثم انه دعاني يوما فدخلت عليه فاخذ اعوانه بضبعي فقال دعوه فارسلت فذهبت لاجلس فابوا أن يدعوني أجلس فنظرت اليه فقال تكلم بحاجتك فدفعت اليه الكتاب مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى الى آخرة ثم دفعه الى أخيه فقرأه مثل قراءته الا اني رأيت أخاه ارق منه ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت اتبعوه اما راغب في الاسلام واما مقهور بالسيف قال ومن معه قلت الناس قد رغبوا في الاسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله اياهم انهم كانوا في ضلال فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة وان أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد خضرائك فاسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال دعني يومي هذا وارجع الى غدا فرجعت الى أخيه فقال يا عمرو اني لارجو أن يسلم ان لم يضن بملكه حتى اذا كان الغد أتيت اليه فابى ان يأذن لي فانصرفت الى اخيه فأخبرته اني لم أصل اليه فاوصلني اليه فقال اني فكرت فيما دعوتني اليه فاذا أنا أضعف العرب ان ملكت رجلا ما في يدي وهو لا يبلغ خيله ههنا وان بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقا قلت وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال ما نحن فيما قد ظهر عليه وكل من أرسل اليه قد أجابه فاصبح فارسل الى فاجاب الى الاسلام هو وأخوه جميعا وصدقا النبي صلى الله عليه و سلم وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونا على من خالفني
في فصل وكتب النبي صلى الله عليه و سلم الى هوادة بن علي الحنفي صاحب اليمامة بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هوذة بن علي سلام على من أتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر الى منتهى الخف والحافر فاسلم تسلم أجعل لك ما تحت يدك وكان عنده اركون دمشق عظيم من عظماء النصارى فسأله عن النبي صلى الله عليه و سلم وقال قد جاءني كتابه يدعوني الى الاسلام فقال له الاركون لم لا تجيبه فقال ضننت

بديني وأنا ملك قومي ان أتبعته لم أملك قال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وان الخيرة لك في اتباعه وانه للنبي العربي بشر به عيسى بن مريم والله انه لمكتوب عندنا في الانجيل
في فصل وذكر الواقدي ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث شجاع بن وهب الى الحارث ابن أبي شمر وهو بغوطة دمشق فكتب اليه مرجعه من الحديبية بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى الحرث ابن أبي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق واني أدعوك الى ان تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك وختم الكتاب فخرج به شجاع بن وهب قال فانتهيت الى حاجبه فاجده يومئذ وهو مشغول بتهيئة الانزال والالطاف لقيصر وهو جاء من حمص الى ايليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله عز و جل قال فاقمت على بابه يومين او ثلاثة فقلت لحاجبه اني رسول رسول الله اليه فقال حاجبه لا تصل اليه حتى يخرج يوم كذا وكذا وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مرى يسألني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يدعو اليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول إني قرأت في الانجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه يخرج بالشام فاراه قد خرج بارض العرب فانا أومن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث ابن أبي شمر أن يقتلني قال شجاع فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر قال فخرج الحارث يوما وجلس فوضع التاج على رأسه فاذن لي عليه فدفعت اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأه وقال من ينتزع مني ملكي أنا سائر اليه ولو كان باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل وأمر بالخيل أ تنعل ثم قال أخبر صاحبك ما ترى وكتب الى قيصر يخبره خبرى فصادف قيصر بايليا وعنده دحية الكلبي قد بعثه اليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب اليه أن لا تسر اليه وأنه عنه ووافني بايليا قال روجع الكتاب وأنا مقيم فدعاني وقال متى تريد أن تخرج الى صاحبك قلت غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ووصلني مرى بنفقة وكسوة وقال أقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام واخبره اني متبع دينه قال شجاع فقدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاخبرته فقال باد ملكه واقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق

في فصل ونحن انما ذكرنا بعض ملوك الطوائف الذين آمنوا به وأكابر علمائهم وعظمائهم ولا يمكننا حصر من عداهم وهم جمهور أهل الارض ولم يتخلف عن متابعة الاقلون وهم إما مسالم له قد رضي بالذلة والجزية والهوان وإما خائف منه فأهل الارض معه ثلاثة أقسام مسلمون له ومسالمون له وخائفون منه
ولو لم يسلم من اليهود في زمنه الا سيدهم على الاطلاق وابن سيدهم وعالمهم وابن عالمهم باعترافهم له بذلك وشهادتهم عبد الله بن سلام لكان في مقابلة كل يهودي على وجه الارض فيكف وقد تابعه على الاسلام من الاحبار والرهبان من لايحصى عددهم الا الله ونحن نذكر قصة عبد الل بن سلام فروى البخارى في صحيحه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن انس بن مالك قال اقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الى المدينة فقالوا جاء نبي الله فاستشرفوا ينظرون اذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لاهله يخترف لهم منه فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه و سلم ثم رجع الى أهله فلما خلا نبي الله صلى الله عليه و سلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد انك نبي الله حقا وانك جئت بالحق ولقد علمت اليهود اني سيدهم وابن سيدهم واعلمهم وابن اعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا اني قد اسلمت فانهم ان يعلموا اني قد اسلمت قالوا في ما ليس في فارسل نبي الله صلى الله عليه و سلم اليهم فدخلوا عله فقال لهم نبي الله صلى الله عليه و سلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا اله الا هو انكم لتعلمون اني رسول الله حقا واني جئتكم بحق اسلموا قالوا ما نعلمه فاعادها عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك قال أي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا واعلمنا وابن اعلمنا قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاش لله ما كان ليسلم فقال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج اليهم فقال يا معشر اليهود ويلكم فقالوا كذبت فاخرجهم النبي صلى الله عليه و سلم وفي صحيح البخاري أيضا من حديث حميد عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في أرض له فاتي النبي صلى الله عليه و سلم فقال اني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبي ما أول اشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد الى أبيه أو الى أمه قال اخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة قال ثم قرأ هذه الآية من كان عدوا لجبريل فانه نزله على

قلبك باذن الله أما أول اشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق الى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت واذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد الى ابيه واذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد الى أمه فقال اشهد ان لا اله الا الله وأشهد انك رسول الله إن اليهود قوم بهت وانهم ان يعلموا باسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني فاجاءت اليهود اليه فقال أي رجل فيكم عبد الله بن سلام قالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أرأيتم ان أسلم عبد الله بن سلام قالوا اعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا اله الا الله واشهد أن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه قال هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله
وقال ابن اسحق حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن يحي بن عبد الله عن رجل من آل عبد الله بن سلام قال كان من حديث عبد الله بن سلام حين أسلم وكان حبرا عالما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرفت صفته واسمه وهيأته والذي كنا نتوكف له فكنت مسرا لذلك صامتا عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلما قدم نزل معنا في بني عمرو بن عوف فأقبل رجل حتى اخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم كبرت فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت قال قلت لها أي عمة هو والله اخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به فقالت يا ابن أخي أهو النبي الذي كنا نبشر به انه يبعث مع نفس الساعة قال قلت لها نعم قالت فذاك اذا قال ثم خرجت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسلمت ثم رجعت الى أهل بيتي فأمرتهم فاسلموا وكتمت إسلامي من اليهود ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت ان اليهود قوم بهت واني أحب ان تدخلني في بعض بيوتك تغيبني عنهم ثم تسألهم عني كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا باسلامي فانهم ان علموا بذلك بهتوني وعابوني قال فأدخلني بعض بيوته فدخلوا عليه فكلموه وسألوه فقال لهم أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا قال فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به فوالله انكم لتعلمون انه رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة اسمه وصفته فاني أشهد انه رسول الله وأومن به واصدقه واعرفه قالوا كذبت ثم وقعوا في فقلت يا رسول الله ألم أخبرك انهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور قال فاظهرت اسلامي وأسلم أهل بيتي واسلمت

عمتي ابنة الحارث فحسن اسلامها وفي مسند الامام أحمد وغيره عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وانجفل الناس قبله فقالوا قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فجئت في الناس لانظر الى وجهه فلما رأيت وجهه عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء سمعته منه ان قال يا أيها الناس اطعموا الطعام وافشوا السلام وصلوا الارحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام فعلماء القوم واحبارهم كلهم كانوا كما قال الله عز و جل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم فمنهم من آثر الله ورسوله والدار الآخرة ومنهم من آثر الدنيا واطاع داعي الحسد والكبر
وفي مغازي موسى بن عقبة عن الزهري قال كان بالمدينة مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم أوثان تعبدها رجال من اهل المدينة لا يتركونها فاقبل عليهم قومهم وعلى تلك الاوثان فهدموها وعمد أبو ياسر بن اخطب اخو حيي بن اخطب وهو ابو صفية زوج النبي صلى الله عليه و سلم فجلس الى النبي صلى الله عليه و سلم فسمع منه وحادثه ثم رجع الى قومه وذلك قبل ان تصرف القبلة نحو المسجد الحرام فقال ابو ياسر يا قوم اطيعوني فان الله عز و جل قد جائكم بالذي كنتم تنتظرون فاتبعوه ولا تخالفوه فانطلق اخوه حيي حين سمع ذلك وهو سيد اليهود يومئذ وهما من بني النضير فاتى النبي صلى الله عليه و سلم فجلس اليه وسمع منه فرجع الى قومه وكان فيهم مطاعا فقال أتيت من عند رجل والله لا ازال له عدوا ابدا فقال له اخوه ابو ياسر يا ابن امي اطعني في هذا الامر ثم اعصني فيما شئت بعده لا تهلك قال لا والله لا اطيعك واستحوذ عليه الشيطان فاتبعه قومه على رأيه
وذكر ابن اسحاق عن عبد الله ابن ابي بكر عمن حدثه عن صفية بنت حيي انها قالت لم يكن من ولد ابي وعمي احد أحب اليهما مني لم القهما في ولد قد الا اخذاني دونه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قبا نزل في نبي عمرو بن عوف فغدا اليه ابي وعمي أبو ياسر ابن أخطب مغلسين فوالله ما جاءا الا مع مغيب الشمس فجاءا فاترين كسلين ساقطين يمشيان الهوينا فهششت اليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلى احد منهما فسمعت عمي أبا ياسر يقول لابي أهو هو قال نعم والله قال تعرفه بنعته وصفته قال نعم والله قال فماذا في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير وعكرمه عن ابن عباس قال لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن شعبة وأسد بن شعبة أسيد بن

عبيد ومن أسلم من اليهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الاسلام قال من كفر من اليهود ما آمن بمحمد ولا اتبعه الا شرارنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين بائهم وذهبوا الى غيره فانزل الله عز و جل في ذلك ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين

المذكور في كتبهم غالبا نعته وهو أبلغ من الاسم في فصل قال السائل مشهور عندكم في الكتاب والسنة ان نبيكم كان مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل لكنهم محوه عنهما لسبب الرياسة والمأكلة والعقل يستشكل ذلك أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا هذا امر يستشكله العقل اعظم من نفيهم بألستنتهم لانه بمكن الرجوع عما قالوا بألسنتهم والرجوع عما محوا ابعد والجواب ان هذا السؤال مبني على فهم فاسد وهو ان المسلمين يعتقدون ان اسم النبي صلى الله عليه و سلم الصريح وهو محمد بالعربية مذكرور في التوراة والانجيل وهما اسم النبي صلى الله عليه و سلم الصريح وهو محمد بالعربية التوراة والانجيل وهما الكتابان المتضمنان لشريعتين وان المسلمين يعتقدون ان اليهود والنصارى في جميع اقطار الارض محوا ذلك الاسم واسقطوه جملة من الكتابين وتواصوا بذلك بعدا وقربا وشرقا وغربا وهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين ولا أخبر الله سبحانه به في كتابه عنهم ولا رسوله ولا بكتهم به يوما من الدهر ولا قاله أحد من الصحابة ولا الائمة بعدهم ولا علماء التفسير ولا المعتنون بأخبار الامم وتواريخهم وان قدر انه قاله بعض عوام المسلمين يقصد به نصر الرسول فقد قيل يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل وانما أتى هؤلاء من قلة فهم القرآن وظنوا أن قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر دل على الاسم الخاص بالعربية في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر دل على الاسم الخاص بالعربية في التوراة والانجيل المخصوصين وان ذلك لم يوجد البتة فهذه ثلاث مقامات
أما المقام الاول فالرب سبحانه انما أخبر عن كون رسوله مكتوبا عندهم أي الاخبار عنه وصفته ومخرجه ونعته ولم يخبر بأن صريح اسمه العربي مذكور عندهم في التوراة والانجيل وهذا واقع في الكتابين كما سنذكر الفاظهما ان شاء الله وهذا أبلغ من ذكره بمجرد اسمه فان الاشتراك قد يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز ولا يشاء أحد يمسى يهذا الاسم أن يدعي انه هو إلا فعل اذ الحوالة انما وقعت على مجرد الاسم وهذا لا يحصل به بيان ولا تعريف ولا هدى بخلاف ذكره بنعته وصفته وعلاماته ودعوته وصفة أمته ووقت مخرجه ونحو ذلك فان هذا يعينه ويميزه ويحصر نوعه في شخصه وهذا القدر مذكور في التوراة والانجيل وغيرهما من النبوات التي بأيدي

في أهل الكتاب كما سنذكرها ويدل عليه وجوه
الوجه الاول أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان احرص الناس على تصديقه واتباعه واقامة الحجة على من خالفه وجحد نبوته ولا سيما أهل العلم والكتاب فان الاستدلال عليهم بما يعلمون بطلانه قطعا لا يفعله عاقل وهو بمنزلة من يقول لرجل علامة صدقي انك فلان ابن فلان وصنعتك كيت وكيت وتعرف بكيت وكيت ولم يكن الامر كذلك بل بضده فهذا لا يصدر ممن له مسكة عقل ولا يصدقه أحد على ذلك ولا يتبعه أحد على ذلك بل ينفر العقلاء كلهم عن تصديقه واتباعه والعادة تحيل سكوتهم عن الطعن عليه والرد والتهجين لقوله ومن المعلوم بالضرورة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه نادى معلنا في هاتين الامتين اللتين هما أعلم الامم في الارض قبل مبعثه بأن ذكره ونعته وصفته بعينه عندهم في كتبهم وهو يتلو ذلك عليهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا في كل مجمع وفي كل ناد يدعوهم بذلك الى تصديقه والايمان به فمنهم من يصدق ويؤمن به ويخبر بما في كتبهم من نعته وصفته وذكره كما سيمر بك ان شاء الله وغاية المكذب الجاحد أن يقول هذا النعت والوصف حق ولكن لست أنت االمراد به بل نبي آخر وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة ولم تجد عليه هذه المكابرة الاكشفه عورته وابدائه الفضيحة بالكذب والبهتان فالصفات والنعوت والعلامات المذكورة عندهم منطبقة عليه حذو القذة بالقذة بحيث لا يشك من عرفها ورآه أنه هو كما عرفه قيصر وسلمان بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه وكذلك هرقل عرف نبوته با وصف له من العلامات التي سأل عنها أبا سفيان فطابقت ما عنده فقال ان يكن ما تقول حقا فانه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين وكذلك من قدمنا ذكرهم من الاحبار والرهبان الذين عرفوه بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم قال تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون وقال في موضع آخر الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون ومعلوم أن هذه المعرفة انما هي بالنعت والصفة المكتوبة عندهم التي هي منطبقة عليه كما قال بعض المؤمنين منهم والله لاحدنا اعرف به من ابنه ان احدنا ليخرج من عند امرأته وما يدري ما يحدث بعده ولهذا أثنى الله سبحانه على من عرف الحق منهم ولم يستكبر عن اتباعه فقال لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن

بالله وما جاءنا من الحق ونطمع ان يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب الجحيم قال ابن عباس لما حضر اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بين يدي النجاشي وقرا القرآن سمع ذلك القسيسون والرهبان فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق فقال الله تعالى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون الايات وقال سعيد بن جبير بعث النجاشي من خيار اصحابه ثمانين رجلا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ عليهم القرآن فبكوا ورقوا وقالوا نعرف والله فاسلموا وذهبوا الى النجاشي فاخبروه فاسلم فأنزل الله فيهم واذا سمعوا ما أنزل الى الرسول الايات وقال السدي كانوا اثني عشر رجلا سبعة من القسيسين وخمسة من الرهبان فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن بكوا وقالوا ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين قال ابن عباس هم محمد وامته وهم القوم الصالحون الذين طمعوا ان يدخلهم الله فيهم والمقصود ان هؤلاء الذي عرفوا انه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة الى الايمان ونظير هذا قوله سبحانه قل آمنوا به أولا تؤمنوا ان الذين أتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا قال امام التفسير مجاهد هم قوم من أهل الكتاب لما سمعوا القرآن خروا سجدا وقالوا سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا كان الله عز و جل وعد على السنة انبيائه ورسله ان يبعث في آخر الزمان نبيا عظيم الشأن يظهر دينه على الدين كله وتنتشر دعوته في اقطار الارض وعلى رأس أمته تقوم الساعة واهل الكتابين مجمعون على ان الله وعدهم بهذا النبي فالسعداء منهم عرفوا الحق فآمنوا به واتبعوه والاشقياء قالوا نحن ننتظره ولم يبعث بعد رسولا فالسعداء لما سمعوا القرآن من الرسول عرفوا انه النبي الموعود به فخروا سجدا لله ايمانا به وبرسوله وتصديقا بوعده الذي انجزه فرأوه عيانا فقالوا سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا
وذكر يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه جده قال يونس وكان نصرانيا فاسلم ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب الى أهل نجران بسم الله ابراهيم واسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول الله الى اسقف نجران واهل نجران سلم انتم اني احمد اليكم اله ابراهيم واسحق ويعقوب اما بعد فاني ادعوكم الى عبادة الله من عبادة العباد وادعوكم الى ولاية الله من ولاية العباد فان ابيتم فاجزيه فان ابيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام فلما اتي الاسقف الكتاب فقرأه فظع به وزعره ذعرا شديدا فبعث الى رجل من اهل عمان يقال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن احد يدعى الى

معضلة قبله فدفع الاسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى شرحبيل فقرأه فقال الاسقف ما رأيك يا ابا مريم فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله ابراهيم في ذرية اسماعيل من النبوة فما نأمن من أن يكون هذا هو ذاك الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان امر من الدنيا اشرت عليك فيه برأي وجهدت لك فقال الاسقف تنح فاجلس فتنحي فجلس ناحية فبعث الاسقف الى رجل من اهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي اصبح من حمير فاقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل فأمره الاسقف فتنحى ثم بعث الى رجل من اهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب فاقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله فامره الاسقف فتنحى ناحية فلما اجتمع الرآي منهم على تلك المقالة جميعا امر الاسقف بالناقوس فضرب به ورفعت المسوح بالصوامع وكذلك كانوا يفعلون اذا فزعوا بالنهار واذا كان فزعهم ليلا ضرب بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع فاجتمع اهل الوادي اعلاه واسفله وطوله مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاثة وسبعون قرية وعشرون ومائة الف مقاتل فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وسألهم عن الرأي فيه فاجتمع رأي اهل الرأي منهم على ان يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونه بخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلق الوفد حتى اذا كانوا في بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب ثم انطلقوا حتى اتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم كانا يبعثان العير الى تجران في الجاهلية فيشترى لهما من برها وتمرها فوجدوهما في ناس من المهاجرين والانصار في مجلس فقالوا يا عثمان ويا عبد الرحمن ان نبيكم كتب الينا بكتاب فاقبلنا مجيبين له فاتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا فتصدينا لكلامه نهارا طويلا فاعيانا ان يكلمنا فما الرأي منكما أنعود أم نرجع اليه فقالا لعلي بن ابي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم فقال علي لعثمان و عبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون اليه ففعل وفد نجران ذلك ووضعوا حللهم وخواتيمهم ثم عادوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه فرد عليهم سلامهم ثم قال والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الاولى وان ابليس لمعهم ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له ما تقول في عيسى فانا نحب أن نعلم ما تقول فيه فانزل الله عز و جل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من

من تراب ثم قال له كن فيكون ألحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم الغد بعدما أخبرهم الخبر اقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره الى الملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض لقد علمتما ان الوادي اذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا الا عن رأيي واني والله أرى أمرا مقبلا والله لئن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبنا بجائحة وإنا لادنى العرب منهم جوارا ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلا عناه لا يبقى على وجه الارض منا شعرة ولا ظفر الا هلك فقال له صاحباه فما الرأي يا ابا مريم فقد وضعتك الامور على ذراع فهات رأيك فقال رايي ان أحكمه فاني ارى الرجل لا يحكم شططا ابدا فقالا له أنت وذاك فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اني قد رأيت خيرا من ملاعنتك فقال وما هو قال شرحبيل حكمتك اليوم الى الليل وليلتك الى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعل وراءك احدا يثرب عليك فقال له شرحبيل سل صاحبي فسألهما فقالا ما نرد الموارد ولا نصدر المصادر الا عن رأي شرحبيل فرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اذا كان الغد اتوه فكتب لهم كتاب صلح وموادعه فقبضوا كتابهم وانصرفوا الى نجران فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليله من نجران ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له ابو علقمه فدفع الوفد كتاب رسول الله ص -
الى الأسقف فيبنا هو يقرؤه وأبو علقمه معه وهما يسيران اذ كبت بابي علقمه ناقته فتعس غير أنه لا يكنى عن رسول الله ص - فقال له فقال له الاسقف عند ذلك قد والله تعست نبيا مرسلا فقال له ابو علقمة لا جرم والله لا أحل عنها عقدا حتى آتيه فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثنى الاسقف ناقته عليه فقال له إفهم عني انما قلت هذا مخافة ان يبلغ عني العرب انا أخذنا حمقة او نجعنا لهذا الرجل بما لم تنجع به العرب ونحن اعزهم واجمعهم دارا فقال له ابو علقمة والله لا اقيلك ما خرج من رأسك ابدا ثم ضرب ناقته يقول ... اليك تعدوا قلقا وضينها ... معترضا في بطنها جنينها ... مخالفا دين النصارى دينها
اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة حتى اتى النبي صلى الله عليه و سلم فلم يزل معه حتى استشهد بعد ذلك
واذا عرف اهذا فالعلم بانه صلى الله عليه و سلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة احدها اخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بانه مذكور عندهم في كتبهم فقد اخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه اذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته هذا لو لم يعلم ذلك الا من مجرد خبرة فكيف اذا تطابقت الادلة على صحة ما اخبر به الوجه الثاني انه جعل الاخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته وهذا يستحيل أن يصدر الا من واثق كل الوثوق بذلك وانه على يقين جازم به الثالث ان المؤمنين به من الاحبار والرهبان الذين اثروا الحق على الباطل صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال الرابع ان المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم انكار البشارة والاخبار بنبوة نبي عظيم الشان صفته كذا وكذا وصفة امته ومخرجه وشأنه لكن جحدوا أ يكون هو الذي وقعت به البشارة وانه نبي آخر غيره وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم انهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا غارب البهت الخامس ان كثيرا منهم صرح لخاصته وبطانته بانه هو هو بعينه وانه عازم على عداوته ما بقي كما تقدم السادس ان إخبار النبي صلى الله عليه و سلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد اخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص الانبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الانبياء وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم وتلك الاخبارات أكثر من أن تحصى ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها وكانوا أحرص شيء على أ يظفروا منه بكذبة واحدة أ غلطة او سهو فينادون بها عليه ويجدون بها السبيل الى تنفير الناس عنه فلم يقل أحد منهم يوما من الدهر انه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم اتباعه وهذا من أعظم الادلة على صدقه فيما اخبر به لو لم يعلم الا بمجرد خبره السابع انه اخبر بهذا لاعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لاعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لاتباعه فلو كان هذا باطلا لا صحة له لكان ذلك تسليطا للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذكل وتسليطا لاهل الكتاب على الانكار وتسليطا لاتبعاه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه وذلك ينقض الغرض المقصود باخباره من كل وجه وهو بمنزلة رجل يخبر بما يشهد بكذبه ويجعل اخباره دليلا على صدقه وهذا لا يصدر من عاقل

ولا مجنون فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وان لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره فكيف وقد علم وجود ما أخبر به الثامن انه لو قدر انهم لم يعلموا بشارة الانبياء به واخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته اذ ليس كل ما قاله الانبياء المتقدمون وصل الى المتأخرين وأحاطوابه علما وهذا مما يلعم بالاضطرار فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به فاذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجبا لرده وتكذيبه التاسع انه يمكن ان يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بايديهم فازيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه

تخالف نسخ التوراة والانجيل وتناقضها الاناجيل تواريخ
وقولهم ان نسخ التوراة متفقة في شرق الارض وغربها كذب ظاهر فهذه التوراة التي بايدى النصارى تخالف التوراة التي بايدي اليهود والتي بايدي السامرة تخالف هذه وهذه وهذه نسخ الانجيل يخالف بعضها بعضا ويناقضه فدعواهم أن نسخ التوراة والانجيل متفقة شرقا وغربا من البهت والكذب الذي يرجونه على أشباه الانعام حتى ان هذه التوراة التي بايدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم وهم يعلمون قطعا ان ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى ولا في الانجيل الذي انزله على المسيح وكيف يكون في الانجيل الذي أنزل على المسيح قصة صلبه وما جرى له وانه أصابه كذا وكذا وصلب يوم كذا وكذا وانه قام من القبر بعد ثلاث وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى وغايته أن يكون من كلام الحواريين خلطوه بالانجيل وسموا الجميع انجيلا وكذلك كانت الاناجيل عندهم اربعة يخالف بعضها بعضا ومن بهتهم وكذبهم قولهم ان التوراة التي بايديهم وأيدي اليهود والسامرة سواء والنصارى لا يقرون ان الانجيل منزل من عند الله على المسيح وانه كلام الله بل كل فرهم مجمعون على أنها أربعة تواريخ الفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة ولا يعرفون الانجيل غير هذا انجيل الفه متى تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح وكتب بالعبرانية في بلد يهود بالشام وانجيل الفه مرقس الهاروني تلميذ شمعون بعد ثلاث وعشرين سنة من رفع المسيح وكتبه باليونانية في بلاد انطاكية من بلاد الروم ويقولون ان شمعون المذكور هو ألفه ثم محى اسمه من اوله ونسب الى تلميذه مرقس وانجيل ألفه لوقا الطبيب الانطاكي تلميذ شمعون بعد تأليف مرقس وانجيل ألفه يوحنا

تلميذ المسيح بعد ما رفع المسيح ببضع وستين سنة كتبه باليونانية وكل واحد من هذه الاربعة يسمونه الانجيل وبينها من التفاوت والزيادة والنقصان ما يعلمه الوقف عليها وبين توراة السامرة واليهود والنصارى من ذلك ما يعلمه من وقف عليها فدعوى الكاذب الباهت ان نسخ التوراة والانجيل متفقه شرقا وغربا بعدا وقربا من أعظم القرية والكذب وقد ذكر غير واحد من علماء الاسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه ولولا الاطالة وقصد ما هو أهم منه لذكرنا منه طرفا كبيرا

جمعهم بين التحريف والكتمان لنعت الرسول وقد وبخهم الله سبحانه وبكتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والاخفاء فقال تعالى يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون وقال تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقال تعالى ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم وقال تعالى يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه يهديهم الى صراط مستقيم
وأما التحريف فقد أخبر سبحانه عنهم في مواضع متعددة وكذلك لي اللسان بالكتاب ليحسبه السامع منه وما هو منه فهذه خمسة أمور احدها لبس الحق بالباطل وهو خلطه به بحيث لا يتميز الحق من الباطل الثاني كتمان الحق الثالث اخفاؤه وهو قريب من كتمانه الرابع تحريف الكلم عن مواضعه وهو نوعان تحريف لفظه وتحريف معناه الخامس لي اللسان به ليلبس على السامع اللفظ المنزل بغيره وهذه الامور انما ارتكبوها لاغراض لهم دعتهم الى ذلك فاذا عادوا الرسول وجحدوا نبوته وكذبوه وقاتلوه فهم الى أن يجحدوا نعته وصفته ويكتموا ذلك ويزيلوه عن مواضعه

ويتأولوه على غير تأويله أقرب بكثير وهكذا فعلوا ولكن لكثرة البشارات وتنوعها غلبوا عن كتمانها وإخفائها فصاروا الى تحريف التأويل وإزالة معناها عمن لا تصلح لغيره وجعلها لمعدوم لم يخلقه الله ولا وجود له البتة
العاشر انه استشهد على صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب وقد شهد له عدو لهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك قال تعالى ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهسدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب وقال تعالى قل ارأيتم ان كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم ان الله لا يهدي القوم الظالمين وقال تعالى وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب وقال تعالى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وقال تعالى الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين يما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون واذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الارض من الكفرة ولا تعارض شهادته بجحود ملء الارض من الكفار كيف والشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم وليس كل من قال من أشباه الحمير من عباد الصليب وامة الغضب انه من علمائهم فهو كذلك وإذا كان أكثر من من يظن عوام المسلمين انه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم وعلماء أهل الكتاب ان لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم الا من آمن به وصدقه وان دخل فيهم من علم ولم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحا في شهادة العلماء العاملين بعلمهم
الحادي عشر انه لو قدر انه لا ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم بنعته ولا صفته ولا علامته في الكتب التي بايدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكورا في الكتب التي كانت بايدي أسلافهم وقت مبعثه ولا تكون اتصلت على وجهها الى هؤلاء بل حرفها أولئك وبدلوا وكتموا وتواصوا وكتبوا ما أرادوا وقالوا هذا من عند الله ثم اشتهرت تلك الكتب وتناقلها خلفهم عن سلفهم فصارت المغيره المبدلة هي المشهورة والصحيحة بينهم خفية جدا ولا سبيل الى العلم باستحالة ذلك

بل هو في غاية الامكان فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها وهجرت بينهم النسخ الصحيحة بالكلية وكذلك التوراة التي بايدي النصارى وهكذا تبدل الاديان والكتب ولولا أن الله سبحانه تولى حفظ القرآن بنفسه وضمن للامة ان لا تجتمع على ضلالة لاصابه ما اصاب الكتب قبله قال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
الثاني عشر انه من الممتنع ان تخلو الكتب المتقدمة عن الاخبار بهذا الامر العظيم الذي لم يطرق العالم من حين خلق الى قيام الساعة أمر أعظم منه ولا شأن أكبر منه فانه قلب العالم وطبق مشارق الارض ومغاربها واستمر على العالم على تعاقب القرون والى أن يرث الله الارض ومن عليها ومثل هذا النبأ العظيم لابد أن تتطابق الرسل على الاخبار به واذا كان الدجال رجل كاذب يخرج في آخر الزمان وبقاؤه في الارض أربعين يوما قد تطابقت الرسل على الاخبار به وانذر به كل نبي قومه من نوح الى خاتم الرسل فكيف تتطابق الكتب الالهية من أولها الى آخرها على السكوت عن الاخبار بهذا الامر العظيم الذي لم يطرق العالم أمر أعظم منه ولا يطرقه أبدا هذا مالا يسوغه عقل عاقل وتأباه حكمة أحكم الحاكمين بل الامر بضد ذلك وما بعث الله سبحانه نبيا الا أخذ عليه الميثاق بالايمان بمحمد وتصديقه كما قال تعالى واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم اصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين قال ابن عباس ما بعث الله من نبي الا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وامره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتابعنه

نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته وإيضاح دلالتها ومطابقتها للشريعة والواقع
في فصل فهذه الوجوه على تقدير عدم العلم بوجود نعته وصفته والخبر عنه في الكتب المتقدمة ونحن نذكر بعض ما ورد فيها من البشارة به ونعته وصفته وصفة أمته وذلك يظهر من وجوه
الوجه الاول قوله تعالى في التوراة سأقيم لبني اسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك اجعل كلامي في فيه ويقول لهم ما آمره به والذي لا يقبل قول ذلك النبي الذي يتكلم

باسمى انا انتقم منه ومن سبطه فهذا النص مما لا يمكن أحد منهم جحده وانكاره ولكن لاهل الكتاب فيه اربعة طرق احدها حمله على المسيح وهذه طريقة النصارى واما اليهود فلهم فيه ثلاثة طرق احدها انه على حذف اداة الاستفهام والتقدير أءقيم لبني اسرائيل نبيا من اخوتهم أي لا افعل هذا فهو استفهام انكار حذفت منه اداة الاستفهام الثاني انه خبر ووعد ولكن المراد به شمويل النبي فانه من بني اسرائيل والبشارة انما وقعت بنبي من اإخوتهم واخوة القوم هم بنو أبيهم وهم بنوا اسرائيل الثالث انه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه الى الآن وقال المسلمون البشارة صريحة في النبي صلى الله عليه و سلم العربي الامي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه لا يحتمل غيره فانها انما وقعت بنبي من إخوة بني اسرائيل لا من بني اسرائيل نفسهم والمسيح من بني اسرائيل فلو كان المراد بها هو المسيح لقال أقيم لهم نبيا من أنفسهم كما قال تعالى لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم واخوة بني اسرائيل هم بنوا اسماعيل ولا يعقل في لغة امة من الامم ان بني اسرائيل هم اخوة بني اسرائيل كما ان إخوة زيد لا يدخل فيهم زيد نفسه وايضا فانه قال نبيا مثلك وهذا يدل على انه صاحب شريعة عامة مثل موسى وهذا يبطل حمله على شمويل من هذا الوجه ايضا ويبطل حمله على يوشع من ثلاثة اوجه أحدها انه من بني اسرائيل مثل موسى الثاني انه لم يكن مثل موسى وفي التوراة لا يقوم في بني اسرائيل مث موسى الثالث ان يوشع يكن مثل موسى وفي التوراة لا يقوم في بني اسرائيل مثل موسى الثالث ان يوشع نبي في زمن موسى وهذا الوعد انما هو بنبي يقيمه الله بعد موسى وبهذه الوجوه الثلاثة يبطل حمله على هرون مع أن هرون توفي قبل موسى ونبأه الله مع موسى في حباته ويبطل ذلك من وجه رابع ايضا وهو ان في هذه البشارة انه ينزل عليه كتابا يظهر للناس من فيه وهذا لم يكن لاحد بعد موسى غير النبي صلى الله عليه و سلم وهذا من علامات نبوته التي أخبرت بها الانبياء المتقدمون قال تعالى وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وانه لفي زبر الاولين أو لم يكن لهم آية ان يعلمه علماء بني اسرائيل فالقرآن نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه و سلم وظهر للامة من فيه ولا يصح حمل هذه البشارة على المسيح باتفاق النصارى لانها انما جاءت بواحد من اخوة بني اسرائيل وبنو اسرائيل واختهم كلهم عبيد ليس فيهم اله والمسيح عندهم اله معبود وهو اجل عندهم من أن يكون من إخوة العبيد والبشارة وقعت بعبد مخلوق يقيمه الله من جملة عبيده واخوتهم وغايته أن يكون نبيا لا غاية له فوقها وهذا ليس هو المسيح عند النصارى واما قول

المحرفين لكلام الله ان ذلك على حذف ألف الاستفهام وهو استفهام انكار والمعنى لا أقيم لبني اسرائيل نبيا فتلك عادة لهم معروفة في تحريف كلام الله عن مواضعه والكذب على الله وقولهم لما يبدلونه ويحرفونه هذا من عند الله وحمل هذا الكلام على الاستفهام والانكار غاية ما يكون من التحريف والتبديل وهذا التحريف والتبديل من معجزات النبي صلى الله عليه و سلم التي أخبر بها عن الله من تحريفهم وتبديلهم فاظهر الله صدقه في ذلك لكل ذي لب وعقل فازداد ايمانا الى ايمانه وازداد الكافرون رجسا الى رجسهم
في فصل الوجه الثاني قال في التوراة في السفر الخامس اقبل الله من سيناء وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران ومعه ربوات الاظهار عن يمينه وهذه متضمنة للنبوات الثلاثة نبوة موسى ونبوة عيسى ونبوة محمد صلى الله عليه و سلم فمجيئه من سينا وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى ونبأه عليه إخبار عن نبوته وتجليه من ساعير هو مظهر المسيح من بيت المقدس وساعير قرية معروفة هناك الى اليوم وهذه بشارة بنبوة المسيح وفاران هي مكة وشبه سبحانه نبوة موسى بمجيء الصبح ونبوة المسيح بعدها باشراقه وضيائه ونبوة خاتم الانبياء باستعلات الشمس وظهور ضوءها في الآفاق ووقع الامر كما أخبر به سواء فان الله سبحانه صدع بنبوة موسى ليل الكفر فاضاء فجره بنبوته وزاد الضياء والاشراق بنبوة المسيح وكمل الضياء واستعلن وطبق الارض بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم وذكر هذه النبوات الثلاثة التي اشتملت عليها هذه البشارة نظير ذكرها في أول سورة التين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الامين فذكر أمكنة هؤلاء الانبياء وأرضهم التي خرجوا منها والتين والزيتون والمراد بهما منبتها وأرضهما وهي الارض المقدسة التي هي مظهر المسيح وطور سينين الجبل الذي كلم الله عليه موسى فهو مظهر نبوته وهذا البلد الامين مكة حرم الله وامنه التي هي مظهر نبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم فهذه الثلاثة نظير تلك الثلاثة سواء قالت اليهود فاران هي أرض الشام وليست أرض الحجاز وليس هذا ببدع من بهتهم وتحريفهم وعندهم في التوراة ان اسماعيل لما فارق اباه سكن في برية فاران هكذا نطقت التوراة ولفظها وأقام اسماعيل في برية فاران وانكحته أمه امرأة من جرهم ولا يشك علماء أهل الكتاب ان فاران مسكن لآل اسماعيل فقد تضمنت التوراة نبوة تنزل بأرض فاران وتضمنت نبوة تنزل على عظيم من ولد اسماعيل وتضمنت انتشار امته واتباعه حتى يملؤا السهل والجبل كما

سنذكره ان شاء الله تعالى ولم يبق بعد هذا شبهة أصلا ان هذه هي نبوة محمد صلى الله عليه و سلم التي نزلت بفاران على أشرف ولد اسماعيل حتى ملات الارض ضياء ونورا وملأ اتباعه السهل والجبل ولا يكثر على الشعب الذي نطقت التوراة بانهم عادموا الرأي والفطانة ينقسموا الى جاهل بذلك وجاحد مكابر معاند ولفظ التوراة فيهم انهم لشعب عادم الرأي وليس فيهم فطانة ويقال لهؤلاء المكابرين أي نبوة خرجت من الشام فاستعلت استعلاء ضياء الشمس وظهرت فوق ظهور النبوتين قبلها وهل هذا الا بمنزلة مكابرة من يرى الشمس قد طلعت من الشرق فيغالط ويكابر ويقول بل طلعت من المغرب
الوجه الثالث قال في التوراة في السفر الاول ان الملك ظهر لهاجر أم اسماعيل فقال يا هاجر من أين أقبلت والى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فأني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسميه اسماعيل لان الله قد سمع تذللك وخضوعك وولدك يكون وحش للناس وتكون يده على الكل ويد الكل مبسوطة اليه بالخضوع وهذه بشارة تضمنت أن يد ابنها على يد كل الخلائق وان كلمته العليا وان أيدي الخلق تحت يده فمن هذا الذي ينطبق عليه هذا الوصف سوى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وكذلك في السفر الاول من التوراة أن الله قال لابراهيم اني جاعل ابنك اسماعيل لامة عظيمة اذ هو من زرعك وهذه بشارة بمن جعل من ولده لامة عظيمة وليس هو سوى محمد بن عبد الله الذي هو من صميم ولده فانه جعل لامة عظيمة ومن تدبر هذه البشارة جزم بان المراد بها رسول الله صلى الله عليه و سلم لان اسماعيل لم تكن يده فوق يد اسحق قط وكانت يد اسحق مبسوطة اليه بالخضوع وكيف يكون ذلك وقد كانت النبوة والملك في اسرائيل والعيص وعما ابنا اسحق فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم وانتقلت النبوة الى ولد اسماعيل وذانت له الامم وخضعت له الملوك وجعل خلافة الملك الى أهل بيته الى أخر الدهر وصارت أيديهم فوق ايدي الجميع مبسوطة اليهم بالخضوع وكذلك في التوراة في السفر الاول ان الله تعالى قال لابراهيم ان في هذا العام يولد لك ولد اسمه اسحق فقال ابراهيم ليت اسماعيل هذا يحي بين يديك يمجدك فقال الله تعالى قد استجبت لك في اسمعيل واني أباركه وأيمنه وأعظمه جدا جدا بما قد استجبت فيه واني اصيره الى أمة كثرة وأعطيه شعبا جليلا والمراد بهذا كله الخارج من نسله فانه هو

الذي عظمه الله جدا جدا وصيره الى أمة كثيرة واعطاه شعبا جليلا ولم يأت من من صلب اسماعيل من بورك وعظم وانطبقت عليه هذه العلامات غير رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمته ملؤا الآفاق واربوا في الكثرة على نسل اسحق
الوجه الرابع قال في التوراة في السفر الخامس قال موسى لبني اسرائيل لا تطيعوا العرافين ولا المنجمين فسيقيم لكم الرب نبيا من اخوتكم مثلي فاطيعوا ذلك النبي ولا يجوز ان يكون هذا النبي الموعود به من أنفس بني اسرائيل لما تقدم ان أخوة القوم ليسوا أنفسهم كما يقول بكر وتغلب ابنا وان ثم يقول تغلب اخوة بكر وبنو بكر أخوة بني تغلب فلو قلت اخوة بني بكر بنو بكر كان محالا ولو قلت لرجل أتيني برجل من اخوة بني بكر بن وائل لكان الواجب ان يأتيك برجل من بني تغلب ابن وائل لا بواحد من بني بكر
الوجه الخامس ما في الانجيل ان المسيح قال للحواريين اني ذاهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق لا يتكلم من قبل نفسه انما هو كما يقال له وهو يشهد على وانتم تشهدون لانكم معي من قبل الناس وكل شيء أعده الله لكم بخبركم به وفي انجيل يوحنا الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب وإذا جاء وبخ العالم على الخظيئة ولا يقول من تلقاء نفسه ولكنه مما يسمع به ويكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب وفي موضع آخر ان الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء وفي موضع آخر اني سائل له ان يبعث اليكم فارقليطا أخر يكون معكم الى الابد وهو يعلمكم كل شيء وفي موضع آخر ابن البشر ذاهب والفارقليط من بعده يحبي لكم بالاسرار ويفسر لكم كل شيء وهو يشهد لي كما شهدت له فاني أجيئكم بالامثال وهو يأتيكم بالتأويل قال أبو محمد بن قتيبة وهذه الاشياء على اخلافها متقاربة وانما اختلفت لان من نقلها عن المسيح صلى الله عليه و سلم في الانجيل من الحواريين عدة والفارقليط بلغتهم لفظ من ألفاظ الحمد اما أحمد أو محمد أو محمود أو حامد أو نحو ذلك وهو في الانجيل الحبشي بن نعطيس وفي موضع آخر ان كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الاب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم الى الابد ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لانهم لم يعرفوه ولست أدعكم أيتاما اني سآتيكم عن قريب وفي موضع آخر ومن يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه واليه يأتي وعنده يتحد المنزل كلمتكم بهذا لاني لست عندكم مقيما والفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي هو يعلمكم كل شيء وهو

يذكركم كلما قلت لكم استودعتكم سلامي لا تقلق قلوبكم ولا تجزع فاني منطلق وعائد اليكم لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمعنى الاب فان ثبت كلامي فيكم كان لكم كلما تربدون وفي موضع آخر إذا جاء الفراقليط الذي أبي أرسله روح الحق الذي من أبي يشهد لي قلت لكم حتى اذا كان تؤمنوا ولا تشكوا فيه وفي موضع آخر ان لي كلاما كثرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن اذا جاء روح الحق ذاك يرشدكم الى جميع الحق لانه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكلما يأتي ويعرفكم جميع ما للاب وقال يوحنا قال المسيح ان أركون العالم سيأتي وليس لي شيء وقال متى قال المسيح ألم تروا ان الحجر الذي اخره البناؤن صارأسا للزاوية من عند الله كان هذا وهو عجيب في أعيننا ومن أجل ذلك أقول لكم ان ملكوت الله سيأخذ منكم ويدفع الى أمة أخرى تأكل ثمرتها ومن سقط على هذا الحجر ينشدخ وكل من سقط هو عليه يمحقه وقد اختلف في الفارقليط في لغتهم فذكروا فيه أقوالا ترجع الى ثلاث
أحدهما انه الحامد والحماد او الحمد كما تقدم ورجحت طائفة هذا القول وقال الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم انه الحمد والدليل عليه قول يوشع من عمل حسنة يكون له فارقليط جيد أي حمد جيد
والقول الثاني وعليه اكثر النصارى انه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص قالوا وهذه كلمة سريانية ومعناها المخلص قالوا وهو بالسريانية فاروق فجعل فارق قالوا و ليط كلمة تزاد ومعناها كمعنى قول العرب رجل هو وحجر هو وفرس هو قالوا فكذلك معنى ليط في السريانية وقالت طائفة أخرى من النصارى معناه بالسريانية المعزى قالوا وكذلك هو في اللسان اليوناني ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم يكن لغته سريانية ولا يونانية بل عبرانية واجيب عن هذا بانه يتكلم بالعبرانية والانجيل انما نزل باللغة العبرانية وترجم عنه بلغة السريانية والرومية واليونانية وغيرهما واكثر النصارى على انه المخلص والمسيح نفسه يسمونه المخلص وفي الانجيل الذي بايديهم انه قال إنما اتيت لاخلص العالم والنصارى يقولون في صلاتهم لقد ولدت لنا مخلصا ولما لم يمكن النصارى انكار هذه النصوص حرفوها انواعا من التحريف فمنهم من قال هو روح نزلت على الحواريين ومنهم من قال هو ألسن نارية نزلت من السماء على التلاميذ ففعلوا بها الآيات والعجائب ومنهم من يزعم انه المسيح نفسه لكونه جاء بعد الصلب باربعين يوما وكونه قام من قبره ومنهم من

قال لا يعرف ما المراد بهذا الفارقليط ولا يتحقق لنا معناه ومن تأمل الفاظ الانجيل وسياقها علم أن تفسيره بالروح باطل وابطل منه تفسيره بالالسن النارية وابطل منهما تفسيره بالمسيح فان روح القدس ما زالت تنزل على الانبياء والصالحين قبل المسيح وبعده وليست موصوفة بهذه الصفات وقد قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانو آباءهم أو ابناءهم أو اخوانهم او عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه وقال النبي صلى الله عليه و سلم لحسان ابن ثابت لما كان يهجو المشركين اللهم ايده بروح القدس وقال ان روح القدس معك ما زلت تنافح عن نبيه واذا كان كذلك ولم يسم احد هذه الروح فارقليطا علم أن الفارقليط امر غير هذا وأيضا فمثل هذه الروح لا زالت يؤيد بها الانبياء والصالحون وما بشر به المسيح ووعد به امر عظيم يأتي بعده اعظم من هذا وأيضا فانه وصف الفارقليط بصفات لا تناسب هذا الروح وانما تناسب رجلا يأتي بعده نظيرا له فانه قال ان كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي وانا اطلب من الاب أن يعطيكم فارقليطا آخر يثبت معكم الى الابد فقوله فارقليطا آخر دل على انه ثان لاول كان قبله وانه لم يكن معهم في حياة المسيح وانما يكون بعد ذهابه وتوليه عنهم وأيضا فانه قال يثبت معكم الى الابد وهذا انما يكون لما يدوم ويبقى معهم الى آخر الدهر ومعلوم انه لم يرد بقاء ذاته فعلم انه بقاء شرعه وأمره والفارقليط الاول لم يثبت معهم شرعه ودينه الى الابد وهذا يبين أن الثاني صاحب شرع لا ينسخ بل يبقى الى الابد بخلاف الاول وهذا انما ينطبق على محمد صلى الله عليه و سلم وايضا فانه اخبر ان هذا الفارقليط الذي اخبر به يشهد له ويعلمهم كل شيء وانه يذكر لهم كل ما قال المسيح وانه يوبخ العالم على خطيئته فقال والفارقليط الذي يرسله ابي هو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما قلت لكم وقال اذا جاء الفارقليط الذي أبي أرسله هو يشهد اني قلت لكم هذا حتى اذا كان تؤمنوا به ولا تشكوا فيه وقال ان خيرا لكم ان انطلق الى أبي ان لم أذهب لم يأتكم الفارقليط فان انطلقت ارسلته اليكم فهو يوبخ العالم على الخطيئة فان لي كلاما كثيرا اريد ان أقول لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن اذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم الى جميع الحق لانه ليس ينطق من عند نفسه بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للاب فهذه الصفات والنعوت التي تلقوها عن المسيح لا تنطبق على أمر معنوي في قلب بعض الناس لا يراه احد ولا يسمع كلامه وانما تنطق على من يراه الناس ويسمعون كلامه فيشهد للمسيح ويعلمهم كل شيء

ويذكرهم كلما قال لهم المسيح ويوبخ العالم على الخطيئة ويرشد الناس إلى جميع الحق ولا ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبرهم بكل ما يأتي ويعرفهم جميع ما لرب العالمين وهذا لا يكون ملكا لا يراه أحد ولا يكون هدى وعلما في قلب بعض الناس ولا يكون إلا إنسانا عظيم القدر يخاطب بما أخبر به المسيح وهذا لا يكون إلا بشرا رسولا بل يكون أعظم من المسيح فإن المسيح أخبر أنه يقدر على ما لا بقدر عليه المسيح ويعلم ما لا يعلمه المسيح ويخبر بكل ما يأتي وبما يستحقه الرب حيث قال إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله ولكنكم لا تستطيعون حمله ولكن إذا جاء روح الحق ذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ويخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للأب فلا يستريب عاقل أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه و سلم وذلك لأن الأخبار عن الله بما هو متصف به من الصفات وعن ملائكته وعن ملكوته وعما أعده في الجنة لأوليائه وفي النار لأعدائه أمر لا تحتمل عقول أكثر الناس معرفته على التفصيل قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله وقال ابن مسعود ما من رجل يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم وسأل رجل ابن عباس عن قوله تعالى الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن قال ما يؤمنك أن لو أخبرتك بها لكفرت يعني لو أخبرتك بتفسيرها لكفرت بها وكفرك بها تكذيب بها فقال لهم المسيح إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله وهو الصادق المصدوق وفي هذا ولهذا ليس في الإنجيل من صفات الله تعالى وصفات ملكوته وصفات اليوم الآخر إلا أمور مجملة وكذلك التوراة ليس فيها من ذكر اليوم الآخر إلا أمور مجملة مع أن موسى صلى الله عليه و سلم كان قد سهل الأمر للمسيح ومع هذا فقد قال لهم المسيح إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله ثم قال ولكن إذا جاء روح الحق فذاك الذي يرشدكم إلى جميع الحق وأنه يخبركم بكل ما يأتي ويجمع ما للرب فدل هذا على أن الفارقليط هو الذي بفعل هذا دون المسيح وكذلك كان فإن محمدا صلى الله عليه و سلم أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين واتم به النعمة ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق نبي يأتي بعده غيره وأخبر محمدا صلى الله عليه و سلم بكل ما يأتي من أشراط الساعة والقيامة والحساب والصراط ووزن الأعمال والجنة وأنواع نعيمها والنار وأنواع عذابها ولهذا كان في القرآن تفصيل أمر الآخرة

وذكر الجنة والنار وما يأتي أمور كثيرة لا توجد لا في التوراة ولا في الإنجيل وذلك تصديق قول المسيح أنه يخبر بكل ما يأتي وذلك يتضمن صدق المسيح وصدق محمد صلى الله عليه و سلم وهذا معنى قوله تعالى أنهم إذا قيل لهم لا اله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين أي مجيئه تصديق للرسل قبله فإنهم أخبروا بمجيئه فجاء كما أخبروا به فتضمن مجيئه تصديقهم ثم شهد هو بصدقهم فصدقهم بقوله ومجيئه ومحمد صلى الله عليه و سلم بعثه الله بين يدي الساعة كما قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار باصبعيه السبابة والوسطى وكان إذا ذكر الساعة علا صوته واحمر وجهه واشتد غضبه وقال أنا النذير العريان فأخبر من الأمور التي تأتي في لمستقبل بما لم يأت به نبي من الأنبياء كما نعته به المسيح حيث قال أنه يخبركم بكل ما يأتي ولا توجد مثل هذا أصلا عن أحد من الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه و سلم فضلا عن أن يوجد عن شيء نزل عل قلب بعض الحواريين وايضا فانه قال ويعرفكم جميع ما للرب فبين انه يعرف الناس جميع ما لله وذلك يتناول ما لله من الأسماء والصفات وما له من الحقوق وما يجب من الإيمان به وملا ئكته وكتبه ورسله بحيث يكون يأتي به جامعا لما يستحقه الرب وهذا لم يأت به غير محمد صلى الله عليه و سلم فإنه تضمن ما جاء به من الكتاب والحمة هذا كله
وأيضا فإن المسيح قال إذا جاء الفارقليط الذي أرسله أبي فهو يشهد لي قلت لكم هذا حتى إذا كان تؤمنوا به فأخبر أنه شهد له وهذه صفة نبي بشر به المسح ويشهد للمسيح كما قال تعالى وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وأخبر أنه يوبخ العالم على الخطيئة وهذا يستحيل على معنى يقوم بقلب الحواريين فإنهم آمنوا به وشهدوا له قبل ذهابه فكيف يقول إذا جاء فإنه يشهد لي ويوصيهم بالإيمان به افترى الحواريين لم يكونوا مؤنين بالمسيح فهذا من أعظم جهل النصارى وضلالهم
وأيضا فإنه لم يوجد أحد وبخ جمبع العالم على الخطيئة إلا محمد صلى الله عليه و سلم فإنه أنذر جميع العالم من أصناف الناس ووبخهم على الخطيئة من الكفر والفسوق والعصيان ولم يقتصر على مجرد النهي بل وبخهم وفزعهم وتهددهم
وأيضا فأنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع وهذا إخبار بأن كلما يتكلم به فهو وحي يسمعه ليس هو شيئا تعلمه من الناس أو عرفه باستنباط وهذه خاصة محمدا صلى الله عليه و سلم وأما المسيح فكان علم بما جائء به موسى قبله

ويشاركه به أهل الكتاب تلقاه عمن قبله ثم جاءه وحي خاص من الله فوق ما كان عنده قال تعالى ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل فأخبر سبحانه أنه يعلمه التواة التي تعلمها بنو إسرائيل وزاده تعليم الانجيل الذي اختص به والكتاب الذي هو الكتابة ومحمد صلى الله عليه و سلم لم يكن يعلم قبل الوحي شيئا البتة كما قال تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان وقال تعالى نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبل لمن الغافلين فلم يكن صلى الله عليه و سلم ينطق من تلقاء نفسه بل إنما كان ينطق بالوحي كما قال تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيي يوحى أي ما نطقه الا وحي يوحى وهذا مطابق لقول المسيح أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه بل يتكلم بما يوحى إليه والله تعالى أمره أن يبلغ ما أنزل إليه وضمن له العصمة في تبليغ رسالاته فلهذا أرشد الناس إلى جميع الحق وألقى الناس ما لم يمكن غيره من الأنبياء القاه خوفا أن يقتله قومه وقد اخبر المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده وأنهم لا يطيقون حمله وهم معترفون بأنه كان يخاف منهم إذا أخبرهم بحقائق الأمور ومحمد صلى الله عليه و سلم أيده الله سبحانه تأييدا لم يؤيده لغيره فعصمه من الناس حتى لم يخف من شيء يقوله وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤته أمته تأييدا أطاقت به حمل ما ألقاه إليهم فلا يكونوا كأهل التوراة الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ولا كاهل الإنجيل الذين قال لهم المسيح إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ولكن لا تستطيعون حمله ولا ريب أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم أكمل عقولا وأعظم إيمانا وأتم تصديقا وجهادا ولهذا كانت علومهم وأعمالهم القبلية وإيمانهم أعظم وكانت العبادات البدنية لغيرهم أعظم
وايضا فإنه أخبر عن الفارقليط أنه شهد له وأنه يعلمهم كل شيء وأنه يذكرهم كلما قال المسيح ومعلوم أن هذا لا يكون إلا إذا شهد له بشهادة يسمعها الناس لا يكون هذا في قلب طائفة قليلة ولم يشهد أحد للمسيح شهادة سمعها عامة الناس إلا محمد صلى الله عليه و سلم فإنه أظهر أمر المسيح وشهد له بالحق حتى سمع شهادته له عامة أهل الأرض وعلموا أنه صدق المسيح ونزهه عما افتراه عليه اليهود وما غلت فيه النصارى فهو الذي شهد له بالحق ولهذا لما سمع النجاشي من الصحابة ما شهد به محمد صلى الله عليه و سلم للمسيح قال لهم بما زاد عيسى على ما قلتم هذا العود وجعل به محمد صلى الله وسلم شهداء على الناس شهدوا عليهم بما علموا من الحق إذ كانوا وسطا عدولا لا يشهدون بباطل فإن الشاهد لا يكون إلا عدلا بخلاف من جار في شهادته فزاد على الحق أو نقص منه كشهادة اليهود للنصارى

في المسيح وأيضا فإن معنى الفارقليط إن كان هو الحامد او الحماد أو المحمود أو الحمد فهذا الوصف ظاهر في محمد صلى الله عليه و سلم فإنه وأمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل حال وهو صاحب لواء الحمد مفتاح خطبته ومفتاح صلاته ولما كان حمادا سمى بمثل وصفه فهو محمد وزن مكرم ومعظم ومقدس وهو الذي يحمد أكثر مما يحمده غيره ويستحق ذلك فلما كان حمادا لله كان محمدا وفي شعر حسان
... أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله ميمون يلوح ويشهد ... وضم الإله أسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد ... وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ...
وأما احمد فهو أفعل التفضيل أي هو أحمد من غيره أي أحق بأن يكون محمودا اكثر من غيره يقال هذا احمد من هذا اى هذا احق بان يحمده من هذا فيكون تفضيل على غيره زيادة في الكيفية ومن الناس من يقول معناه أنه اكثر حمدا لله كان من غيره وعلى هذا فيكون بمعنى الحامد والحماد وعلى الاول بمعنى المحمود وان الفارقليط بمعنى الحمد تسمية بالمصدر مبالغة في كثرة الحمد كما يقال رجل عدل ورضي ونظائر ذلك وبهذا يظهر سر ما أخبر به القرآن عن المسيح من قوله ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فإن هذا هو معنى الفارقليط كما تقدم وفي التوراة ما ترجمته بالعربية واما في إسماعيل فقد قبلت دعاك ها أنا قد باركت فيه وأثمره وأكبره بمأذ بمأذ ماذ هكذا هذه اللفظة ماذ على وزن عمر وقد اختلف فيها علماء اهل الكتاب فطائفة يقولون معناها جداجدا اي كثيراكثيرا فان كان هذا معناه فهو بشارة بمن عظم من بنيه كثيرا كثيرا ومعلوم أنه لم يعظم من بنيه أكثر مما عظم من محمد صلى الله عليه و سلم وقالت طائفة أخرى بل هي صريح إسم محمد قالوا ويدل عليه أن ألفاظ العبرانية قريبة من ألفاظ العربية فهي أقرب اللغات إلى العربية فإنهم يقولون لإسماعيل شماعيل وسمعتك شمعتيني وإياه أو ثو وقدسك قدشيخا وأنت أنا وإسرائيل سيرائيل فتأمل قوله في التوراة قدس لي خل بخور خل ريخم بني سرائيل باذام ويبياميل معناه قدس لي كل بكر كل أول مولود رحم في بني إسرائيل من إنسان إلى بهيمة لي وتأمل قوله نابي أقيم لاهيم تقارب أخيهم كانوا أخا إيلاؤه شماعون فإن معناه نبيا أقيم لهم من وسط اخوتهم مثلك به يؤمنون وكذلك قوله انتم عابر تم بعيولي أجيخيم بنوا عيصاه معناه أنتم عابرون في تخم أخوتكم بني العيص ونظائر ذلك اكثر من أن تذكر فإذا أخذت لفظة مؤذ مؤذ وجدتها أقرب شيء إلى لفظة محمد وإذا

ردت تحقيق ذلك فطابق بين ألفاظ العبرانية والعربية وكذلك يقولون أصبوع أو لو هم هوم أي أصبع الله كتب له بها التوراة ويدل على ذلك أداة الباء في قوله بماذ مأذ ولا يقال أعظمه بجدا جدا بخلاف أعظمه بمحمد وكذلك فإنه هو عظم به وازداد به شرفا إلى شرفه بل تعظيمه بمحمد ابنه صلى الله عليه و سلم فوق تعظيم كل والد بولده العظيم القدر فلله سبحانه كبره بمحمد صلى الله عليه و سلم وعلى التقديرين فالنص من أظهر البشارات به أما على هذا التفسير فظاهر جدا وأما على التفسير الأول فإنما كبر إسماعيل وعظم على أسحق جدا جدا بابنه محمد صلى الله عليه و سلم فإذا طابقت بين معنى الفارقليط ومعنى موذ موذ ومعنى محمد وأحمد ونظرت إلى خصال الحمد التي فيه وتسمية أمته بالحمادين وافتتاح كتابه بالحمد وافتتاح الصلاة بالحمد وختم الركعة بالحمد وكثرة خصال الحمد التي فيه وفي امته وفي دينه كتابه وعرفت ما خلص به العالم من أنواع الشرك والكفر والخطايا والبدع والقول على الله بلا علم وما أعز الله به الحق وأهله وقمع به الباطل وحزبه تيقنت أنه الفارقليط بالاعتبارات كلها فمن هذا الذي هو روح الحق الذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه ومن هو العاقب للمسيح والشاهد لما جاء به والمصدق له بمجيئه ومن الذي أخبرنا بالحوادث في الأزمنة المستقبلة كخروج الدجال وظهور الدابة وطلوع الشمس من مغربها وخروج يأجوج ومأجوج ونزول المسيح بن مريم وظهور النار التي تحشر الناس وأضعاف أضعاف ذلك من الغيوب التي قبل يوم القيامة والغيوب الواقعة من الصراط والميزان والحساب وأخذ الكتب بالإيمان والشمايل وتفاصيل ما في الجنة والنار ما لم يذكر في التوارة والإنجيل غير محمد صلى الله عليه و سلم ومن الذي وبخ العالم على الخطايا سواه ومن الذي عرف الأمة ما ينبغي لله حق التعريف غيره ومن الذي تكلم في هذا الباب بما لم يطق اكثر العالم ان يقبلوه غيره حتى عجزت عنه عقول كثير ممن صدقه وآمن به فساموه انواع التحريف والتأويل لعجز عقولهم عن حمله كما قال اخوه المسيح صلوات الله عليهما وسلامه ومن الذي ارسل الى جميع الخلق بالحق قولا وعملا واعتقادا في معرفة الله واسمائه وصفاته واحكامه وافعاله وقضائه وقدره وغيره ومن هو اركون العالم الذي اتى بعد المسيح غيره واركون العالم هو عظيم العالم وكبير العالم وتأمل قول المسيح في هذه البشارة التي لا ينكرونها ان اركون العالم سيأتي وليس لي من الامر شيء كيف هي شاهدة بنبوة المسيح ونبوة محمد معا فانه لما جاء صار الامر له دون المسيح فوجب على العالم كلهم طاعته والانقياد لامره وصار الامر له حقيقة ولم يبق بايدي النصارى الا دين باطله اضعاف اضعاف حقه

وحقه منسوح بما بعث الله به محمد صلى الله عليه و سلم فطابق قول المسيح قول اخيه محمد صلى الله عليه و سلم ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا واماما مقسطا فيحكم بكتاب ربكم وقوله في اللفظ الآخر بأتيكم بكتاب ربكم فطابق قول الرسولين الكريمين وبشر الاول بالثاني بالاول وصدق الثاني بالاول وتأمل قوله في البشارة الاخرى الم ترى الى الحجر الذي أخره البناؤن صار أسا للزاوبة كيف تجده مطابقا لقول النبي صلى الله عليه ومثل الانبياء قبلى كمثل رجل بنى دارا فاكملها وأتمها الا موضع لبنة منها فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها ويقولون هلا وضعت تلك اللبنة فكنت أنا تلك اللبنة وتأمل قول المسيح في هذه البشارة ان ذلك عجيب في اعييننا وتأمل قوله فيها ان ملكوت الله سيأخذ منكم ويدفع الى أمة أخرى كيف تجده مطابقا لقوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون وقوله وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وتأمل قوله في الفارقليط المبشر به يفشى لكم الاسرار ويفسر لكم كل شيء فاني اجيئكم بالامثال وهو يأتيكم بالتأويل وكيف تجده مطابقا للواقع من كل وجه ولقوله تعالى وانزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ولقوله تعالى ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون واذا تأملت التوراة والانجيل والكتب وتأملت القرآن وجدته كالتفصيل لمجملها والتأويل لامثالها والشرح لرموزها وهذا حقيقة قول المسيح اجيئكم بالامثال ويجيئكم بالتأويل ويفسر لكم كل شيء واذا تأملت قوله وكل شيء عده الله لكم به وتفاصيل ما اخبر به من الجنة والنار والثواب والعقاب تيقنت صدق المرسولين الكريمين ومطابقة الاخبار المفصلة من محمد صلى الله عليه و سلم للخبر المجمل من اخيه المسيح وتأمل قوله في الفارقليط وهو يشهد لي كما شهدت له كيف تجده منطبقا على محمد بن عبد الله وكيف تجده شاهدا بصدق الرسولين وكيف تجده صريحا في رجل يأتي بعد المسيح يشهد له بانه عبد الله ورسوله كما شهد له المسيح فلقد اذن المسيح بنبوة محمد صلوات الله وسلامه عليهما أذانا لم يؤذنه نبي قبله واعلن بتكبير ربه ان يكون له صاحبة أو ولد ثم رفع صوته بشهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له إلها واحدا احدا فردا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ثم اعلن بشهادة ان محمدا عبده ورسوله الشاهد له بنبوته المؤيد بروح الحق الذي لا يقول من تلقاء نفسه بل يتكلم بما

يوحي اليه ويعلمهم كل شيء ويخبرهم ما اعد الله لهم ثم رفع صوته بحي على الفلاح باتباعه والايمان به وتصديقه وانه ليس له من الامر معه شيء وختم التأذين بان ملكوت الله سيؤخذ ممن كذبه ويدفع الى اتباعه والمؤمنين به فهلك من هلك عن بينة وعاش من عاش عن بينة فاستجاب اتباع المسيح حقا لهذا التأذين واباه الكافرون والجاحدون فقال تعالى اني متوفيك ورافعك الى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهذه بشارة بان المسلمين لا يزالون فوق النصارى الى يوم القيامة فان المسلمين هم اتباع المرسلين في الحقيقة واتباع جميع الانبياء لا أعداؤه واعداؤه عباد الصليب الذين رضوا ان يكون إلها مصفوعا مصلوبا مقتولا ولم يرضوا ان يكون نبيا عبدا لله وجيها عنده مقربا لديه فهؤلاء اعداؤه حقا والمسلمون اتباعه حقا والمقصود أن بشارة المسيح بالنبي صلى الله عليه و سلم فوق كل بشارة لما كان أقرب الانبياء اليه واولاهم به وليس بينه وبينه نبي
في فصل وتأمل قول المسيح إن اركون العالم سيأتي واركون العالم هو سيد العالم وعظيمه ومن الذي ساد العالم واطاعه العالم بعد المسيح غير النبي صلى الله عليه و سلم وتأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم وقد سئل ما اول امرك قال انا دعوة أبي ابراهيم وبشرى عيسى وطابق بين هذا وبين هذه البشارات التي ذكرها المسيح فمن الذي ساد العالم باطنا وظاهرا وانقادت له القلوب والاجساد وأطيع في السر والعلانية في محياه وبعد مماته في جميع الاعصار وافضل الاقاليم والامصار وخرت لمجيئه الامم على الاذقان وبطلت به عبادة الاوثان وقمت به دعوة الرحمن واضمحلت به دعوة الشيطان واذل الكافرين والجاحدين وأعز المؤمنين وجاء بالحق وصدق المرسلين حتى اعلن بالتوحيد على رؤس الاشهاد وعبد الله وحده لا شريك له في كل حاضر وباد وامتلأت به الارض تحميدا وتكبيرا الله وتهليلا وتسبيحا واكتست به بعد الظلم والظلام عدلا ونورا
فصل وطابق بين قول المسيح ان اركون العالم سيأتيكم وقول أخيه محمد صلى الله عليه و سلم انا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي وانا خطيب الانبياء اذا وفدوا وامامهم اذا اجتمعوا ومبشرهم اذا ايسوا لواء الحمد بيدى وانا اكرم ولد آدم على ربي
النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال
فصل وفي قول المسيح في هذه البشارة وليس لي من الامر شيء إشارة الى التوحيد وان الامر كله لله فتضمنت هذه البشارة اصلي الدين اثبات التوحيد واثبات النبوة وهذا الذي قاله المسيح مطابق لما جاء به أخوه محمد بن عبد الله عن ربه من قوله له ليس لك من الامر شيء فمن تأمل حال الرسولين الكريمين ودعوتهما وجدهما متوافقين متطابقين حذو القذة بالقذة وانه لا يمكن التصديق باحدهما مع التكذيب بالآخر البتة وان المكذب بمحمد صلى الله عليه و سلم اشد تكذيبا للمسيح الذي هو المسيح ابن مريم عبد الله ورسوله وان آمن بمسيح لا حقيقة له ولا وجود وهو ابطل الباطل وقد قال يوحنا في كتاب اخبار الحواريين وهو يسمونه اقراكيس أحبابي اياكم أن تؤمنوا بكل روح لكن ميزوا الارواح التي من عند الله من غيرها واعلموا أن كل روح تؤمن بان يسوع المسيح قد جاء وكان جسدانيا فهي من عند الله وكل روح لا تؤمن بان المسيح قد جاء وكان جسدانيا فليست من عند الله بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالم فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصادق الذي جاء من عند الله بالهدى ودين الحق الذي هو عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول والنصارى انما تؤمن بمسيح دعى الى عبادة نفسه وأمه وانه ثالث ثلاثة وانه الله وابن الله وهذا هو اخو المسيح الكذاب لو كان له وجود فان المسيح الكذاب يزعم انه الله والنصارى في الحقيقة اتباع هذا المسيح كما ان اليهود انما ينتظرون خروجه وهم يزعمون انهم ينتظرون النبي الذي بشروا به فعوضهم الشيطان بعد مجيئه من الايمان به انتظارا للمسيح الدجال وهكذا كل من أعرض عن الحق يعوض عنه بالباطل

ما عوض به ابليس والنصارى وكل مستكبر عن حق وأصل هذا ان ابليس لما أعرض عن السجود لآدم كبرا ان يخضع له تعوض بذلك ذل القيادة لكل فاسق ومجرم من بنيه فلا بتلك النخوة ولا بهذه الحرفة والنصارى لما أنفوا ان يكون المسيح عبدا لله تعوضوا من هذه الانفة بان رضوا بجعله مصفعة اليهود ومصلوبهم الذي يسخرون منه ويهزؤن به ثم عقدوا له تاجا من الشوك بدل تاج الملك وساقوه في حبل الى خشبة الصلب يصفقون حوله ويرقصون فلا بتلك الانفة له من عبودية الله ولا بهذه النسبة له الى أعظم الذل والضيق والقهر وكذلك أنفوا ان يكون للتبرك والراهب زوجة او ولد وجعلوا لله رب العالمين الولد وكذلك أنفوا ان

يعبدو الله وحده لا شريك له ويطيعوا عبده ورسوله ثم رضوا بعبادة الصليب والصور المصنوعة بالايدي في الحيطان وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء ويحلل لهم ما شاء ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه ونظير هذا التعويض أنفة الجهمية ان يكون الله سبحانه فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه حتى لا يكون محصورا بزعمهم في جهة معينة ثم قالوا هو في كل مكان بذاته فحصوره في الآبار والسجون والانجاس والاخباث وعوضوه بهذه الامكنة عن عرشه المجيد فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق وضحكه عليهم وأستهزائه بهم
فصل وقول المسيح اذا انطلقت أرسلته اليكم معناه أني أرسله بدعاء ربي وطلبي منه ان يرسله كما يطلب الطالب من ولي الامر ان يرسل رسولا او يولي نائبا أو يعطي أحد فيقول انا أرسلت هذا ووليته وأعطيته يعني أني كنت سببا في ذلك فان الله سبحانه اذا قضى ان يكون الشيء فانه يقدر له أشبابا يكون بها ومن تلك الاسباب دعاء بعض عباده بان يفعل ذلك فيكون في ذلك من النعمة اجابة دعائه مضافا الى نعمته بايجاد ما قضى كونه ومحمد صلى الله عليه و سلم قد دعا به الخليل ابوه فقال ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم مع ان الله سبحانه قد قضى بارساله وأعلن باسمه قبل ذلك كما قيل له يا رسول الله متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد وقال اني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وان آدم لمنجدل في طينته وهذا كما قضى الله سبحانه نصره يوم بدر ومن اسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر وكذلك ما يقضيه من انزال من مغفرة ورحمة وهداية ونصر وقد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك او من غيره فلا يمتنع ان يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده ان يرسل اخاه محمدا الى العالم ويكون ذلك من اسباب الرسالة المضافة الى دعوة ابيه ابراهيم لكن ابراهيم سأل ربه ان يرسله في الدنيا فلذلك ذكره الله سبحانه واما المسيح فانما سأله بعد رفعه وصعوده الى السماء
فصل وتأمل قول المسيح اني لست ادعكم أيتاما لاني سآتيكم عن قريب كيف هو مطابق لقول أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهما ينزل عليكم ابن مريم حكما عدلا واماما مقسطا فيقتل الخزير ويكسر الصليب ويضع

الجزية وأوصى أمته يقرئه السلام منه من لقيه منهم وفي حديث آخر كيف تهلك امة أنا في اولها وعيسى في آخرها
فصل وقد تقدم نص التوراة تجلى الله من طور سينا واشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران قال علماء الاسلام وهذا لفظ ابي محمد بن قتيبة ليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض لان مجىء الله من طور سينا انزاله التوراة على موسى من طور سينا كالذي هو عند اهل الكتاب وعندنا وكذلك يجب ان يكون اشراقه من ساعير انزاله الانجيل على المسيح وكان المسيح من ساعير ارض الخليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها تسمى من اتبع نصارى وكما وجب ان يكون اشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران انزاله القرآن على محمد صلى الله عليه و سلم وجبال فاران هي جبال مكة قال وليس بين المسلمين واهل الكتاب خلاف في ان فاران هى مكة فان ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريفهم وافكهم قلنا اليس في التوراة ان ابراهيم اسكن هاجر واسماعيل فاران وقلنا دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران والنبي الذي انزل عليه كتابا بعد المسيح اوليس استعلن وعلن بمعنى واحد وهما ظهر وانكشف فهل تعلمون دينا ظهر ظهور دين الاسلام وفشا في مشارق الارض ومغاربها فشوه قال علماء الاسلام وساعير جبال بالشام منه ظهور نبوة المسيح والى جانبه قرية بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح تسمى اليوم ساعير ولها جبال تسمى ساعير وفي التوراة ان نسل العيص كانوا سكانا بساعير وامر الله موسى ان لا يؤذيهم قال شيخ الاسلام وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة حراء الذي ليس حول مكة أعلى منه وفيه ابتدىء رسول الله صلى الله عليه و سلم بنزول الوحي عليه وحوله جبال كثيرة وذلك المكان يسمى فاران الى هذا اليوم والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران ولا يمكن احدا ان يدعى انه بعد المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الارض ولا بعث نبي فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران الا ارسال محمد صلى الله عليه و سلم وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على ترتيب الزمان فذكر انزال التوراة ثم الانجيل ثم القرآن وهذه الكتب نور الله وهداه وقال في الاول جاء وظهر وفي الثاني اشرق وفي الثالث استعلن فكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر ونزول الانجيل مثل اشراق الشمس ونزول القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء ولهذا قال واستعلن من جبال

فارن فإن محمدا صلىالله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها أعظم مما ظهر بالكتابين كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها إذا استعلنت وتوسطت السماء ولهذا سماه الله سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا والخلق يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت وفي كل مكان ليلا ونهارا سرا وعلانية وقد ذكر الله تعالى هذه الأماكن الثلاثة في قوله والتين والرزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين فالتين والزيتون هو في الأرض المقدسة التي بعث منها المسيح وأنزل عليه فيها الإنجيل وطور سنين وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة التي فيه وأقسم بالبلد الأمين وهو مكة التي أسكن إبراهيم وإسماعيل وأمه فيه وهو فاران كما تقدم ولما كان ما في التوراة خبرا عن ذلك أخبر به على الترتيب الزماني فقدم الأسبق ثم الذي يليه وأما القرآن فإنه أقسم بها تعظيما لشأنها وإظهارا لقدرته وآياته وكتبه ورسله فأقسم بها على وجه التدريج درجة بعد درجة فبدأ بالعالي ثم انتقل إلى أعلا منه ثم أعلا منهما فإن أشرف الكتب القرآن ثم التوراة ثم الإنجيل وكذلك الأنبياء فصل وهذا الذب ذكره ابن قتيبية وغيره من علماء المسلمين من تأمل التوراة وجدها ناطقة به صريحة فيه فإن فيها وعد إبراهيم فأخذ الغلام وأخذ خبزا وسقاء من ماء ودفعه إلى هاجر وحمله عليها وقال اذهبي فانطلقت هاجر ونفذ الماء الذي كان معها فطرحت الغلام تحت شجرة وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت ورعفت صوتها بالبكاء وسمع الله صوت الغلام حيث هو فقال لها الملك قومي فاحملي الغلام وشدي يدك به فإني جاعله لأمة معظمة وفتح الله عينيها فبصرت ببئر ما فسقت الغلام وملأت سقاها وكان الله مع الغلام فتربى وسكن في برية فاران فهذا نص التوراة أن إسماعيل ربى وسكن في برية فاران بعد أن كان يموت من العطش وأن الله سقاة من بئر ماء وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت فعلم قطعا أن فاران هي أرض مكة فصل ومثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه ورضوا ترجمته جاء الله من جبال فاران وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته ولم يخرج أحد من جبال فاران التي امتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه و سلم فان المسيح لم يكن بارض فاران البتة وموسى إنما كلم من الطور والطور ليس من أرض

فاران وإن كانت البرية التي بين مكة الطور تسمى بربة فاران فلم ينزل الله فيها التوراة وبشارة التوارة قد تقدمت بجبل الطور وبشارة الإنجيل بجبل ساعير فصل ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته في نبوة حتقوق جاء الله من التين وظهر القدس على جبال فاران وامتلأت الأرض من تحميد أحمد وملك بيمينه رقاب الأمم وأنارت الأرض لنوره وحملت خيله في البحر قال ابن قتيبية وزاد فيه بعض اهل الكتاب وسينزع في قسيك إعرافا وتروي السهام بأمرك يا محمد ارتواء وهذا إفصاح باسمه وصفاته فإن إدعوا أنه غيره فمن أحمد هذا الذي امتلأت من تحميده الذي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم فصل ومن ذلك وهو الوجه السادس
قوله في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة إن هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك فقال يا هاجر من أين أقبلت وإلى أين تريدين فلما شرحت له الحال قال ارجعي فاني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه إسماعيل لأن الله قد سمع ذلك وخضوعك وولدك يكون وحش الناس يده فوق يد الجميع ويد الكل به ويكون مسكنه على تخوم جميع اخوته قال المستخرجون لهذه البشارة معلوم أن يد النبي إسماعيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه و سلم لم تكن فوق أيدي نبي إسحق بل كان في أيدي بني أسحق النبوة والكتاب وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني اسماعيل فوقهم يد ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى من أعز أهل الأرض ولم يكن لأحد عليهم يد ولذلك كانوا مع يوشع إلى زمن داود وملك سليمان الملك الذي لم يؤت أحدا مثله فلم يكن يد بني إسماعيل عليهم ثم بعث الله المسيح فكفروا به وكذبوه فدمر عليهم تكذيبهم إياه وزال ملكهم ولم يقم لهم بعده قائمة وقطعهم الله في الأرض أمما وكانوا تحت حكم الروم وةالفرس وقهرهم ولم يكن يد ولد إسماعيل عليهم في هذا الحال ولا كانت فوق يد الجميع إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم برسالته واكرمه الله بنبوته فصارت بمبعثه يد بني إسماعيل فوق يد الجميع فلم يبق في الأرض سلطان أعز من سلطانهم بحيث قهروا سلطان فارس والروم والترك والديلم وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والصابئة وعباد الأصنام فظهر بذلك تأويل قوله في التوارة ويكون يده فوق يد الجميع ويد الكل وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر قالت اليهود نحن لا ننكر هذا ولكن إن هذه بشارة بملكه وظهوره وقهره لا برسالته ونبوته قالت المسلمون الملك ملكان ملك ليس معه

نبوة بل ملك جبار متسلط وملك نفسه نبوة والبشارة لم تقع بالملك الأول ولا سيما أن ادعى صاحبه النبوة والرسالة وهو كاذب مفتر على الله فهو من شر الخلق وأفجرهم وأكفرهم فهذا لا تقع البشارة بملكه وانما يقع التحذير من فتنته كما وقع التحذير من فتنة الدجال بل هذا شر من سنحاريب وبخت نصر والملوك الظلمة الفجرة الذين يكذبون على الله فالأخبار لا تكون بشارة ولا تفرح به هاجر وإبراهيم ولا بشر أحد ذلك ولا يكون ذلك إثابة لها من خضوعها وذلها وأن الله قد سمع ذلك ويعظم هذا المولود ويجعله لإمة عظيمة وهذا عند الجاحدين بمنزلة أن يقال أنك ستلدين جبارا ظالما طاغيا يقهر الناس بالباطل ويقتل أولياء الله ويسبي حريمهم ويأخذ أموالهم بالباطل ويبدل أديان الأنبياء ويكذب على الله ونحو ذلك فمن حمل هذه البشارة على هذا فهو من أعظم الخلق بهتانا وفرية على الله وليس هذا بمستنكر لامة الغضب وقتلة الأنبياء وقوم البهت
فصل الوجه السابع قول داود في الزبور سبحوا الله تسبيحا جديدا وليفرح اسرائيل بخالقه وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته وأعطاه النصر وسدد الصالحين بالكرامة يسبحون على مضاجعهم ويكبرون الله بأصوات مرتفعة بأيديهم سيوف ذات شفرتين ولينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال وهذه الصفات إنما تنطبق على سيدنا محمد وأمته فهم الذين يكبرون الله بأصواتهم مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس وعلى الأماكن العالية قال جابر كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك وهو يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان وفي عيد الفطر وعيد النحر وفي عشر ذي الحجة وعقيب الصلوات في أيام منى وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون حتى ترتج منى تكبيرا وكان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم وعند رمي الجمار وعلىالصفا والمروة وعند محاذاة الحجر الاسود وفي أدبار الصلوات الخمس هذا لأحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق والنصارى بالناقوس وأما تكبير الله باصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله وامته وقوله بايديهم سيوف ذات شفرتين فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة بها البلاد وهي إلى اليوم معروفة لهم وقوله

يسبحون على مضاجعهم وهو نعت للمؤمنين الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم فإنهم لا يكبرون الله باصوات مرتفعة ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم والنصارى تعيب من يقاتل الكفار بالسيف وفيهم من يجعل هذا من ألسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه و سلم ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى قاتل الكفار وبعده يوشع بن نون وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
فصل الوجه الثامن قول داود ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار السيف لأن البهاء لوجهك والحمد الغالب عليك أركب كلمة الحق وسبحت التأله فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك وسهامك مسنونة والأمم يخرون تحتك وليس متقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه و سلم وهو الذي خرت الأمم تحته وقرنت شرائعه بالهيبة إما القبول وإما الجزية وإما السيف وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه و سلم نصرت بالرعب مسيرة شهر وقد أخبر داود أن له ناموسا وشرائع وخاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته وقهره لأعداء الله بخلاف المستضعف المقهور وهو صلى الله عليه و سلم نبي الرحمة ونبي الملجمة وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم أذلة علىالمؤمنين أعزة على الكافرين بخلاف الأذلاء المقهورين المستكبرين الذين يذلون لأعداء الله ويتكبرون عن قبول الحق
فصل الوجه التاسع قول داود في مزمور آخر أن الله سبحانه أظهر من صهيون أكليلا محمودا وضرب الأكليل مثلا للرياسة والإمامة ومحمود هو محمد صلى الله عليه و سلم وقال في صفته ويجوز من البحر إلىالبحر ومن لدن الانهار إلى منقطع الارض وانه لتخر اهل الجزائر بين يديه على ركبهم وتلحس اعداؤه التراب تأتيه ملوك الفرس وتسجد له وتدين له الأمم بالطاعة والأنقياد وبخلص المضطهد البائس ممن هو أقوى منه وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ويراف بالمساكين والضعفاء ويصلي عليه في كل وقت ويبارك ولا شك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات وعرف سيرة محمد صلى الله عليه و سلم وسيرةأمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته لا على المسيح ولا على نبي غيره فإنه حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي ومن لدن النهار جيحون وسيحون والفرات إلى منقطع الأرض بالغرب

وهذا مطابق لقةله صلى الله عليه و سلم زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها وهو الذي يصلي عابه ويبارك في كل حين وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه أهل جزيرة العرب وأهل الجزيرة التي بين الفرات ودجلة وأهل جزيرة الأندلس وأهل جزيرة قبرص وخضعت له ملوك الفرس فلم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ولم يؤد الجزية فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته فهم بين مؤمن به ومسالم ومنافق معه وخائف منه وأنقذ الصعفاء من الجبارين وهذا بخلاف المسيح فإنه لم يتمكن هذا التمكن في حياته ولا من اتبعه بعد رفعه إلى السماء ولا حازوا ما ذكر ولا يصلون عليه ويباركون في اليوم والليلة فإن القوم يدعون الاهيته سدس ويصلون له
فصل الوجه العاشر قوله في مزمور آخر لترتاح البوادي وقراها ولتصير أرض قيذار مروجا ولتسبح سكان الكهوف ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب ويذيعوا تسابيحه في الجو فمن أهل البوادي من الأمم سوى أمة محمد ومن قيذرا غير ولدا إسماعيل أحد أجداده صلى الله عليه و سلم ومن سكان الكهوف وقلل الجبال سوى العرب ومن هذا الذي دام ذكره إلى الأبد غيره
فصل الوجه الحادي عشر قوله في مزمور آخر إن ربنا عظم محمودا وفي مكان آخر إلهنا قدوس ومحمد قد عم الأرض كلها فرحا فقد نص داود على إسم محمد وبلده وإن كلمته قد عمت الأرض
فصل الوجه الثاني عشر قوله في الزبور لداود سيولد لك ولد أدعي له أبا ويدعى لي إبنا اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر وهذه أخبار عن المسيح ومحمد صلى الله عليه و سلم قبل ظهورهما بزمن طويل يريد أبعث محمدا حتى يعلم الناس إن المسيح بشر ليس إلها وأنه ابن البشر لا إبن خالق البشر فبعث الله هادي الأمة وكاشف الغمة فبين للأمم حقيقة أمر المسيح وأنه عبد كريم ونبي مرسل لا كما ادعته فيه النصارى ولا كما رمته به اليهود
فصل الوجه الثالث عشر قوله في نبوة شعيا قيل لي قم نظارا فانظر ما ترى تخبر به قلت أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل يقول أحدهما لصاحبه سقطت بابل وأصنامها للبحر وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح

وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليهما وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار وبمحمد صلى الله عليه و سلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد إبراهيم الخليل إلى أن سقطت بمحمد صلى الله عليه و سلم
فصل الوجه الرابع عشر قوله في نبوة شعيا أنه قال عن مكة ارفعي إلى ما حولك بصرك فستبهجين وتفرحين من أجل أن الله تعالى يصير إليك ذخائر البحر وتحج إليك عساكر الأمم حتى تعم بك قطر الإبل المؤبلة وتضيق أرضك عن المقطرات التي تجتمع إليك وتساق إليك كباش مدين ويأتيك أهل سبأ وتسير إليك أغنام فاران وتخدمك رجل نباوت يريد سدنة الكعبة وهم أولاد نبت ابن إسماعيل قالوا فهذه الصفات كلها حصلت لمكة فانها حملت اليها ذخائر البحر وحج اليها عساكر الامم وسيق اليها اغنام فاران هدايا واضاحي وقرابين وضاقت الارض عن قطرات الابل المؤبلة الحاملة للناس وازوادهم وأتاها أهل سبأ وهم اهل اليمن
فصل الوجه الخامس عشر قول أشعيا في مكة ايضا وقد اقسمت بنفسي كفسمي ايام نوح اني اغرق الارض بالطوفان اني لا أسخط عليك ولا ارفضك وان الجبال تزول وان التلاع تنحظ ورحمتي عليك لا تزول ثم قال يا مسكينة يا مضطهدة ها انا ذا بان بالحسن حجارتك ومزاينك بالجواهر ومكلل باللؤلؤ سقفك وبالزبرجد أبوابك وتبعدين من الظلم فلا تخافي ومن الضعف فلا تضعفي وكل سلاح يصنعه صانع فلا يعمل فيك وكل لسان ولغة تقوم معك بالخصومة تفلحين معها ويسميك الله اسما جديدا يريد أنه سماها المسجد الحرام فقومي فاشرقي فانه قد دنا نورك وقار الله عليك انظري بعينيك حولك فانهم مجتمعون يأتونك بنوك وبناتك عدوا فحينئذ تسرين وتزوهين ويخاف عدوك وليتسع قلبك وكل غنم قيذار تجتمع اليك وسادات نباوت يخدمونك ونباوت هم اولاد نبت بن اسماعيل وقيذار جد النبي صلى الله عليه و سلم وهو اخو بنت ابن اسماعيل ثم قال وتفتح ابوابك الليل والنهار لا تغلق ويتخذونك قبلة وتدعين بعد ذلك مدينة الرب
فصل الوجه السادس عشر قوله أيضا في مكة سري واهتزي ايتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح وافرحي ولم تحبلي فان أهلك يكونون اكثر من أهلي يعن يا هله بيت المقدس ويعني بالعاقر مكة لانها لم تلد قبل محمد النبي صلى الله عليه و سلم

نبيا ولا يجوز ان يريد بالعاقر بيت المقدس لانه بيت الانبياء ومعدن الوحي وقد ولد انبياء كثيرا
فصل الوجه السابع عشر قول أشعيا ايضا لمكة شرفها الله اني اعطي البادية كرامة لبنان وبهاء الكترمال وهما الشام وبيت المقدس يريد أجعل الكرامة التي كانت هناك بالوحي في ظهور الانبياء للبادية بالنبي صلى الله عليه و سلم وبالحج ثم قال ويشق الباية مياه وسواق في الارض الفلاة ويكون بالفيافي والاماكن العطاش ينابيع ومياه ويصير هناك محجة وطريق الحرم لا يمر به انجاس الامم والجاهل به لا يصل هناك ولا يكون بها سباع ولا اسد ويكون هناك ثمر المخلصين
فصل الوجه الثامن عشر قول أشعيا ايضا في كتابه عن الحرم ان الذئب والجمل فيه يرتعان معا اشارة الى أمنه الذي خصه الله به دونه بقاع الارض ولذلك سماه البلد الامين وقال او لم يروا انا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وقال يعدد نعمة على أهله لا يلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
فصل الوجه التاسع عشر قول أشعيا ايضا باسم رسول الله صلى الله عليه و سلم اني جعلت امرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود من الابد فهل بقي بعد ذلك لزايغ مقال او لطاعن مجال وقوله يا قدوس الرب معناه يا من طهره الرب وخلصه واصطفاه وقوله اسمك موجود من الابد مطابق لقول داود في مزمور له اسمك موجود قبل الشمس
فصل الوجه العشرون قول أشعيا في ذكر الحجر الاسود قال الرب والسيد ها انذا مؤسس بصهيون حجرا في زاوية ركن منه فمن كان مؤمنا فلا يستعجلنا واجعل العدل مثل الشاقول والصدق مثل الميزان فيهلك الذين ولعوا بالكذب فصهيون هي مكة عند اهل الكتاب وهذا الحجر الاسود الذي يقبله الملوك فمن دونهم وهو مما اختص به محمد وامته
فصل الوجه الحادي والعشرون قول شعيا في موضع آخر انه ستملأ البادية والمدن قصورا الى قيدار ومن رؤس الجبال وينادونهم الذين يجعلون لله الكرامة ويثنون بتسبيحه في البر والبحر وقال ارفع علما لجميع الامم من بعيد فيصفر بهم من اقصى الارض فاذا هم سراع يأتون وبنوا قيذار هم العرب لان قيذار هو ابن

اسماعيل باجماع الناس والعلم الذي يرفع هو النبوة والصفير بهم دعائهم من اقاصي الارض الى الحج فاذا هم سراع يأتون وهذا مطابق لقوله عز و جل واذن في الناس بالحج بأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق
فصل الوجه الثاني والعشرون قول أشعيا في موضع آخر سأبعث من الصبا قوما يأتون من المشرق مجيبين افواجا كالصعيد كثرة مثل الطيان الذي يدوس برجله الطين والصبا يأتي من نحو مطلع الشمس بعث الله سبحانه من هناك قوما من اهل المشرق مجيبين بالتلبية كالتراب كثرة وقوله ومثل الطيان الذي يدوس برجله الطين اما ان يراد به الهرولى بالطواف والسعي واما ان يراد به رجال قد كلت ارجلهم من المشي
فصل الوجه الثالث والعشرون قول في كتاب أشعيا ايضا عبدي وخيرتي ورضا نفسي افيض عله روحي أو قال انزل عليه روحي فيظهر في الامم عدلي ويوصي الامم بالوصايا لا يضحك ولا يسمع صوته يفتح العيون العمى العو ويسمع الاذان الصم ويحي القلوب الغلف وما اعطيه لا اعطي غيره لا يضعف ولا يغلب ولا يميل الى اللهو ولا يسمع في الاسواق صوته ركن للمتواضعين وهو نور الله الذي لا يطفى ولا يخصم حتى يثبت في الارض حجتي وينقطع به المعذرة فمن وجد بهذا الوصف غير محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فلو اجتمع اهل الارض لم يقدروا ان يذكروا نبيا جمع هذه الاوصاف كلها وهي باقية في امته الى يوم القيامة غيره لم يجدوا الى ذلك سبيلا فقوله عبدي موافق لقوله في القرآن وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وقوله وانه لما قام عبد الله بدعوه وقوله سبحان الذي اسرى بعبده ليلا وقوله وخيرتي ورضا نفسي مطابق لقوله صلى الله عليه و سلم إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم وقوله لا يضحك مطابق لوصفه الذي كان عليه صلى الله عليه و سلم قالت عائشة ما رؤى رسول الله صلى الله عليه و سلم ضاحكا حتى تبدوا لهواته انما كان يتبسم تبسما وهذا لان كثرة الضحك من خفة الروح ونقصان العقل بخلاف التبسم فانه من حسن الخلق وكمال الادراك واما صفته صلى الله عليه و سلم في بعض الكتب المتقدمة بانه الضحوك القتال فالمراد به انه لا يمنعه ضحكه وحسن خلقه اذا كان حدا لله وحقا له ولا يمنعه ذلك عن تبسمه في موضعه فيعطى كل حال ما يليق بتلك الحال فترك الضحك بالكلية من الكبر والتجبر وسوء الخلق وكثرته من

الخفة والطيش والاعتدال بين ذلك وقوله انزل عليه روحي مطابق لقوله تعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من أمرنا وقوله ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ان انذورا انه لا اله الا أنا فاتقون وقوله يلقى الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق فسمي الوحي روحا لان حياة القلوب والارواح به كما ان حياة الابدان بالارواح وقوله فيظهر في الامم عدلي مطابق قوله تعالى فلذلك فادع واستقم كا امرت ولا تتبع اهوائهم وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وامرت لاعدل بينكم وقوله عن أهل الكتاب فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط وقوله يوصي الامم بالوصايا مطابق لقوله تعالى شرع لكم من الذين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه الى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ثم قال ولا تقربوا ما اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده الى قوله ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ثم قال وان صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ووصاياه صلى الله عليه و سلم هي عهوده الى الامة بتقوى الله وعبادته وحده لا شريك له والتمسك بما بعثه الله به من الهدي ودين الحق والايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وقوله ولا تسمع صوته يعني ليس بصخاب له فديد كحال من ليس له حلم ولا وقار وقوله يفتح العيون العمي والآذان الصم والقلوب الغلف اشارة الى تكميل مراتب العلم والهدي الحاصل بدعوته في القلوب والابصار والاسماع فباينوا بذلك أحوال الصم البكم العمي الذين لهم قلوب لا يعقلون بها فان الهدي يصل الى العبد من هذه الابواب الثلاثة وهي مغلقة عن كل أحد لا تفتح إلا على أيدي الرسل ففتح الله بمحمد صلى الله عليه و سلم الاعين العمى فأبصرت بالله والآذان الصم فسمعت عن الله والقلوب الغلف فعقلت عن الله فانقادت لطاعته عقلا وقولا وعملا وسلكت سبل مرضاته ذللا وقوله وما أعطيه فلا أعطي غيره مطابق لقوله صلى الله عليه و سلم أعطيت ما لم يعط أحد من الانبياء قبلي ولقول الملائكة لما ضربوا له المثل لقد إعطي هذا النبي ما لم يعط نبي قبله ان عينيه ينامان وقلبه يقظان فمن ذلك انه بعث الى الخلق عامة وختم به ديوان الانبياء وأنزل عليه القرآن الذي لم ينزل من السماء كتاب يشبهه ولا يقاربه وأنزل على قلبه محفوظا متلوا وضمن له حفظه الى أن يأتي

الله بأمره وأوتي جوامع الكلم ونصر بالرعب في قلوب اعدائه وبينهما مسيرة شهر وجعلت صفوف امته في الصلاة على مثال صفوف الملائكة في السماء وجعلت الارض له ولامته مسجدا وطهورا وأسري به الى أن جاوز السموات السبع ورأي ما لم يره بشر قبله ورفع على سائر النبيين وجعل سيد ولد آدم وانتشرت دعوته في مشارق الارض ومغاربها واتبعه على دينه اتباع أكثر من اتباع سائر النبيين من عهد نوح الى المسيح فأمته ثلثا أهل الجنة وخصه بالوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة وبالمقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والآخرون وبالشفاعة العظمى التي يتأخر عنها آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى وأعز الله به الحق وأهله عزا لم يعزه بأحد قبله وأذل به الباطل وحظبه ذلا لم يحصل بأحد قبله وآتاه من العلم والشجاعة والصبر والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والعبادات القلبية والمعارف الالهية ما لم يؤته نبي قبله وجعلت الحسنة منه ومن أمته بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة وتجاوز له عن امته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عله وصلى عليه هو وجميع ملائكته عليهم صلوات الله وسلامه وأمر عباده المؤمنين كلهم أن يصلوا عليه ويسلموا تسليما وقرن اسمه باسمه فاذا ذكر الله ذكر معه كما في الخطبة والتشهد والاذان فلا يصح لاحد أذان ولا خطبة ولا صلاة حتى يشهد انه عبده ورسوله ولم يجعل لاحد معه أمرا يطاع لا ممن قبله ولا ممن هو كائن بعده الى أن تطوى الدنيا ومن عليها وأغلق أبواب الجنة الا عمن سلك خلفه واقتدى به وجعل لواء الحمد بيده فآدم وجميع الانبياء تحت لوائه يوم القيامة وجعله أول من تنشق عنه الارض وأول شافع وأول مشفع وأول من يقرع باب الجنة وأول من يدخلها فلا يدخلها احد من الاولين والاخرين الا بشفاعته وأعطى من اليقين والايمان والصبر والثبات والقوة في أمر الله والعزيمة على تنفيذ أوامره والرضا عنه والشكر له والقنوع في مرضاته وطاعته ظاهرا وباطنا سرا وعلانية في نفسه وفي الخلق ما لم يعطه نبي قبله ومن عرف أحوال العالم وسير الانبياء وأممهم تبين له ان الامر فوق ذلك فاذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر انه يكون أبدا قوله ولا يضعف ولا يغلب هطذا كان حاله صلوات الله وسلامه عليه ما ضعف في ذات الله قط ولا في حال انفراده وقلة أتباعه وكثرة أعدائه واجتماع أهل الارض على حربه بل هو أقورى الخلق وأثبتهم جأشا وأشجعهم قلبا حتى انه يوم احد قتل اصحابه وجرحوا وما ضعف ولا استكان بل خرج من الغد في طلب عدوه على شدة القرح حتى أرعب منه العدو وكر خاسئا على

كثرة عددهم وعددهم وضعف أصحابه وكذلك يوم حنين أفرد عن الناس في نفر يسير دون العشرة والعدو قد أحاطوا به وهم ألوف مؤلفة فجعل يثب في العدو ويقول ... أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب ...
ويتقدم اليهم ثم أخذ قبضة من التراب فرمي بها وجوههم فولوا منهزمين ومن تأمل سيرته وحروبه علم أنه لم يطرق العالم أشجع منه ولا أثبت ولا أصبر وكان أصحابه مع أنهم أشجع الامم اذا حمى البأس واشتد الحرب اتقوا به وتترسوا به فكان أقربهم الى العدو وأشجعهم هو الذي يكون قريبا منه وقوله ولا يميل الى اللهو هكذا كانت سيرته كان أبعد الناس من اللهو واللعب بل أمره كله جد وحزم وعزم مجلسه مجلس حياء وكرم وعلم وإيمان ووقار وسكينة وقوله ولا يسمع في الاسواق صوته أي ليس من الصاخبين في الاسواق في طلب الدنيا والحرص عليها كحال أهلها الطالبين لها وقوله ركن للمتواضعين فان من تأمل سيرته وجده أعظم الناس تواضعا للصغير والكبير والمسكين والارملة والحر والعبد يجلس معهم على التراب ويجيب دعوتهم ويسمع كلامهم وينطلق مع أحدهم في حاجته ويأخذ له حقه ممن لا يستطيع أن يطالبه به ويخصف نعله ويخيط ثوبه وقوله وهو نور الله الذي لا يطفيء ولا يخصم حتى يثبت في الارض حجته وينقطع به العذر وهذا مطابق لحاله وأمره ولما شهد به القرآن في غير موضع كقوله تعالى يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون وقوله يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وقوله يا أيها الناس قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام وقوله يا أيها الناس قد جائكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا وقوله فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ونظائره في القرآن كثيرة وقوله حتى ينقطع به العذر وتثبت به الحجة مطابق لقوله تعالى رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقوله والمرسلات عرفا الى قوله فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا وقوله ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين وقوله أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا او أنا أنزلنا علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة

فالحجة إنما قامت على الخلق بالرسل وبهم انقطعت المعذرة فلا يمكن من بلغته دعوتهم وخالفها أن يعتذر الى الله يوم القيامة إذ ليس له عذر يقبل منه
في فصل وهذه البشارة مطابقة لما في صحيح البخاري انه قيل لعبد الله بن عمرو أخبرنا ببعض صفات رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة فقال إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فافتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا بأن يقولوا لا أله اله الله وقوله إن هذا في التوراة لا يريد به التوراة المعينة التي هي كتاب موسى فان لفظ التوراة والانجيل والقرآن والزبور يراد به الكتب المعينة تارة ويراد به الجنس تارة فيعبر بلفظ القرآن عن الزبور وبلفظ التوراة عن القرآن وبلفظ الانجيل عن القرآن أيضا وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم خفف على داود القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته الى أن يركبها يقرأ القرآن فالمراد به قرآنه وهو الزبور وكذلك قوله في البشارة التي في التوراة نبيا أقيم لبني اسرائيل من إخوتهم أنزل عليه توراة مثل توراة موسى وكذلك في صفة امته صلى الله عليه و سلم في الكتب المتقدمة أناجيلهم في صدورهم فقوله اخبرني بصفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة إما ان يريد التوراة المعينة او جنس الكتب المتقدمة وعلى التقديرين فاجابة عبد الله بن عمرو بما هو في التوراة أي التي هي أعم من الكتاب المعين فان هذا الذي ذكره ليس في التوراة المعينة بل هو في كتاب أشعيا كما حكيناه عنه وقد ترجموه أيضا بترجمة أخرى فيها بعض الزيادة عبدي ورسولي الذي سرت به نفسي انزل عليه وحيي فيظهر في الامم عدلي ويوصيهم بالوصابا لا يضحك ولا يسمع صوته في الاسواق يفتح العيون العور والاذان الصم ويحي القلوب الغلف وما أعطيه لا أعطيه احدا يحمد الله حمدا جديدا يأتي به من أقطار الارض وتفرح بالبرية وسكانها يهللون الله على كل شرف ويكبرونه على كل رابية لا يضعف ولا يغلب ولا يميل الى الهوى مشفح ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة بل يقوى الصديقين وهو ركن المتواضعين وهو نور الله الذي لا يطفى أثر سلطانه على كتفيه وقوله مشفح بالشين المعجمة والفاء المشددة بوزن مكرم وهي لفظة عبرانية مطابقة لاسم محمد معنى ولفظا مقاربا

كمطابقة موذ موذ بل أشد مطابقة ولا يمكن العرب ان يتلفظوا بها بلفظ العبرانية فانها بين الحاء والهاء وفتحة الفاء بين الضمة والفتحة ولا يستريب عالم من علمائهم منصف انها مطابقة لاسم محمد قال أبو محمد ابن قتيبة مشفح محمد بغير شك واعتباره انهم يقولون شفحالاها اذا أرادوا أن يقولوا الحمد لله واذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد بغير شك وقد قال لي ولغيري بعض من أسلم من علمائهم ان مئذ مئذ هو محمد وهو بكسر الميم والهمزة وبعضهم يقتح الميم ويدنيها من الضمة قال ولا يشك العلماء منهم بأنه محمد وإن سكتنا عن إيراد ذلك واذا ضربنا عن هذا صفحا فمن هذا الذي انطبقت عليه وعلى أمته هذه الصفات سواه ومن هذا الذي أثر سلطانه وهو خاتم النبوة على كتفيه رآه الناس عيانا مثل زر الحجلة فماذا بعد الحق الا الضلال وبعد البصيرة الا العمى ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور فصفات هذا النبي ومخرجه ومبعثه وعلاماته وصفات أمته في كتبهم يقرؤنها في كنائسهم ويدرسونها في مجالسهم لا ينكرها منهم عالم ولا يأباها جاهل ولكنهم يقولون لم يظهر بعد وسيظهر ونتبعه قال ابن اسحاق حدثني محمد بن ابي محمد عن عكرمة وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الاوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه فقال معاذ بن جبل وبشر بن البراء معرور وداود بن سلمة يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه و سلم ونحن أهل شرك وتخبرونا بأنه نبي مبعوث وتصفونه بصفته فقال سلام بن مسلم أخو بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم فانزل الله عز و جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وقال أبو العالية كان اليهود اذا استنصروا بمحمد على مشركي العرب يقولون اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم وهم يعلمون انه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تعالى هذه الآيات فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وقال ابن اسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الانصاري عن رجال من قومه قالوا ومما دعانا الى الاسلام مع رحمة الله وهداه ما كنا نسمع من رجال اليهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فاذا نلنا منهم

بعض ما يكرهون قالوا لنا قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم أجبناه حين دعانا الى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدونا به فبادرناهم اليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآيات التي في البقرة ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين
فصل الوجه الرابع والعشرون قوله في كتاب شعيا أشكر حبيبي وابني أحمد فلهذا جاء ذكره في نبوة شعيا أكثر من غيرها من النبوات واعلن شعيا بذكره ووصفه ووصف أمته ونادى بها في نبوته سرا وجهرا لمعرفته بقدره ومنزلته عند الله وقال شعيا أيضا إنا سمعنا من أطراف الارض صوت محمد وهذا إفصاح باسمه صلى الله عليه و سلم فليرنا أهل الكتاب نبيا نصت الانبياء على اسمه وصفته ونعته وسيرته وصفة أمته وأحوالهم سوى رسول الله صلى الله عليه و سلم
فصل الوجه الخامس والعشرون قول حبقوق في كتابه ان الله جاء من اليمن والقدوس من جبال فاران لقد أضاءت السماء من بهاء محمد وامتلأت الارض من حمده وشاع منظره مثل النور يحوط بلاده بعزة تسير المنايا أمامه وتصحب سباع الطير أجناده قام يمسح الارض فتضعضعت له الجبال القديمة وامخفضت الروابي فتزعزعت اسوار مدين ولقد حاز المساعي القديمة ثم قال زجرك في الانهار واحتدام صوتك في البحار ركبت الخيول وعلوت مراكب الاتقياء وستتزع قسيك اعراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد إرتواء ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل وتغيرت المهاري تعييرا رفعت أيديها وجلا وخوفا وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك تدوخ الارض وتدوس الامم لانك ظهرت لخلاص أمتك وإنقاذ تراث آبائك فمن رام صرف هذه البشارة عن محمد فقد رام ستر الشمس بالنهار وتغطية البحار واني يقدر على ذلك وقد وصفه بصفات عينت شخصه وأزالت عن الحيران لبسه بل قد صرح باسمه مرتين حتى انكشف الصبح لمن كان ذا عينين وأخبر بقوة أمته وسير المنايا أمامهم واتباع جوارح الطير آثارهم وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد صلى الله عليه و سلم ولا تصلح إلا له ولا تنزل إلا عليه فمن حاول صرفها عنه فقد حاول صرف الانهار العظيمة عن مجراها وحبسها عن غايتها ومنتهاها وهيهات ما يروم المبطلون والجاحدون ويابي الله الا أن

يتم نوره ولو كره الكافرون فمن الذي امتلأت الأرض من حمده وحمد أمته لله في صلواتهم وخطبهم وأدبار صلواتهم وعلى السراء والضراء وجميع الأحوال سواء حتى سماهم الله قبل ظهورهم الحمادين ومن الذي كان وجهه كأن الشمس والقمر يجريان فيه في ضيائه ونوره
... قد عود الطير عادت وثقن بها ... شاهده في وجهه ينطق ... ولو لم إني رسول أما ... فهن يتعبنه في كل مرتحل ...
ومن الذي سارت المنايا أمامه وصحبت سباع الطير جنوده لعلمها بما يقرب من ذبح الكفار لله الواحد القهار
... يتطايرون بقربه قربانهم ... بدماء من علقوا من الكفار ...
ومن الذي تضعضعت له الجبال وانخفضت له الروابي وداس الأمم ودوخ العالم انتفضت بنبوته الممالك وخلص الامة من الشرك والكفر والجهل والظلم سواه فصل الوجه السادس والعشرون قوله في كتاب حزقيل يهدد اليهود ويصف لهم أمة محمد صلىالله عليه وسلم وأن الله مظهرهم عليكم وباعث فيهم نبيا ينزل عليه كتابا ويملكهم رقابهم فيقهرونهم ويذلونكم بالحق ويخرج رجال بني قيدار في جماعات الشعوب معهم ملائكة على خيل بيض متسلحين يوقعون بكم وتكون عاقبتكم إلى النار فمن الذي أظهره الله على اليهود حتى قهرهم وأذلهم وأوقع بهم وأنزل عليه كتابا ومن بنو قيدار غير بني إسماعيل اللذين خرجوا معه ومعهم جماعات الشعوب ومن الذي نزلت عليه الملائكة على خيل بيض يوم بدر ويوم الأحزاب ويوم حنين حتى عاينوها عيانا تقاتل بين يديه وعن يمينه وعن شماله حتى غلب ثلاثمائة وثلاث عشر رجلا ليس معهم غير فرسين ألف رجل مقنعين في الحديد معدودين من فرسان العرب فأصبحوا بين قتيل وأسير ومنهزم فصل الوجه السابع والعشرون قول دانيال وذكره باسمه الصريح من غير تعريض ولا تلويح وقال سينزع في قسيك اعراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد إرتواء وقال دانيال النبي أيضا حين سأل بخت نصر عن تأويل رؤيا رآها ثم أنسبها رأيت أيها الملك صنما عظيما قائما بين يديك راسه من ذهب وساعداه من فضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من الخزف فبينا انت متعجب منه إذ أقبلت صخرة فذقت ذلك الصنم فتفتت وتلاشى وعاد رفاتا ثم نسفته الرياح وذهب

وتحول ذلك الحجر إنسانا عظيما ملأ الارض فهذا ما رأيت أيها الملك فقال بخت نصر صدقت فما تاويلها قال أنت الرأس الذي من الذهب ويقوم بعدك ولدك وهو الذي رايته من الفضة وهو دونك وتقوم بعده مملكة أخرى هي دونه وهي تشبه النحاس وبعدها مملكة قوية مثل الحديد وأما الرجلان اللذان رأيت من خزف فمملكة ضعيفة وأما الحجر العظيم الذي رايته دق الصنم ففتته نبي يقيمه إله الأرض والسماء بشريعة قوية فيدق جميع ملوك الأرض وأممها حتى تمتلئ الارض منه ومن أمته ويدوم سلطان ذلك النبي إلى انقضاء الدنيا فهذا تعبير رؤياك أيها الملك ومعلوم أن هذا منطبق على محمد بن عبد الله حذو القذة بالقذة لا على المسيح ولا على نبي سواه فهو الذي بعث بشريعة قوية ودق جميع ملوك الأرض وأممها حتى امتلأت الارض من أمته وسلطانه دائم الى آخر الدهر لا يقدر أحد أن يزيله كما أزال سلطان اليهود من الأرض وأزال سلطان النصارى عن خيار الأرض ووسطها فصار في بعض أطرافها وزال سلطان المجوس وعباد الأصنام وسلطان الصابئين فصل الوجه الثامن والعشرون قول دانيال أيضا سألت الله وتضرعت إليه أن يبين لي ما يكون من بني إسرائيل وهل يتوب عليهم ويرد إليهم ملهكم ويبعث فيهم الأنبياء أو يجعل ذلك في غيرهم فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه فقال السلام عليم يا دانيال إن الله يقول أن بني إسرائيل أغضبوني وتمردوا علي وعبدوا من دوني آلهة أخرى وصاروا من بعد العلم إلى الجهل ومن بعد الصدق إلى الكذب فسلطت عليهم بختنصر فقتل رجالهم وسبي دراريهم وهدم مسجدهم وحرق كتبهم وكذلك يفعل من بعده بهم وأنا غير راض عنهم ولا مقيلهم عثراتهم فلا يزالون في سخطي حتى أبعث مسيحي ابن العذراء البتول فأختم عليهم عند ذلك باللعن والسخط فلا يزالون ملعونين عليهم الذلة والمسكنة حتى أبعث بني إسماعيل الذي بشرت به هاجر وأرسلت إليها ملاكي فبشرها فأوحى إلى ذلك النبي وأعلمه الأسماء وأزينه بالتقوى وأجعل البر شعاره والتقوى ضميره والصدق قوله والوفاء طبيعته والقصد سرته والرشد سنته اخصه بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتب وناسخ لبعض ما فيها أسري به إلى وأرقيه من سماء الى السماء حتى يعلو فأدينه وأسلم عليه وأوحى إليه وارقيه ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة جافظا لما استودع صادقا بما أمر يدعو إلى توحيدي باللين من القول والموعظة الحسنة لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالسواق رؤف بمن والاه رحيم بمن آمن به خشن على من عاداه

فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي ويخبرهم بما رأى من آياتي فيكذبونه ويؤذونه ثم سرد دانيال قضية رسول الله صلى الله عليه و سلم مما أملاه عليه الملك حتى وصل آخر أيام أمته بالنفخة وانقضاء الدنيا وهذه البشارة أيضا عند اليهود والنصارى يقرؤنها ويقرون بها ويقولون لم يظهر صاحبها بعد قال ابو العالية لما فتح المسلمون تستر وجدوا دانيال ميتا ووجدوا عنده مصحفا قال ابو العالية أنا قرأت ذلك المصحف وفيه صفتكم واخباركم وسيرتكم ولحون كلامكم وكان أهل الناحية إذا اجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون فكتب ابو موسى الاشعري في ذلك الى عمر بن الخطاب فكتب عمر ان احفر بالنهار ثلاثة عشر قبرا وادفنه بالليل في واحد منها لئلا يفتتن الناس به
فصل الوجه التاسع والعشرون قال كعب وذكر سفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة ويريد بها التوراة التي هي أعم من التوراة المعينة أحمد عبدي المختار لافظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة يعفو ويغفر مولده بكاء وهجرته طابا وملكه بالشام وأمته الحامدون يحمدون الله على كل نجد ويسبحونه في كل منزلة ويوضؤن أطرافهم ويأتزرون على أنصافهم وهم رعاة الشمس ومؤذنهم في جو السماء وصفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء رهبان بالليل أسد بالنهار ولهم دوي كدوي النحل يصلون الصلاة حيث ما أدركتهم ولو على كناسة
فصل الوجه الثلاثون قال ابن ابي الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمر بن حفص وكان من خيار الناس قال كان عند أبي وجدي ورقة يتوارثونها قبل الاسلام فيها اسم الله وقوله الحق وقول الظالمين في تبار هذا الذكر لامة تأتي في آخر الزمان ينزرون على أوساطهم ويغسلون أطرافهم ويخوضون البحور الى أعدائهم فيهم صلاى لو كانت في قوم نوح ما هلكوا بالطوفان وفي ثمود ما هلكوا بالصيحة
فصل الوجه الحادي والثلاثون قال شعيا وذكر قصة العرب فقال ويدوسون الامم دياس البيادر وينزل البلاء بمشركي العرب وينهزمون بين يدي سيوف مسلولة وقسي مؤترة من شدة الملحمة وهذا إخبار عما حل بعبدة الاوثان من رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه يوم بدر ويوم حنين وفي غيرهما من الوقائع
فصل الوجه الثاني والثلاثون قوله في الانجيل الذي بأيدي النصارى عن يوحنا ان المسيح قال للحواريين من أبغضني فقد أبغض الرب ولولا إني صنعت لهم صنائع

لم يصنعها أحد لم يكن لهم ذنب ولكن من الآن بطروا فلا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس لانهم أبغضوني مجافا فلو قد جاء المنجمنا هذا الذي يرسله الله اليكم من عند الرب روح القسط فهو شهيد على وأنتم أيضا لانكم قديما كنتم معي هذا قولي لكم لكيلا تشكوا اذا جاء والمنجمنا بالسريانية وتفسيره بالرومية بالبارقليط وهو بالعبرانية الحماد والمحمود والحمد كما تقدم

فصل الوجه الثالث والثلاثون قوله في الانجيل أيضا إن المسيح قال لليهود وتقولون كنا في أيام آبائنا لم نساعدهم على قتل الانبياء فأتموا كيل آبائكم يا ثعابين بني الافاعي كيف لكم النجاة من عذاب النار وسأبعث اليكم أنبياء وعلماء تقتلون منهم وتصلبون وتجلدون وتطلبونهم من مدينة الى أخرى لتتكامل عليكم دماء المؤمنين المهرقة على الارض من دم هابيل والصالح الى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه عند المذبح انه سيأتي جميع ما وصفت على هذه الامة يا اورشليم التي تقتل الانبياء وترجم من بعث اليك قد أردت ان أجمع بنيك كجمع الدجاجة فراريخها تحت جناحها وكرهت أت ذلك سأقفز عليكم بيتكم وانا اقول لا تروني الان حتى يأتي من يقولون له مبارك يأتي على اسم الله فاخبرهم المسيح انهم لابد ان يستوفوا الصاع الذي قدر لهم وانه سيقفز على اسم الله فهو الذي انتقم بعده لدماء المؤمنين وهذا نظير قوله في الموضع الاخر ان خيرا لكم ان اذهب عنكم حتى ياتيكم الفارقليط فانه لا يجيء ما لم اذهب وقوله ايضا ابن البشر ذاهب والفارقليط من بعده وفي موضع اخر انا اذهب وسياتيك الفارقليط والفارقليط والمبارك الذي جاء بعد المسيح هو محمد صلى الله عليه و سلم كما تقدم تقريره

فصل الوجه الرابع والثلاثون قوله في انجيل متى انه لما حبس يحي بن زكريا بعث بلاميذه الى المسيح وقال لهم قولوا له انت ايل ام نتوقع غيرك فقال المسيح الحق اليقين اقول لكم انه لم تقم النساء عن افضل من يحي بن زكريا وان التوراة وكتب الانبياء تتلو بعضها بالنبوة والوحي حتى جاء يحي واما الان فان شئتم فاقبلوا فان ايل مزمع ان يأتي فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع وهذه بشارة بمجيء الله سبحانه الذي هو أيل بالعبرانية ومجيئه هو مجيء رسوله وكتابه ودينه

كما في التوراة جاء الله من طور سيناء قال بعض عباد الصليب إنما بشر بالياس النبي وهذا لا ينكر من جهل أمة الضلال وعباد خشبة الصليب التي نحتتها أيدي اليهود فان الياس قد تقدم إرساله على المسيح بدهور متطاولة

فصل الوجه الخامس والثلاثون قوله في نبوة ارميا قبل أن أخلقك قد عظمتك من قبل أن أصورك في البطن وأرسلتك وجعلتك نبيا للاجناس كلهم فهذه بشارة على لسان أرميا لمن بعده وهو إما المسيح واما محمد صلوات الله وسلامه عليهما لا يعدوهما الى غيرهما ومحمد اولى بها لان المسيح انما كان نبيا لبني اسرائيل كما قال تعالى ورسولا الى بني اسرائيل والنصارى تقر بهذا ولم يدع المسيح انه رسول الى جميع أجناس أهل الارض فان الانبياء من عهد موسى الى المسيح انما كانوا يبعثون الى قومهم بل عندهم في الانجيل ان المسيح قال للحواريين لا تسلكوا الى سبيل الاجناس ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل اسرائيل واما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله الى جميع أجناس الارض وطوائف بني آدم وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى قل يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا ولقوله صلى الله عليه و سلم بعثت الى الاسود والاحمر وقوله صلى الله عليه و سلم وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة وقد اعترف النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها في آخر الزمان وهذا من أعظم البهت والجرأة على الله والافتراء عليه فانه لا يأتي من قد مات الى يوم الميقات المعلوم

فصل الوجه السادس والثلاثون قول المسيح في الانجيل الذي بأيديهم وقد ضرب مثل الدنيا فقال كرجل إغترس كرما وسيج حوله وجعل فيه معصرة وشيد فيه قصرا ووكل به اعوانا وتغرب عنه فلما دنى أوان قطافه بعث عبده الى أعوانه الموكلين بالكرم ثم ضرب مثلا للانبياء ولنفسه ثم للنبي الموكل آخرا بالكرم ثم أفصح عن أمته فقال واقول لكم سيزاح عنكم ملك الله وتعطاه الامة المطيعة العاملة ثم ضرب لنبي هذه الامة مثلا بصخرة وقال من سقط على هذه الصخرة سينكسر ومن سقطت عليه ينهشم وهذه صفة محمد ومن ناواه وحاربه من الناس لا تنطبق على أحد بعد المسيح سواه

فصل الوجه السابع والثلاثون قول شعيا في صحفة لتفرح ارض البادية العطشي ولتبتهج البراري والفلوات لانها ستعطي بأحمد محاسن لبنان وثل حسن الدساكير

وتالله مات بعد هذا الا المكابرة وجحد الحق بعد ما تبين

فصل الوجه الثامن والثلاثون قول حزقيل في صحفه التي بأيديهم يقول الله عز و جل بعد ما ذكر معاصي بني اسرائيل وشبههم بكرمة غذاها وقال لم تلبث الكرمة ان قلعت بالسخطة ورمي بها على الارض المهملة العطشى وخرجت من أغصانها الفاضلة نار أكلت تلك الكرمة حتى لم يوجد فيها غصن قوى ولا قضيب وهذا تصريح لا تلويح به صلى الله عليه و سلم وببلده وهي مكة العطشى المهملة من النبوة قبله من عهد إسماعيل

فصل الوجه التاسع والثلاثون ما في صحف دانيال وقد نعت الكشدانين الكذابين فقال لا تمتد دعوتهم ولا يتم قربانهم وأقسم الرب بساعده أن لا يظهر الباطل ولا يقوم لمدع كاذب دعوة أكثر من ثلاثين سنة وفي التوراة ما يشبه هذا وهذا تصريح بصحة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم فان الذين اتبعوه بعد موته اضعاف اضعاف الذين اتبعوه في حباته وهذه دعوته قد مرت عليها القرون من السنين وهي باقية مستمرة وكذلك الى آخر الدهر ولم يقع هذا لملك قط فضلا عن كذاب مفتر على الله وانبيائه مفسد للعالم مغير لدعوة الرسل ومن ظن هذا بالله فقد ظن به اسوأ الظن وقدح في علمه وقدرته وحكمته

مناظرة المؤلف لاحد كبار اليهود وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير اليه اليهود بالعلم والرياسة فقلت له في اثناء الكلام أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه و سلم قد شتمتم الله اعظم شتيمة فعجب من ذلك وقال مثلك يقول هذا الكلام فقلت له إسمع الآن تقريره اذا قلتم إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي انه رسول الله أرسله الى الخلق كافة ويقول أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحي الى كذا ولم يكن من ذلك شيء ويقول انه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم ولم يكن من ذلك شيء وهو يدأب في تغيير دين الانبياء ومعاداة أممهم ونسخ شرائعهم فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه أو تقولوا انه خفي عنه ولم يعلم به فان قلتم لم يعلم به نسبتموه الى أقبح الجهل وكان من علم ذلك إعلم منه وان قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والاخذ على يديه ومنعه من ذلك اولا فان لم يكن قادرا فقد نسبتموه الى

أقبح العجز المنافي للربوبية وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته ويجيب دعاءه ويمكنه من اعدائه ويظهر على يديه من انواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الالف ولا يقصده احد بسوء الا اظفره به ولا يدعوه بدعوة الا استجابها له فهذا من اعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته الى آحاد العقلاء فضلا عن رب الارض والسماء فكيف وهو يشهد له باقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه افلح وسعد قلت فما لك لا تدخل في دينه قال انما بعث الى الاميين الذي لا كتاب لهم واما نحن فعندنا كتاب نتبعه قلت له غلبت كل الغلب فانه قد علم الخاص والعام انه أخبر انه رسول الله الى جميع الخلق وان من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم وقاتل اليهود والنصارى وهم أمل كتاب واذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به فأمسك ولم يحر جوابا
وقريب من هذه المناظرة ما جرى لبعض علماء المسلمين مع بعض اليهود ببلاد المغرب قال له المسلم في التوراة التي بأيديكم الى اليوم ان الله قال لموسى اني أقيم لبني اسرائيل من اخوتهم نبيا مثلك أجعل كلامي على فيه فمن عصاه انتقمت منه قال له اليهودي ذلك يوشع بن نون فقال المسلم هذا محال من وجوه أحدها انه قال عندك في آخر التوراة انه لا يقوم في بني اسرائيل نبي مثل موسى الثاني انه قال من اختهم واخوة بني اسرائيل فأما الروم فلم يقم منهم نبي سوى أيوب وكان قبل موسى فلا يجوز أن يكون هو الذي بشرت به التوراة فلم يبق الا العرب وهم بنو اسماعيل وهم اخوة بني اسرائيل فأما وقد قال الله في التوراة حين ذكر اسماعيل جد العرب انه يضع فسطاطه في وسط بلاد اخوته وهم بنو اسرائيل وهي الشام التي هي مظهر ملكه كما تقدم من قوله وملكه بالشام فقال له اليهودي فعندكم في القرآن والى مدين أخاهم شعيبا والى عاد أخاهم هودا والى ثمود أخاهم صالحا والعرب تقول يا أخا بني تميم للواحد منهم فهكذا قوله أقيم لبني اسرائيل من اختهم قال المسلم الفرق بين الموضعين ظاهر فانه من المحال أن يقال ان بني اسرائيل اخوة بني اسرائيل وبني تميم اخوة بني تميم وبني هاشم اخوة بني هاشم هذا ما لا يعقل في لغة أمة من الامم بخلاف قولك زيد أخو عاد وصالح أخو ثمود أي واحد منهم فهو أخوهم في النسب ولو قيل عاد أخو عاد وثمود أخو

ثمود ومدين أخو مدين لكان نقصا وكان نظير قولك بنو اسرائيل أخوة بني اسرائيل فاعتبار أحد الموضعين بالآخر خطأ صريح قال اليهودي فقد أخبر انه سيقيم هذا النبي لبني اسرائيل ومحمد انما اقيم للعرب ولم يقم لبني اسرائيل فهذا الاختصاص يشعر بأنه مبعوث اليهم لا الى غيرهم قال المسلم هذا من دلائل صدقه فانه ادعى انه رسول الله الى أهل الارض كتابيهم وأميهم ونص الله في التوراة على أنه يقيمه لهم لئلا يظنوا انه مرسل الى العرب والاميين خاصة والشيء يخص بالذكر لحاجة المخاطب الى ذكره لئلا يتوهم السامع انه غير مراد باللفظ العام ولا داخل فيه وللتنبيه على أن ما عداه اولى بحكمه ولغير ذلك من المقاصد فكان في تعيين بني اسرائيل بالذكر إزالة لوهم من توهم انه مبعوث الى العرب خاصة وقد قال تعالى لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك هؤلاء قومه ولم ينف ذل أن يكون نذيرا لغيرهم فلو أمكنك أن تذكر عنه انه ادعى انه رسول الى العرب خاصة لكان ذلك حجة فأما وقد نطق كتابه وعرف الخاص والعام بأنه ادعى انه مرسل الى بني اسرائيل وغيرهم فلا حجة لك قال اليهودي ان أسلافنا من اليهود كلهم على انه ادعي ذلك ولكن العيسوية منا تزعم انه نبي العرب خاصة ولسنا نقول بقولهم ثم التفت الى يهودي معه فقال نحن قد درى شأننا على اليهودية وتالله ما أدري كيف التخلص من هذا العربي إلا أنه أقل ما يجب علينا أن نأخذ به أنفسنا الني عن ذكره بسوء
فصل وقال محمد بن سعد في الطبقات حدثنا معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح عن أبي فروة عن ابن عباس انه سأل كعب الاحبار كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة قال نجده محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره الى طابة ويكون ملكه بالشام ليس بفحاش ولا صخاب بالاسواق ولا يكافيء السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابو الاحوص عن الاعمش عن أبي صالح قال قال كعب نجد مكتوبا محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن بعفو ويغفر وامته الحمادون يكبرون الله على كل نجد ويحمدونه في كل منزلة يأتزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء لهم دوي كدوي النحل مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام

قال الدارمي وأخبرنازيد بن عوف حدثنا أبو عوانه عن عبد الملك بن عمير عن ذكوان أبي صالح عن كعب قال في السطر الاول محمد رسول الله عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام وفي السطر الثاني محمد رسول الله أمته الحمادون يحمدون الله في كل حال ومنزلة ويكبرونه على كل شرف رعاة الشمس يصلون الصلاة اذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة يأتزرون على أوساطهم ويوضؤن اطرافهم واصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل وقال عاصم بن عمر بن قتادة عن نملة بن أبي نملة عن أبيه قال كانت بهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتبهم ويعلمون الولدان صفته واسمه ومهاجره فلما ظهر حسدوا وبغوا وانكروا وذكر ابو نعيم في دلائل النبوة من حديث سليمان بن سحيم ورميح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول جئت بني عبد الاشهل يوما لاتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب فسمعت يوشع اليهودي يقول أظل خروج نبي يقال له احمد يخرج من الحرم فقال له خليفة بن ثعلية الاشهلي كالمستهزء به ما صفته فقال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار وهذا البلد مهاجرة قال فرجعت الى قومي بني خدرة وانا يومئذ أتعجب مما قال يوشع فأسمع رجلا منا يقول هذا وحده يقوله كل يهود يثرب تقول هذا قال أبي فخرجت حتى جئت يهود بني قريظة فتذاكروا النبي صلى الله عليه و سلم فقال الزبير بن باطا قد طلع الكوكب الاحمر الذي يطلع الا بخروج نبي وظهوره ولم يبق أحد الا احمد هذه مهاجره قال ابو سعيد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة اخبره ابي هذا الخبر فقال النبي صلى الله عليه و سلم لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لاسلمت يهود كلها انما هم لهم تبع وقال النضر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن محمد بن مسلمة قال لم يكن في بني عبد الاشهل الا يهودي واحد يقال لن يوشع فسمعته يقول واني لغلام قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت ثم أشار بيده الى نحو بيت الله الحرام فمن أدركه فليصدقه فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا ولم يسلم حسدا وبغيا
قال النضر وحدثنا عبد الجبار بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الله العامري عن سليم بن يسار عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال ما كان في الاوس والخزرج

رجل أوصف لمحمد من أبي عامر الراهب كان يألف اليهود ويسألهم عن الدين ويخبرونه بصفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وان هذه دار هجرته ثم خرج الى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك ثم خرج الى الشام فسأل النصارى فأخبروه بصفة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن مهاجره يثرب فرجع ابو عامر وهو يقول أنا على دين الحنفية وأقام مترهبا ولبس المسوح وزعم انه على دين ابراهيم وانه ينتظر خروج النبي فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة لم يخرج اليه وأقام على ما كان عليه فلما قدم النبي المدينة صلى الله عليه و سلم المدينة حسده وبغي ونافق وأتي النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد بم بعثت قال الحنفية قال أنت تخلطها بغيرها فقال النبي صلى الله عليه و سلم أتيت بها بيضاء أين ما كان يخبرك الاحبار من اليهود والنصارى من صفتي فقال لست الذي وصفوا فقال النبي الكاذب أماته الله وحيدا طريدا قال آمين ثم رجع الى مكة وكان مع قريش يتبع دينهم وترك ما كان عليه فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا
وقال الواقدي حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز في جماعة كل حدثني بطائفة من الحديث عن المغيرة بن شعبة انه دخل على المقوقس وانه قال له ان محمدا نبي مرسل ولو أصاب القبط والروم اتبعوه قال المغيرة فأقمت بالاسكندرية لا أدع كنيسة الا دخلتها وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى الله عليه و سلم وكان أسقف من القبط وهو رأس كنيسة أبي محنس كانوا يأتونه بمرضاهم فيداويهم ويدعوا لهم لم أر أحدا قط لا يصلي الخمس أشد اجتهادا منه فقلت أخبرني هل بقي أحد من الانبياء قال نعم وهو آخرهم ليس بينه وبين عيسى أحد وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه وهو النبي الامي العربي اسمه احمد ليس بالطويل ولا بالقصير في عينيه حمرة وليس بالابيض ولا بالادم يعفى شعره ويلبس ما غلظ من الثياب ويجتزي بما لقي من الطعام سيفه على عاتقه ولا يبالي من لاقى يباشر القتال بنفسه ومعه أصحابه بفدونه بأنفسهم هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم يخرج من أرض القرظ ومن حرم يأتي والى حرم يهاجر الى أرض مسبخة ونخل يدين بدين ابراهيم يأتزر على وسطه ويغسل أطرافه ويخص بما لم يخص به الانبياء قبله وكان النبي يبعث الى قومه ويبعث الى الناس كافة وجعلت له الارض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى ومن كان قبلهم مشدد عليهم لايصلون الا في الكنائس والبيع

وقال الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه عن جده سعيد بن زيد ان زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا الى راهب بالموصل فقال لزيد من أين أقبلت قال من بيت ابراهيم قال وما تلتمس قال التمس الدين قال ارجع فانه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك فرجع وهو يقول لبيك حقا حقا تعبدا ورقا وقال ابن قتيبة في كتاب الاعلام حدثني يزيد بن عمرو حدثنا العلاء بن الفضل حدثني أبي عن ابيه عبد الملك ابن أبي سوية عن أبي سوية عن أبيه خليفة ابن عبدة المنقري قال سألت محمد بن عدي كيف سماك أبوك عدي محمدا قال أما اني قد سألت أبي عما سألتني عنه فقال خرجت رابع أربعة من بني تميم أنا أحدهم ومجاشع بن دارم ويزيد بن عمرو بن ربيعة واسامة بن مالك بن جندب نريد ابن جفنة الغساني فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات وقربه ديراني فأشرف علينا وقال ان هذه اللغة ما هي لاهل هذه البلد قلنا نعم نحن قوم من مضر قال من أي المضريين قلنا من خندف قال أما أنه سيبعث فيكم وشيكا نبي فسارعوا اليه وخذوا بحظكم منه ترشدوا فانه خاتم النبيين واسمه محمد فلما انصرفنا من عند ابن جفنة الغساني وصرنا الى أهلنا ولد لكل رجل منا غلام فسماه محمدا وقال الامام احمد حدثنا روح حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم الكنيسة فاذا هو بيهود واذا بيهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه و سلم أمسكوا وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما لكم امسكتم قال المربض انهم اتوا على صفة نبي فأمسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى اخذ التوراة فقرأ حتى اتي على صفى النبي صلى الله عليه و سلم فقال هذه صفتك وصفة امتك أشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه و سلم لاصحابه خذوا أخاكم وقال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر قال حدثني سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس عن ابي بن كعب قال لما قدم تبع المدينة ونزل بقباء بعث الى أحبار اليهود فقال اني مخرب هذا البد حتى لا تقوم بها يهودية ويرجع الامر الى العرب فقال له شموال اليهودي وهو يومئذ أعلمهم أيها الملك ان هذا بلد يكون اليه مهاجر نبي من بني اسماعيل مولده بمكة اسمه أحمد وهذه دار هجرته وان منزلك هذا الذي انت به يكون به من القتل والجراح كثير في أصحابه وفي

عدوهم قال تبع ومن يقاتله يومئذ وهو نبي كما تزعمون قال يسير اليه قومه فيقتتلون هاهنا قال فاين قبره قال بهذا البلد قال فاذا قوتل لمن تكون الدائرة قال تكون له مرة وعليه مرة وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ويقتل أصحابه قتلا لم تقتلوه في موطن ثم تكون له العاقبة ويظهر فلا ينازعه هذا الامر أحد قال وما صفته قال رجل ليس بالطويل ولا بالقصير في عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى من أخ أو ابن عم أو عم حتى يظهر أمره قال تبع ما الى هذه البلدة من سبيل وما يكون خرابها على يدي فخرج تبع منصرفا الى اليمين قال يوسف بن عبد الله بن سلام عن ابيه لم يمت حتي صدق بالنبي صلى الله عليه و سلم لما كان يهود يثرب يخبرونه وان تبع مات مسلما وقال محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر حدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود يقول إني وجدت سفرا كان أبي يكتمه علي فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القرظ صفته كذا وكذا فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه و سلم لم يبعث بعد فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه و سلم قد خرج بمكة فعمد الى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه و سلم وصفته وقال ليس به قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال كان يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه و سلم عندهم قبل أن يبعث وان دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت أحبار يهود ولد أحمد الليلة هذا الكوكب قد طلع فما تنبأ قالوا تنبأ أحمد قد طلع الكوكب كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه فما منعهم الا الحسد والبغي وقال محمد بن سعد أخبرنا على بن محمد عن أبي عبيدة بن عبدالله وعند الله بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مجلس من مجالس قريش هل كان فيكم من مولود هذه الليلة قالوا لا نعلمه قال انظروا يا معشر قريش واحصوا ما أقول لكم ولد هذه الليلة نبي هذه الامة أحمد وبه شامة بين كتفيه فيها شعرات فتصدع القوم من مجالسهم وهو يعجبون من حديثه فلما صاروا في منازلهم ذكروه لاهاليهم فقيل لبعضهم ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام وسماه محمد فأتوا اليهودي في منزله فقالوا علمت انه ولد فينا غلام فقال أبعد خبري أم قبله فقالوا قبله وإسمه أحمد قال فاذهبوا بنا اليه فخرجوا حتى أتوا أمه فأخرجته

اليهم فرأي الشامة في ظهره فغشي على اليهودي ثم أفاق فقالوا مالك ويلك فقال ذهبت النبوة من بني إسرائيل وخرج الكتاب من أيديهم فازت العرب بالنبوة أفرحتم يا معشر قريش أما والله ليسطون بكم سطوه يخرج نبؤها من المشرق الى المغرب قال ابن سعد وأخبرنا على بن محمد عن علي بن مجاهد عن محمد بن اسحق عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت المدارس فقال أخرجوا الى أعمالكم فقالوا عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فناشهده بدينه وبما أنعم الله عليهم موأطعمهم من المن والسلوى وظللهم من الغمام أتعلم أني رسول الله قال اللهم نعم وان القوم ليعرفون ما اعرف وان صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك قال فما يمنعك أنت قال أكره خلاف قومي عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم وقال أبو الشيخ الاصبهاني حدثنا أبو يحي الرازي حدثنا سهل بن عثمان حدثنا علي بن مسهر عن داود عن الشعبي قال قال عمر بن الخطاب كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة التوراة للقرآن وموافقة القرآن للتوراة فقالوا يا عمر ما أحد أحب الينا منك لانك تغشانا قلت إنما أجيء لاعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا فبينا انا عندهم ذات يوم اذ مر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا هذا صاحبك فقلت انشدكم الله وما أنزل عليكم من الكتاب أتعلمون أنه رسول الله فقال سيدهم قد نشدكم الله فأخبروه فقالوا أنت سيدنا فأخبره فقال إنا نعلم أنه رسول الله قلت فأني أهلككم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله لم لم تتبعوه قالوا إن لنا عدوا من الملائكه وسلما من الملائكة عدونا جبريل وهو ملك الفظاظة والغلظة وسلمنا ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين قلت فاني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل ولا لميكائيل أن يعادي سلم جبريل ولا أن يسالم عدوه ثم قمت فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الا أقرئك آيات نزلت علي قبل فتلا من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله الآية فلت والذي بعثك بالحق ما جئت الا لاخبرك بقول اليهود قال عمر فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر وذكر ابو نعيم من حديث عمرو بن عبسة قال رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية وعرفت أنها على الباطل يعبدون الحجارة وهي لا تضر ولا تنفع فلقيت رجلا من أل الكتاب فسألته عن أفضل الدين فقال يخرج رجل من مكة ويرغب عن آلهة قومه يأتي بأفضل الدين فاذا سمعت به قاتبعه فلم يكن لي هم الا مكة آتيها فاسأل هل حدث فيها خبر فيقولون لا فانصرف الى اهلي واعترض الركبان فاسألهم فيقولون لا فاني لقاعد ان مر بي راكب فقلت من أين

جئت قال من مكة قلت هل حدث حدث فيها قال نعم رجل رغب عن آلهة قومه ودعا الى غيرها قلت صاحبي الذي اريد فشددت راحلتي وجئت فاسلمت وقال عبد الغني بن سعيد حدثنا موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أن ثمانية من أساقفة نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم العاقب والسيد فأنزل الله تعالى فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم الآية فقالوا أخرنا ثلاثة أيام فذهبوا الى بني قريظة والنضير وبني قينقاع فاستشاروهم فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه وهو النبي الذي يجده في التوراة والانجيل فصالحوا النبي صلى الله عليه و سلم على الف حلة في صفر وألف حلة في رجب ودراهم وقال يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن يونس بن أبي سالم عن عكرمة أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به فذلك قوله تعالى وأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون

حديث سهل مولى عثمة النصراني وقال ابن سعد حدثنا محمد بن سعد بن اسماعيل بن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الزمعي عن سهل مولى عثمة أنه كان نصرانيا وكان يتيما في حجر عمه وكان يقرأ الانجيل قال فأخذت مصحفا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة أنكرت كثافتها فاذا هي ملصقة ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد صلى الله عليه و سلم أنه لا قصير ولا طويل أبيض بين كتفيه خاتم النبوة يكثر الاحتباء ولا يقبل الصدقة ويركب الحمار والبعير ويحتلب الشاة ويلبس قميصا مرقعا وهو من ذرية اسماعيل اسمه أحمد قال فجاء عمي فرأي الورقة فضربني وقال مالك وفتح هذه الورقة فقلت فيها نعنت النبي أحمد فقال انه لم يأت بعد وقال وهب أوحى الله الى شعيا أني مبتعث نبيا أفتح به آذانا صما وقلوبا غلفا أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقولة والوفاء والصدق طبيعته والعفو والمغفرة والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والاسلام ملته وأحمد اسمه أهدى به بعد الضلالة واعلم به بعد الجهالة واكثر به بعد القلة وأجمع به بعد الفرقة وأولف طوبي لتلك القلوب وذكر ابن ابي الدنيا من حديث عثمان بن عبد الرحمن أن رجلا من أهل الشام من النصارى قدم مكة فأتي على نسوة قد اجتمعن في يوم عيد من أعيادهم

وقد غاب أزواجهن في بعض امورهم فقال يا نساء تيماء انه سيكون فيكم نبي يقال له أحمد أينما امرأة منكن استطاعت أن تكون له فراشا فلتفعل فحفظت خديجة حديثه

حديث وهب عن الزبور وقال عبد المنعم بن ادريس عن أبيه عن وهب قال في قصة داود ومما أوحي الله اليه في الزبور يا داود انه سيأتي من بعدك نبي يسمى أحمد ومحمد صادقا سيدا لا أغضب عليه ابدا ولا يغضبني أبدا قد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأمته مرحومة أيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الانبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الانبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الانبياء وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لكل صلاة كما افترضت على الانبياء قبلهم وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الانبياء قبلهم وأمرتهم بالحج كما أمرت الانبياء قبلهم وامرتهم بالجهاد كما امرت الرسل قبلهم يا داود اني فضلت محمدا وامته على الامم كلها اعطيتهم ست خصال لم اعطها غيرهم من الامم لا أؤخذهم بالخطأ والنسيان وكل ذنب ركبوه على غير عمد اذا اسغفروني منه غفرته لهم وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة افضل من ذلك وأعطيتهم على المصائب اذا صبروا واسترجعوا الصلاة والرحمة والهدى فان دعوني استجبت لهم يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا اله الا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي ومن لقيني وقد كذب محمدا أو كذب بما جاء به واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره في قبره ثم أدخله فب الدرك الاسفل من النار

خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال وقال عفان حدثنا همام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفي عن مطرف بن مالك انه قال شهدت فتح تستر مع الاشعري فأصبنا قبر دانيال بالسوين وكانوا اذا اجدبوا خرجوا فاستسقوا به فوجدوا معه رقعة فطلبها نصراني من الحيرة يسمى نعيما فقرأها وفي أسفلها ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا وذلك في خلافة معاوية فأتحفهم معاوية وأعطاهم قال همام فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال تذاكرنا الكتاب الى ما

صار فمر علينا شهرين حوشب فدعوناه فقال على الخبير سقطتم ان الكتاب كان عند كعب فلما احتضر قال الا رجل ائتمنه على امانة يؤديها قال شهر فقال ابن عم لي يكنى أبا لبيد أنا فدفع اليه الكتاب فقال إذا بلغت موضع كذا فاركب قرقورا ثم أقذف به في البحر ففعل فانفرج الماء فقذفه فيه ورجع الى كعب فأخبره فقال صدقت إنه من التوراة التي أنزلها 2الله عز و جل
فصل ومن ذلك أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي ونحن نذكر بعضها قال الزبير بن بكار حدثني عمي مصعب عن مصعب بن عثمان قال كان أمية قد نظر في الكتب وقرأها ولبس المسوح تعبدا وكان ممن ذكر ابراهيم واسماعيل والحنفية وحرم الخمر والاوثان والتمس الدين وطمع في النبوة لانه قرأ في الكتب أن نبيا يبعث من العرب فكان يرجوا أن يكون هو فلما بعث الله محمد صلى الله عليه و سلم قيل له هذا الذي كنت تبشر به وتقول فيه فحسده عدو الله وقال أنا كنت أرجو أن أكون هو فانزل الله عز و جل فيه واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين وهو الذي يقول ... كل دين يوم القيامة عند الله الا دين الحنفية زور ...
قال الزبير وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين ويطمع في النبوة فخرج الى الشام فمر بكنيسة وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم فقال أمية ان لي حاجة في هذه الكنيسة فانتظروني فدخل الكنيسة ثم خرج اليهم كاسفا متغيرا فرمى بنفسه فاقاموا عليه حتى سرى عنه ثم مضوا فقضوا حوائجهم ثم رجعوا فلما صاروا الى الكنسية قال لهم انظروني ودخل الكنيسة فأبطأ ثم خرج أسوأ من حاله الاول فقال له أبو سفيان بن حرب قد شققت على رفقتك فقال خلوني فاني أرتاد لنفسي واطلب لمعادي وان ههنا راهبا عالما اخبرني انه سيكون بعد عبسى ست رجفات وقد مشت منها خمس وبقيت واجدة فخرجت وانا اطمع ان اكون نبيا واخاف ان يخطئني فاصابني ما رايت فلما رجعت اتيته فقال قد كانت الرجفة وقد بعث نبي من العرب فايست من النبوة فاصابني ما رايت اذ فاتني ما كنت اطمع فيه قال وقال الزهري خرج امية في سفر فنزلوا منزلا فأم امية وجها وصعد في كثيب فرفعت له كنيسة فانتهى اليها فاذا شيخ جالس فقال لامية حين رآه إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك قال من شقي الايسر قال فأي الثياب

أحب اليه أن تلقاه فيها قال السواد قال كدت تكون نبي العرب ولست به هذا خاطر من الجن وليس بملك وان نبي العرب صاحب هذا الامر يأتيه الملك من شقه الايمن وأحب الثياب اليه أن يلقه فيها البياض قال الزهري وأتي أمية أبا بكر فقال له يا أبا بكر عمي الخبر فهل أحسست شيئا قال لا والله قال قد وجدته يخرج في هذا العام وقال عمر بن شبة سمعت خالد بن يزيد يقول إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة الى الشام فذكر نحو الحديث الاول وزاد فيه فخرج من عند الراهب وهو ثقيل فقال له أبو سفيان إن بك لشرا فما قضيتك قال خير أخبرني عن عتبة بن ربيعة كم سنة فذكر سنا قال اخبرني عن ماله فذكر مالا فقال له وضعته قال أبو سفيان بل رفعته فقال إن صاحب هذا الامر ليس بشيخ ولا ذي مال قال وكان الراهب أيأسه وأخبره أن الامر لرجل من قريش قال الزبير وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني رجل من أهل الكوفة قال كان أمية نائما فجاءه طائران قوفع أحدهما على باب البيت ودخل الآخر فشق عن قلبه ثم رده الطائر فقال له الطائر الآخر أوعى قال نعم قال أزكى قال ابي وقال الزهري دخل يوما أمية بن ابي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت قالت فانشق جانب من السقف في البيت واذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره ووقف الآخر مكانه فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه فقال الطائر الآخر الذي على صدره أوعى قال وعى قال أقبل قال أبي قال فرد قلبه في موضعه ثم مضى فاتبعهما أمية طرفه وقال لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما لا بريء فاعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الاعلى للواقع اوعى قال وعى قال اقبل قال ابى ونهض فاتبعهما أمية بصره فقال لبيكما لبيكما ها انا ذا لديكما لا مال لي يغنيني ولا عشيرة تحميني فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه ثم أخرج قلبه فشقه فقال الطائر الاعلى أوعى قال وعي قال أقبل قال ابى ونهض فاتبعها أمية بصره فقال لبيكما لبيكما ها انا ذا لديكما فحفوف بالنعم محوط بالذنب قال فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه فاخرج قلبه فشقه فقال الاعلى اوعى قال وعى قال أقبل قال أبى قال ونهض فاتبعهما طرفه فقال لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما ... إن تغفر أللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما ...
ثم انطبق السقف وجلس أمية يمسح صدره فقلت يا أخي هل تجد شيئا قال

لا ولكني أجد حرا في صدري ثم أنشأ يقول ... ليتني كنت قبل ما قد بدالي ... في قلال الجبال أرعى اوعولا ... اجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا ...
وقال مروان بن الحكم عن معاوية بن أبي سفيان عن أبي سفيان بن حرب قال خرجت أنا وامية بن ابي الصلت تجارا الى الشام فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى فرأوه فعرفوه وأهدوا له وذهب معهم الى بيعتهم ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما ثم قال يا أبا سفيان هل لك في عالم من علماء النصارى اليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدالك قلت لا فمضي هو وحده وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه فوالله ما نام ولا قام حتى اصبح واصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه فسرينا ليلتين على ما به من الهم فقلت له ما رأيت مثل الذي رجعت به من عتد صاحبك قال لمنقلبي قلت وهل لك من منقلب قال إي والله لاموتن ولاحاسبن قلت فهل أنت قابل اماني قال على ماذا قلت على انك لا تبعث ولا تحاسب فضحك وقال بلى والله لتبعثن ولتحاسبن ولتدخلن فريق في الجنة وفريق في السعير قلت ففي أيهما أنت أأخبرك صاحبك قال لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه فكنا في ذلك ليلتنا يعجب منا ونضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق فبعنا متاعنا وأقمنا شهرين ثم ارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فلما رأوه جاؤه وأهدوا له وذهب معهم الى بيعتهم حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الاسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه ثم رمي بنفسه على فراشه فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه فرحلنا فسرنا ليالي ثم قال يا صخر حدثني عن عتبة بن ربيعة ايجتنب المحارم والمظالم قلت إي والله قال أو يصل الرحم ويأمر بصلتها قلت نعم قال فكريم الطرفين وسيط في العشيرة قلت نعم قال فهل تعلم قرشيا أشرف منه قلت لا والله قال أمحوج هو قلت لا بل هو ذو مال كثير قال كم أتي له من السنين قلت هو ابن سبعين أو قد قاربها قال فالسن والشرف أزريا به قلت والله بل زاده خيرا قال هو ذاك ثم ان الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر فقال رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما

أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والاخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو فقلت فصفه لي فقال رجل شاب حين دخل في الكهولة بدؤ أمره أنه يجتنب المحارم والمظالم ويصل الرحم ويأمر بصلتها وهو كريم الطرفين متوسط في العشيرة اكثر جنده من الملائكة قلت وما آية ذلك قال رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم عدة رجفات كلها فيها مصيبة وبقيت رجفة عامة فيها مصيبة يخرج على أثرها فقلت هذا هو الباطل لئن بعث الله رسولا لا يأخذه الا مسنا شريفا قال أمية والذي يحلف به إنه لهكذا فخرجنا حتى اذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكبا من خلفنا فاذا هو يقول أصابت الشام من بعدكم رجفة دثر أهلها فيها فأصابتهم مصائب عظيمة فقال أمية كيف ترى يا أبا سفيان فقلت والله ما أظن صاحبك الا صادقا وقدمنا مكة ثم انطلقت حتى اتيت ارض الحبشة تاجرا وكنت فيها خمسة اشهر ثم قدمت مكة فجاءني الناس يسلمون علي وفي آخرهم محمد وهند تلاعب صبيانها فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقدمي ثم انطلق فقلت والله ان هذا الفتى لعجب ما جاءني من قريش أحد له معي بضاعة الا سألني عنها وما بلغت والله ان له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها ثم ما سألني عنها فقالت أوما علمت بشأنه فقلت وفزعت وما شأنه قالت يزعم أنه رسول الله فذكرت قول النصراني فوجمت ثم قدمت الطائف فنزلت على أمية فقلت هل تذكر حديث النصراني قال نعم فقلت قد كان قال ومن قلت محمد بن عبد الله فتصبب عرقا فقلت قد كان من أمر الرجل ما كان فأين أنت منه فقال والله لا أومن بنبي من غير يقيف أبدا فهذا حديث أبي سفيان عن أمية وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء اهل الكتاب
وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان وهو ثقة أخبرنا يونس بن أبي اسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال خرج أبو طالب الى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه و سلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم فخرج اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج اليهم ولا يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى اذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشساخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون الا لنبي واني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية

الابل قال أرسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنى من القوم وجد هم قد سبقوه الى في الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا الى فيء الشجرة مال عليه قال فينا هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به الى الروم فان الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه واذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم وقال ما جاء بكم قالوا بلغنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق الا بعث اليه بأناس وانا قد اخبرنا خبره فبعثنا الى طريقك هذا فقال لعل خلفكم احد هو خير منكم قالوا انا قد اخبرنا خبره بطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه فهل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا قال فبايعوه وأقاموا معه قال انشدكم الله أيكم وليه قالوا ابو طالب فلم يزل يناشدهم حتى رده وقد روى محمد بن سعد هذه القصة مطولة قال ابن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد حدثنا محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر الزبيري قال محمد بن عمر وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قال لما خرج ابو طالب الى الشام وخرج معه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المرة الاولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة فلما نزل الركب بصرى من ارض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه فلما نزلوا على بحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به ولا يكلمهم حتى اذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وانما حمله على دعائهم انه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه و سلم من دونهم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الى تلك الغمامة اظلت تلك الشجرة فأخضلت اغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استظل تحتها فلما راى بحيرا ذلك نزل من صومعته وامر بذلو الطعام فأتي به وارسل اليهم وقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وانا احب ان تحضوره كلكم ولا تخلفوا احدا منكم كبيرا ولا صغيرا حرا ولا عبدا فان هذا شيء تكرموني به فقال رجل إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع هذا فما شأنك اليوم قال إني احب ان اكرمكم ولكم حق فاجتمع القوم اليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم لحداثة سنه في رحالهم تحت الشجرة فلما نظر بحيرا الى القوم فلم ير الصفة التي يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بحيرا يا معشر قريش لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي قالوا ما تخلف احد الا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم فقال ادعوه ليحضر طعامي فما اقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني اراه من أنفسكم فقال

القوم هو والله اوسطنا نسبا وهو ابن اخي هذا الرجل يعنون ابا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقال الحارث بن عبد المطلب والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم قام اليه فاحتضنه واقبل به حتى اجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته فلما تفرقوا عن الطعام قام اليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا ما أخبرتني عما أسألك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تسألني باللات والعزى فوالله ما ابغضت شيئا بغضهما قال فبالله الا اخبرتني عما أسألك عنه قال سلني عما بدالك فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم وقالت قريش ان لمحمد عند هذا الراهب لقدرا وجعل ابو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن اخيه فقال الراهب لابي طالب ما هذا الغلام منك قال هو ابني قال ما ينبغي لهذا الغلام ان يكون أبوه حيا قال فابن أخي قال فما فعل ابوه قال هلك وامه حبلى به قال فما فعلت امه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن اخيك الى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن عرفوا منه ما اعرف ليبغنه عنتا فانه كائن لابن اخيك هذا شأن عظيم نجده في كتابنا واعلم اني قد أديت اليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرفوا صفته فارادوا ان يغتالوه فذهبوا الى بحيرا فذكروا له امره فنهاهم أشد النهي وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم اليه سبيل فصدقوه وتركوه ورجع ابو طالب فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه

خبر عن هرقل أيضا وذكر الحاكم والبيهقي وغيرهما من حديث عبد الله بن ادريس عن شرحبيل ابن مسلم عن أبي أمامة عن هشام بن العاص قال ذهبت أنا ورجل آخر من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه الى الاسلام فخرجنا حتى قدمنا غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الايهم الغساني فدخلنا عليه فاذا هو على سرير له فأرسل الينا برسول نكلمه فقلنا لا والله لا نكلم رسولا إنا بعثنا الى الملك فان أذن لنا كلمناه والا لم نكلم الرسول فرجع اليه الرسول فأخبره بذلك قال فأذن لنا فقال تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه الى الاسلام واذا عليه ثياب سوداء فقال له هشام وما هذه التي

عليك فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا فو الله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الاعظم أخبرنا بذلك نبينا فقال لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويفطرون بالليل فكيف صومكم فأخبرناه فملأ وجهه سوادا فقال قوموا وبعث معنا رسولا الى الملك فخرجنا حتى اذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال قلنا والله لا ندخل الا عليها فارسلوا الى الملك أنهم يأبون فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا الى غرفة له فانحنا في أصلها وهو ينظر الينا فقلنا لا اله الا الله والله أكبر والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح فارسل الينا ليس لكم ان تجهروا علنا بدينكم وأرسل الينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقته من الروم وكل شيء في مجلسه احمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة فدنونا منه فضحك وقال ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم واذا رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا ان تحيتنا فيما بيننا لاتحل لك وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا ان نحييك بها قال كيف تحيتكم فيما بينكم فقلنا السلام عليكم قال كيف تحيون ملككم قلنا بها قال كيف يرد عليكم قلنا بها قال فما أعظم كلامكم قلنا لا أله الا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم لقد انفضت الغرفة حتى رفع رأسه اليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنتفض عليكم بيوتكم قلنا لا ما رأيناها فعلت هذا قط الا عندك قال وددت أنكم كلما قلتموها ينتفض كل شيء عليكم واني خرجت من نصف ملكي قلنا لم قال لانه يكون أيسر لشأنها واجدر ان لا تكون من أمر النبوة وان تكون من حيل الناس ثم سألنا عما أراد فاخبرناه ث م قال كيف صلاتكم وصومكم فاخبرناه فقال قوموا فقمنا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا ليلا فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا وقفلا واستخرج منه حريرة سوداء فنشرها فاذا فيها صورة حمراء واذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الاليتين لم أر مثل ظول عنقه واذا ليست له لحية واذا له ظفيرتان أحسن ما خلق الله قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه السلام واذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء واذا فيها صورة بيضاء واذا له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء واذا فيها صورة رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين

طويل الخد أبيض اللحية كأنه يتبسم فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهيم عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة فاذا صورة بيضاء واذا والله رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتعرفون هذا قلنا نعم محمد رسول الله وبكينا قال والله يعلم انه قام قائما ثم جلس فقال والله انه لهو قلنا نعم انه لهو كأنما ننظر اليه فامسك ساعة ينظر اليها ثم قال أما انه كان آخر البيوت ولكن عجلته لكم لانظر ما عندكم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة أدماء سمحاء واذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الاسنان مقلص الشفة كأنه غضبان فقال هل تعرفون من هذا قلنا لا قال هذا موسى بن عمران والى جنبه صورة تشبهه إلا انه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه قبل فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كانه غضبان فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة اقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل تسبه اسحاق الا انه على شفته السفلى خال فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يعقوب ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة رجل ابيض حسن الوجه اقنى الانف حسن القامة يعلو وجهه نوره يعرف في وجهه الخشوع يضرب الى الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعيل جد نبيكم ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة كانها صورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يوسف ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل احمر خشن الساقين اخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الاليتين طويل الرجلين راكب فرسا فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سليمان بن داود ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء واذا رجل شاب شديد سواد اللحية لين الشعر حسن الوجه حسن العينين فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عيسى قلنا من اين لك هذه الصور لانا نعلم انها على ما صورت عليه الانبياء لانا رأينا صورة نبينا مثله قال أن آدم سأل ربه أن يريه الانبياء من ولده فانزل عليه صورهم وكانوا في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين فصارت

الى دانيال ثم قال أما والله نفسي طابت بالخروج من ملكي واني كنت عبدا لاشدكم ملكة حتى اموت ثم أجازنا وأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق فاخبرناه بما رأينا وما قال لنا وما أجازنا فبكى أبو بكر وقال لو أراد الله به خيرا لفعل
فصل فهذا في الاخبار بنبوته مما تلقاه المسلمون من أفواه علماء أهل الكتاب والمؤمنين منهم والاول فيما نقلوه من كتبهم وعلمائهم يقرون انه في كتبهم فالدليل بالوجه الاول يقام عليهم من كتبهم وبهذا الوجه يقام بشهادة من ولايتهم عليهم لانه اما من عظمائهم واما ممن رغب عن رياسته وماله ووجاهته فيهم وآثر الايمان على الكفر والهدى على الضلال وهو في هذا مدع ان علماءهم يعرفون ذلك ويقرون به ولكن لا يطلعون جهالهم عليه

الطرق الاربعة الدالة على صحة البشارة به دفع اليهود والنصارى لها استكبارا
فصل فالاخبار والبشارة بنبوته صلى الله عليه و سلم في الكتب المتقدمة عرفت من عدة طرق أحدها ما ذكرناه وهو قليل من كثير وغيض من فيض الثاني إخباره صلى الله عليه و سلم لهم أنه مذكور عندهم وانهم وعدوا به وان الانبياء بشرت به واحتجاحه عليهم بذلك ولو كان هذا الامر لا وجود له البتة لكان مغريا لهم بتكذيبه منفرا لاتباعه محتجا على دعواه بما يهد ببطلانها الثالث أن هاتين الامتين معترفون بأن الكتب القديمة بشرت بنبي عظيم الشأن يخرج في آخر الزمان نعته كيت وكيت وهذا مما اتفق عليه المسلمون واليهود والنصارى فاما المسلمون فلما جاءهم آمنوا به وصدقوه وعرفوا انه الحق من ربهم واما اليهود فعلماؤهم عرفوه وتيقنوا انه محمد بن عبد الله فمنهم من آمن به ومنهم من جحد بنوته وقالوا لاتباعه انه لم يخرج بعد وأما النصارى فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح ولا ريب ان بعضها صريح فيه وبعضها ممتنع حمله عليه وبعضها محتمل وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين واذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم حرفوه أو سكتوا عنه وقالوا لا ندري من المراد به الرابع اعتراف من أسلم منهم بذلك وانه صريح في كتبهم وعن المسلمين الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات وتيقنوا صدقها وصحتها بشهادة المسلمين منهم بها مع تباين إعصارهم وأمصارهم وكثرتهم واتفاقهم على لفظها وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها وانما يغالطون في تأويلها والمراد بها وكل واحدة من هذه الطرق الاربعة كاف في العلم بصحة هذه البشارات وقد قدمنا أن إقدامه صلى الله عليه و سلم

على إخباره أصحابه وأعدائه بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته وانهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع وتعريفهم بذلك وتوبيخهم والنداء عليهم به من أقوى الادلة القطعية على وجوده من وجهين أحدهما قيام الدليل القطعي على صدقه الثاني دعوته لهم بذلك الى تصديقه ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه

وقوع التحريف في التوراة وفريتهم على الانبياء سبعون كاهنا اجمعت على تبديل 13 حرفا من التوراة
في فصل وهذه الطرق يسلكها من يساعدهم على أنهم لم يحرفوا ألفاظ التوراة والانجيل ولم يبدلوا شيئا منها فيسلكها بعض نظار المسلمين معهم من غير تعرض الى التبديل والتحريف وطائفة أخرى تزعم أنهم بدلوا وحرفوا كثيرا من ألفاظ الكتابين مع أن الغرض الحامل لهم على ذلك دون الغرض الحامل لهم على تبديل البشارة برسول الله صلى الله عليه و سلم بكثير وان البشارات لكثرتها لم يكمنهم إخفاؤها كلها وتبديلها ففضحهم ما عجزوا عن كتمانه أو تبديله وكيف ينكر من الامة الغضبية قتلة الانبياء الذين رموهم بالعظائم أن يكتموا نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفته وقد جحدوا نبوة المسيح ورموه وأمه بالعظائم ونعته والبشارة به موجود في كتبهم ومع هذا أطبقوا على جحد نبوته وانكار بشارة الانبياء به ولم يفعل بهم ما فعله بهم محمد صلى الله عليه و سلم من القتل والسبي وغنيمة الاموال وتخريب الديار وإجلائهم منها فكيف لا تتواصى هذه الامة بكتمان نعته وصفته وتبدله من كتبها وقد عاب الله سبحانه عليهم ذلك في غير موضع من كتابه ولعنهم عليه ومن العجب أنهم والنصارى يقرون ان التوراة كانت طول مملكة نبي اسرائيل عند الكاهن الاكبر الهاروني وحده واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفا من التوراة وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذي كانوا تحت قهرهم حيث زال الملك عنهم ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم ومن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله فلا يؤمن منه تحريف غيره واليهود تقر أيضا أن السامرة حرفوا مواضع من التوراة وبدلوها تبديلا ظاهرا وزادوا ونقصوا والسامرة تدعي ذلك عليهم وأما الانجيل فقد تقدم ان الذي بأيدي النصارى منه أربع كتب مختلفة من تأليف أربعة رجال يوحنا ومتى ومرقس ولوقا

فكيف ينكر تطرق التبديل والتحريف اليها وعلى ما فيها من ذلك فقد صرفهم الله عن تبديل ما ذكرنا من البشارات بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم وازالته وان قدروا على كتمانه عن اتباعهم وجهالهم
وفي التوراة التي بأيديهم من التحريف والتبديل وما لا يجوز نسبته الى الانبياء ما لا يشك فيه ذو بصيرة والتوراة التي أنزلها الله على موسى بريئة من ذلك فيها عن لوط رسول الله أنه خرج من المدينة وسكن في كهف الجبل ومعه ابنتاه فقالت الصغرى للكبرى قد شاخ أبونا فارقدى بنا معه لنأخذ منه نسلا فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية وحملتا منه بولدين مواب وعمون فهل يحسن أن يكون نبي رسول كريم على الله يوقعه الله سبحانه في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره ثم يذيعها عنه ويحكيها للامم وفيها ان الله تجلى لموسى في طور سيناء وقال له بعد كلام كثير أدخل يدك في حجرك وأخرجها مبروصة كالثلج وهذا من النمط الاول والله سبحانه لم يتجل لموسى وانما أمره أن يدخل يده في جيبه وأخبره أنها تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير برص وفيها أن هارون هو الذي صاغ لهم العجل وهذا ان لم يكن من زياداتهم وافترائهم فهارون اسم السامري الذي صاغه ليس هو بهرون اخي موسى وفيها أن الله قال لابراهيم اذبح ابنك بكرك اسحاق وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله فقد جمعوا بين النقيضين فان بكره هو اسماعيل فانه بكر اولاده واسحق إنما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح وفيها ورأى الله ان قد كثر فساد الآدميين في الارض فندم على خلقهم وقال سأذهب الآدمي الذي خلقت على الارض الخشاش وطيور السماء لاني نادم على خلقها جدا تعالى الله عن إفك المفترين وعما يقول الظالمون علوا كبيرا وفيها أن الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا تصارع مع يعقوب فضر به يعقوب الارض وفيها ان يهوذا بن يعقوب النبي زودج ولده الاكبر من امرأة يقال لها تامارا فكانت يأتيها مستدبرا فغضب الله من فعله فأماته فزوج يهوذا ولده الآخر بها فكان اذا دخل بها أمنى على الارض علما بانه إن أولدها كان أول الاولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوبا الى أخيه فكره الله ذلك من فعله فأماته فأمرها يهوذا باللحاق ببيت أبيها الى أن يكبر ولده شيلا ويتم عقله ثم ماتت زوجته يهوذا وذهب الى منزله يجز غنمه فلما أخبرت تامار لبست زي الزواني وجلست على طريقه فلما مر بها خالها زانية فراودها فطالبته بالاجرة فوعدها بجدي ورمي عندها عصاه وخاتمه فدخل بها فعلقت منه بولد ومن هذا الولد كان داود النبي فقد جعلوه ولد زنا كما جعلوا المسيح ولد زنا

ولم يكفهم ذلك حتى نسبوا ذلك الى التوراة وكما جعلوا ولدي لوط ولدي زنا ثم نسبوا داود وغيره من أنبيائهم الى ذينك الولدين
وأما فريتهم على الله ورسله وأنبيائه ورميهم لرب العالمين ورسله بالعظائم فكثير جدا كقولهم ان الله استراح في اليوم الرابع من خلق السموات والارض فأنزل الله عز و جل على رسوله تكذيبهم بقوله ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسنا من لغوب وقولهم ان الله فقير ونحن اغنيا وقولهم يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان وقولهم ان الله عهد الينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار وقولهم لن تمسنا النار الا اياما معدودة وقولهم ان الله تعالى بكي على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة وقولهم الذي حكيناه آنفا ان الله ندم على خلق بني آدم وأدخلوا هذه الفرية في التوراة وقولهم عن لوط انه وطيء ابنتيه وأولدهما ولدين نسبوا اليهما جماعة من الانبياء وقولهم في بعض دعاء صلواتهم انتبه كم تنام يل رب استيقذ من رقدتك فتجرؤا على رب العالمين بهذه المناجاة القبيحة كأنهم ينخونه بذلك لينتخي لهم ويحتمي كأنهم يخبرونه انه قد اختار الخمول لنفسه وأحبابه فيهزونه بهذا الخطاب للنباهة واشتهار الصيت قال بعض أكابرهم بعد إسلامه فترى أحدهم اذا تلى هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ولا يشك ان كلامه يقع عند الله بموقع عظيم وانه يؤثر في ربه ويحركه ويهزه وينخيه وعندهم في توراتهم ان موسى صعد الجبل مع مشايخ أمته فأبصروا الله جهرة وتحت رجليه كرسي منظره كمنظر البلور وهذا من كذبهم وافرائهم على الله وعلى التوراة وعندهم في توراتهم ان الله سبحانه لما رأى فساد قوم نوح وان شرهم قد عظم ندم على خلق البشر في الارض وشق عليه وعندهم في توراتهم ايضا ان الله ندم على تمليكه شاؤل على اسرائيل وعندهم فيها ان نوحا لما خرج من السفينة بنى بيتا مذبحا وقرب عليه قرابين واستنشق الله رائحة القتار فقال في ذاته لن أعاود لعنة الارض بسبب الناس لان خاطر البشر مطبوع على الرداءة ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت

سبب تبديل التوراة قال بعض علمائهم الراسخين في العلم ممن هداه الله الى الاسلام لسنا نرى ان هذه الكفريات كانت في التوراة المنزلة على موسى ولا نقول ايضا أن اليهود قصدوا تغييرها وإفسادها بل الحق أولى ما اتبع قال ونحن نذكر حقيقة سبب تبديل التوراة فان علماء القوم وأحبارهم يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد من علمائهم وأحبارهم انها عين التوراة المنزلة على موسى بن عمران البتة لان موسى

صان التوراة عن بني اسرائيل ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم من بعده في تأويل التوراة المؤدي الى انقسامهم أحزابا وانما سلمها الى عشيرته اولاد لاوي قال ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته وكتب موسى هذه التوراة ودفعها الى أئمة بني لاوي وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم لان الامامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت فيهم ولم يبد موسى لبني اسرائيل من التوراة الا نصف سورة وقال الله لموسى عن هذه السورة وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني اسرائيل ولا تنسى هذه السورة من أفواه الاودهم وأما بقية التوراة فدفعها الى أولاد هارون وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم فالائمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها فقتلهم بختنصر على دم واحد وأحرق هيكلهم يوم استولى على بيت المقدس ولم تكن التوراة محفوظة على السنتهم بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة فلما رأى عزير ان القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم ولذلك بالغوا في تعظيم عزير غاية المبالغة وقالوا فيه ما حكاه الله عنهم في كتابه وزعموا ان النور على الارض الى ألان يظهر على قبره عند بطائح العراق لانه عمل لهم كتابا يحفظ دينهم فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب عزير وان كان فيها أو أكثرها من التوراة التي أنزلها الله على موسى قال وهذا يدل على ان الذي جمع هذه الفصول التي بأيديهم رجل جاهل بصفات الرب تعالى وما ينبغي له وما لا يجوز عليه فلذلك نسب الى الرب تعالى ما يتقدس ويتنزه عنه وهذا الرجل يعرف عند اليهود والنصارى بعازر الوراق ويظن يعض الناس انه الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال اني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ويقول انه نبي ولا دليل على هاتين المقدمتين ويجب التثبت في ذلك نفيا واثباتا فان كان هذا نبيا واسمه عزير فقد وافق صاحب التوراة في الاسم
وبالجملة فنحن وكل عاقل نقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى من هذه الاكاذيب والمستحيلات والترهات كما نقطع ببراءة صلاة موسى وبني اسرائيل معه من هذا الذي يقولونه في صلاتهم اليوم فانهم في العشر الاول من المحرم في كل سنة يقولون في صلاتهم ما ترجمته يا أبانا أملك على جميع اهل الارض ليقول كل ذي نسمة الله إله اسرائيل قد ملك ومملكته في الكل متسلطة ويقولون فيها ايضا وسيكون لله الملك وفي ذلك اليوم يكون الله واحدا واسمه واحد ويعنون بذلك انه لا يظهر كون الملك له وكونه واحدا الا اذا صارت الدولة لهم فاما ما دامت الدولة

لغيرهم فانه تعالى خامل الذكر عند الامم مشكوك في وحدانيته مطعون في ملكه ومعلوم قطعا ان موسى ورب موسى بريء من هذه الصلاة براءته من تلك الترهات

اليهود كذبوا مسيح الهدى وينتظرون مسيح الضلال المسيح وأصحابه يقتلونهم شر قتلة
في فصل وجحدهم نبوة محمد من الكتب التي بأيديهم نظير جحدهم نبوة المسيح وقد صرحت باسمه ففي نص التوراة لا يزول الملك من آل يهوذا والراسم من بين ظهرانيهم الى أن يأتي المسيح وكانوا أصحاب دولة حتى ظهر المسيح فكذبوه ورموه بالعظائم وبهتوه وبهتوا امة فدمر الله عليهم وأزال ملكهم وكذلك قوله جاء الله من طور سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران فأي نبوة أشرقت من ساعير غير نبوة المسيح وهم لا ينكرون ذلك ويزعمون ان قائما يقوم فيهم من ولد داود النبي اذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الامم ولا يبقى الا اليهود وهذا المتنظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به قالوا ومن علامة مجيئه أن الذئب والتيس يربضان معا وان البقرة والذئب يرعيان معا وان الاسد يأكل التبن كالبقر فلما بعث الله المسيح كفروا به عند مبعثه وأقاموا ينتظرون متى يأكل الاسد التبن حتى تصح لهم علامة مبعث المسيح ويعتقدون أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم باسرهم الى القدس وتصير لهم الدولة ويخلو العالم من غيرهم ويحجم الموت عن جنابهم المنيع مدة طويلة وقد عوضوا من الايمان بالمسيح ابن مريم بانتظار مسيح الضلالة الدجال فانه هو الذي ينتظرونه حقا وهم عسكره وأتبع الناس له ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة الى ان ينزل مسيح الهدى ابن مريم فيقتل منتظرهم ويضع هو اصحابه فيهم السيوف حتى يختبي اليهودي وراء الحجر والشجر فيقولان يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله فاذا نظف الارض منهم ومن عباد الصليب فيحينئذ يرعى الذئب والكبش معا ويربضان معا وترعى البقرة والذئب معا ويأكل الاسد التبن ويلقى الامن في الارض هكذا أخبر به شعيا في نبوته وطابق خبره ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح في خروج الدجال وقتل المسيح ابن مريم له وخروج يأجوج ومأجوج في أثره ومحقهم من الارض وإرسال البركة والامن في الارض حتى ترعى الشاة والذئب وحتى ان الحيات والسباع لا تضر الناس فصلوات الله وسلامه على من جاء بالهدى والنور وتفصيل كل شيء وبيانه فأهل الكتاب عندهم عن انبيائهم حق كثير لا يعرفونه ولا يحسنون أن يضعوه مواضعه ولقد أكمل

الله سبحانه بمحمد صلوات الله وسلامه عليه ما أنزله على الانبياء عليهم السلام من الحق وبينه واظهره لامته وفصل على لسانه ما أجمله لهم وشرح ما رمزوا اليه فجاء بالحق وصدق المرسلين وتمت نعمة الله على عباده المؤمنين فالمسلمون واليهود والنصارى تنتظر مسيحا يجيء في آخر الزمان فمسيح اليهود هو الدجال ومسيح النصارى لا حقيقة له فانه عندهم أله وابن أله وخالق ومميت ومحي فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص والمصفوع الذي هو مصفعة اليهود وهو عندهم رب العالمين وخالق السموات والارضين ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول عيسى بن مريم أخو عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله فيظهر دين الله وتوحيده ويقتل أعداءه عباد الصليب الذين اتخذوه وامه إلهين من دون الله وأعداءه اليهود الذين رموه وأمه بالعظائم فهذا هو الذي ينتظره المسلمون وهو نازل على المنارة الشرقية بدمشق واضعا يديه على منكبي ملكين يراه الناس عيانا بأبصارهم نازلا من السماء فيحكم بكتب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وينفذ ما أضاعه الظلمة والفجرة والخونة من دين رسول الله صلى الله عليه و سلم ويحي ما أماتوه وتعود الملل كلها في زمانه ملة واحدة وهي ملته وملة أخيه محمد وملة أبيهما ابراهيم وملة سائر الانبياء وهي الاسلام الذي من يبتغي غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وقد حمل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أدركه من أمته السلام وأمره أن يقرئه إياه منه فأخبر عن موضع نزوله بأي بلد وبأي مكان منه وبحاله وقت نزوله مفصلا حتى كأن المسلمين يشاهدونه عيانا قبل أن يروه وهذا من جملة الغيوب التي اخبر بها فوقعت مابقة لخبره حذو القذة بالقذة فهذا منتظر المسلمين لا منتظر المغضوب عليهم والضالين ولا منتظر اخوانهم من الروافض المارقين وسوف يعلم المغضوب عليهم اذا جاء منتظر المسلمين انه ليس بابن يوسف النجار ولا هو ولد زنية ولا كان طبيبا حاذقا ماهرا في صناعته استولى على العقول بصناعته ولا كان ساحرا ممخرقا ولا مكنوا من صلبه وتسميره وصفعه وقتله بل كانوا أهو على الله من ذلك ويعلم الضالون انه ابن البشر وانه عبد الله ورسوله ليس باله ولا ابن اله وانه بشر بنبوة محمد اخيه اولا وحكم بشريعته ودينه آخرا وانه عدو المغضوب عليهم والضالين وولي رسول الله واتباعه المؤمنين وما كان أولياؤه الارجاس الانجاس عبدة الصلبان والصور المدهونه في الحيطان ان اولياءه

إلا الموحدون عباد الرحمن اهل الاسلام والايمان الذين نزهوه وامه عما رماهما به اعداؤهما اليهود ونزهوا ربه وخالقه ومالكه وسيده عما رماه به أهل الشرك والسب للواحد المعبود
فصل فلنرجع الى الجواب على طريق من يقول إنهم غيروا الفاظ الكتب وزادوا نقصوا كما اجبنا على طريق من يقول انما غيروا معانيها وتأولوها على غير تأويلها قال هؤلاء نحن لا ندعي ولا طائفة من المسلمين ان الفاظ كل نسخة في العالم غيرت وبدلت بل من المسلمين من يقول انه غير بعض الفاظها قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيرت بعض النسخ بعد مبعثه ولا يقولون انه غيرت كل نسخة في العالم بعد المبعث بل غير العض وظهر عند كثير من الناس تلك النسخ المغيرة المبدلة دون التي لم تبدل والنسخ التي لم تبدل موجودة في العالم ومعلوم أن هذا مما لا يمكن نفيه والجزم بعدم وقوعه فانه لا يمكن احدا ان يعلم ان كل نسخة في العالم على لفظ واحد بسائر الالسنة ومن الذي احاظ بذلك علما وعقلا أهل الكتاب يعلمون أن احدا لا يمكنه ذلك واما من قال من المسلمين ان التغيير وقع في اول الامر فانهم قالوا انه وقع اولا من عازر الوراق في التوراة في بعض الامور إما عمدا وإما خطأ فانه لم يقم دليل على عصمته ولا ان تلك الفقصول التي جمعها من التوراة بعد احتراقها هي عين التوراة التي انزلت على موسى وقد ذكرنا ان فيها ما لا يجوز نسبته الى الله وانه أنزله على رسوله وكليمه وتركنا كثيرا لم نذكره

المناقضات في الانجيل وأما الانجيل فهي أربعة اناجيل اخذت عن اربعة نفر اثنان منهم لم يريا المسيح اصلا واثنان رأياه واجتمعا به وهما متى ويوحنا وكل منهم يزيد وينقص ويخالف انجيله انجيل اصحابه في اشياء وفيها ذكر القول ونقيضه كما فيه انه قال ان كنت اشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ولكن غيري يشهد لي وقال في موضع آخر ان كنت اشهد لنفسي فشهادتي حق لاني أعلم من اين جئت والى اين اذهب وفيه انه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال قد جزعت نفسي الآن فماذا اقول يا ابتاه سلمني من هذا الوقت وانه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال يا إلهي لم اسلمتني فيكف يجتمع هذا مع قولكم انه هو الذي اختار إسلام نفسه ألى اليهود ليصلبوه ويقتلوه رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا واخرج بذلك

آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الانبياء من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس وكيف يجزع إله العالم من ذلك وكيف يسأل السلامة منه وهو الذي اختاره ورضيه وكيف يشتد صياحه ويقول يا إلهي لم اسلمتني وهو الذي أسلم نفسه وكيف لم يخلصه ابوه مع قدرته على تخليصه وإنزال صاعقة على الصليب واهله ام كان ربا عاجزا مقهورا مع اليهود وفيه ايضا ان اليهود سألته ان يظهر لهم برهانا انه المسيح فقال تهدمون هذا البيت يعني بيت المقدس وابنيه لكم في ثلاثة أيام فقالوا له بيت مبني في خمس واربعين سنة تبنيه أنت في ثلاثة أيام ثم ذكرتم في الانجيل ايضا انه لما ظفرت به اليهود وحمل الى بلاط عامل قيصر واستدعيت عليه بينة أن شاهدي زور جاءا اليه وقالا سمعناه يقول أنا قادر على بنيان بيت المقدس في ثلاثة ايام فيالله العجب كيف يدعي ان تلك المعجزة والقدرة له ويدعي ان الشاهدين عليه بها شاهدا زور وفيه أيضا للوقا ان المسيح قال لرجلين من تلامذته إذهبا الى الحصن الذي يقابلكما فاذا دخلتماه فستجدان فلوا مربوطا لم يركبه أحد فحلاه واقبلا به الي وقال في انجيل متى في هذه القصة انها كانت حمارة متبعة وفيه انه قال لا تحسبوا أني قدمت لاصلح بين أهل الارض لم آت لصلاحهم لكن لالقي المحاربة بينهم انما قدمت لافرق بين المرء وابنه والبنت وأمها حتى يصير أعداء المرء أهل بيته ثم فيه أيضا انما قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا وأصلح بين الناس وانه قال من لطم خدك اليمين فانصب له الآخر وفيه أيضا انه قال طوبا لك يا شمعون رأس الجماعة وأنا أقول انك ابن الحجر وعلى هذا الحجر تبني بيعتي فكلما أحللته على الارض يكون محللا في السماء وما عقدته على الارض يكون معقودا في السماء ثم فيه بعينه بعد اسطر يقول له اذهب يا شيطان ولا تعارض فانك جاهل فكيف يكون شيطان جاهل مطاع في السموات وفي الانجيل نص انه لم تلد النساء مثل يحي هذا في انجيل متى وفي انجيل يوحنا ان اليهود بعثت الى يحي من يكشف عن أمره فسألوه من هو أهو المسيح قال لا قالوا تراك الياس قال لا قالوا أنت نبي قال لا قالوا أخبرنا من أنت قال أنا صوت مناد المفاوز ولا يجوز لنبي أن ينكر نبوته فانه يكون مخبرا بالكذب
ومن العجب ان في انجيل متى نسبة المسيح الى انه ابن يوسف فقال عيسى بن يوسف بن فلان ثم عد الى ابراهيم الخليل تسعة وثلاثين ابا ثم نسبه لوقا أيضا في انجيله الى يوسف وعد منه الى ابراهيم نيفا وخمسين ابا فبينا هو إله تام اذ صيروه ابن الاله ثم جعلوه ابن يوسف النجار
تواطوء اليهود والنصارى على تغيير بعض النسخ غير ممتنع من مثالب النصارى والمقصود ان هذا الاضطراب في الانجيل يشهد بان التغيير وقع فيه قطعا ولا يمكن ان يكون ذلك من عند الله بل الاختلاف الكثير الذي فيه يدل على أن ذلك الاختلاف من عند غير الله وأنت اذا اعتبرت نسخه ونسخ التوراة التي بأيدي اليهود والسامرة والنصارى رأيتها مختلفة اختلافا يقطع من وقف عليه بأنه من جهة التغيير والتبديل وكذلك نسخ الزبور مختلفة جدا ومن المعلوم أن نسخ التوراة والاوجيل انما هي عند رؤساء اليهود والنصارى وليست عند عامتهم ولا يحفظونها في صدورهم كحفظ المسلمين للقرآن ولا يمتنع على الجماعة القليلة التواطؤ على تغيير بعض النسخ ولا سيما إذا كان بقيتهم لا يحفظونها فاذا قصد طائفة منهم تغيير نسخة أو نسخ عندهم أمكن ذلك ثم اذا تواطؤا على أن لا يذكروا ذلك لعوامهم وأتباعهم أمكن ذلك وهذا واقع في العالم كثيرا فهؤلاء اليهود تواطئوا وتواصوا بكتمان نبوة المسيح وجحد البشارة به وتحريفها واشتهر ذلك بين طائفتهم في الارض مشارقها ومغاربها وكذلك تواطئوا على انه كان طبيبا ساحرا ممخرقا ابن زانية وتواصوا به مع رؤيتهم الآيات الباهرات التي ارسل بها وعلمهم أنه أبعد خلق الله مما رمي به وشاع ما تواطئوا عليه وملؤا به كتبهم شرقا وغربا وكذلك تواطئوا على أن لوطا نكح ابنتيه وأولدهما أولادا وشاع ذلك فيهم جميعهم فصرعه يعقوب وأنه راقد عنهم وانهم يسألونه أن يتبه من رقدته وشاع ذلك في جميعهم وكذلك تواظئوا على فصول لفقوها بعد زاول مملكتهم يصلون بها لم تعرف عن موسى ولا عن أحد من اتباعه كقولهم في صلاتهم اللهم اضرب ببوق عظيم لعتقنا واقبضنا جميعا من أربعة أقطار الارض الى قدسك سبحانك يا جامع تشتيت قوم اسرائيل وقولهم فيها أردد حكامنا منا كالاولين وسيرتنا كالابتداء وابن أورشليم قرية قدسك في أيامنا وأعزنا ببنائها سبحانك ياباني اورشليم ولم يكن موسى وقومه يقولون في صلاتهم شيئا من ذلك وكذلك تواطؤهم على قولهم في صلاتهم أول العام ما حكيناه عنهم وكذلك تواطؤهم على شرع صوم احراق بيت المقدس وصوم حصا وصوم كدليا وفرضهم ذلك وصوم صلب هامان وقد اعترفوا بانهم زادوها لاسباب اقتضتها وتواطؤا بذلك على مخالفة ما نصت عليه التوراة من قوله لا تزيدوا على الامر الذي أنا موصيكم به شيئا ولا تنقصوا منه شيئا فتواطؤا على الزيادة والنقصان وتبديل أحكام الله كما تواطؤا على تعطيل فريضة الرجم على الزاني وهو في التوراة نصا وكذلك تواطؤهم على امتناع النسخ على الله فيما شرعه

لعبادة تمسكا منهم باليهودية وقد أكذبتهم التوراة وسائر النبوات ومن العجائب حجرهم على الله أن ينسخ ما شرعه لئلا يلزم البداء ثم يقولون انه ندم وبكي على الطوفان وعاد في رأيه وندم على خلق الانسان وهذه مضارعة لاخوانهم من عباد الصليب الذين نزهوا رهبانهم عن الصاحبة والولد ثم نسبوهما الى الفرد الصمد ومن ذلك تواطؤهم على ان الملك يعود اليهم وترجع الملل كلها الى ملة اليهودية ويصيرون قاهرين لجميع اهل الملل ومن ذلك تواطؤهم على تعطيل أحكام التوراة وفرائضها وتركها في جل أمورهم الا اليسير منها وهم معترفون بذلك وانه أكبر أسباب زوال ملكهم وعزهم فكيف ينكر من طائفة تواطأت على تكذيب المسيح وجحد نبوته وبهته وبهت أمه والكذب الصريح على الله وعلى أنبيائه وتعطيل أحكام الله والاستبدال بها وعلى قتلهم أنبياء الله ان تتواطأ على عحريف بعض التوراة وكتمان نعت محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفته فيها
فصل واما امة الضلال وعباد الصليب والصور والمزوقة في الحيطان واخوان الخنازير وشتموا خالقهم ورازقهم اقبح شتم وجاعلوه مصفعة اليهود وتواطؤهم على ذلك وعلى ضروب المستحيلات وانواع الاباطيل فلا إله الا الله الذي ابرز للوجود مثل هذه الامة التي هي أضل من الحمير ومن جميع الانعام السائمة وخلى بينهم وبين سبه وشتمه وتكذيب عبده ورسوله ومعاداة حزبه وأوليائه وموالاة الشيطان والتعوض بعبادة الصور والصلبان عن عبادة الرحمن الرحيم وعن قول الله أكبر بالتصليب على الوجه وعن قراءة الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين باللهم اعطنا خبزنا الملائم لنا وعن السجود للواحد القهار بالسجود للصور المدهونة في الحائط بالاحمر والاصفر واللازورد فهذا بعض شأن هاتين الامتين اللتين عندهما آثار النبوة والكتاب فما الظن بسائر الامم الذين ليس عندهم من النبوة والكتاب حس ولا خبر ولا عين ولا اثر

قول السائل هلا أتى ابن سلام بالنسخ الصحيحة فصل قال السائل إن قلتم ان عبد الله بن سلام وكعب الاحبار ونحوهما شهدوا لنا بذلك من كتبهم فهلا أتى ابن سلام وأصحابه الذين اسلموا بالنسخ التي لهم كي تكون شاهدة علينا والجواب من وجوه
احدها ان شواهد النبوة وآياتها لا تنحصر فيما عند أهل الكتاب من نعت النبي صلى الله عليه و سلم وصفته بل آياتها وشواهدها متنوعة متعددة جدا ونعته وصفته في الكتب المتقدمة فرد من أفرادها وجمهور أهل الارض لم يكن إسلامهم عن

الشواهد والاخبار التي في كتبهم وأكثرهم لا يعلمونها ولا سمعوا بها بل أسلموا للشواهد التي عاينوها والآيات التي شاهدوها وجاءت تلك الشواهد التي عند أهل الكتاب مقوية عاضدة من باب تقوية البينة وقد تم النصاب بدونها فهؤلاء العرب من أولهم الى آخرهم لم يتوقف اسلامهم على معرفة ما عند أهل الكتاب من الشواهد وان كان ذلك قد بلغ بعضهم وسمعه منهم قبل النبوة وبعدها كما كان الانصار يسمعون من اليهود صفة النبي صلى الله عليه و سلم ونعته ومخرجه فلما عاينوه وابصروه عرفوه بالنعت الذي أخبرهم به اليهود فسبقوهم اليه فشرق أعداء الله بريقهم وغصوا بمائهم وقالوا ليس هو الذي كنا نعدهم به فالعلم بنبوة محمد والمسيح وموسى صلوات الله وسلامه عليهم لا يتوقف على العلم بان من قبلهم أخبر بهم وبشر بنبوتهم بل طرق العلم بها متعددة فاذا عرفت نبوة النبي صلى الله عليه و سلم بطريق من الطرق ثبتت نبوته ووجب اتباعه وان لم يكن من قبله بشر به فاذا علمت نبوته بما قام عليها من البراهين فاما أن يكون تبشير من قبله به لازما لنبوته واما ان لا يكون لازما فان لم يكن لازما لم يجب وقوعه ولا يتوقف تصديق النبي عليه بل يجب تصديقه بدونه وإن كان لازما علم قطعا أنه قد وقع وعدم نقله الينا لا يدل على عدم وقوعه اذ لا يلزم من وجود الشيء نقله العام ولا الخاص وليس كلما أخبر به موسى والمسيح وغيرهما من الانبياء المتقدمين وصل الينا وهذا مما يعلم بالاضطرار فلو قدر ان البشارة بنبوته صلى الله عليه و سلم ليست في الكتب الموجودة بأيديكم لم يلزم أن لا يكون المسيح وغيره بشروا به بل قد يبشرون ولا ينقل ويمكن ان يكون في كتب غير هذه المشهورة المتداولة بينكم فلم يزل عند كل أمة كتب لا يطلع عليها الا بعض خاصتهم فضلا عن جميع عامتهم ويمكن انه كان في بعضها فأزيل منه وبدل ونسخت النسخ من هذه التي قد غيرت واشتهرت بحيث لا يعرف غيرها واخفى أمر تلك النسخ الاولى وهذا كله ممكن لا سيما من الامة التي تواطأت على تبديل دين نبيها وشريفته هذه كله على تقدير عدم البشارة به في شيء من كتبهم أصلا ونحن قد ذكرنا من البشارات به التي في كتبهم ما لا يمكن لمن له ادنا معرفة منهم جحده والمكابرة فيه وان امكنهم المغالطة بالتأويل عند رعاعهم وجهالهم
فصل الوجه الثاني أن عبد الله بن سلام قد قابل اليهود واوقفهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن ذكره ونعته وصفته في كتبهم وانهم يعلمون انه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد شهدوا بأنه أعلمهم وابن أعلمهم وخيرهم وابن خيرهم فلم يضر قولهم بعد ذلك انه شرهم وابن شرهم وجاهلهم وابن جاهلهم كما اذا شهد على رجل شاهد عند الحاكم فسأله عنه فعدله وقال إنه مقبول الشهادة عدل رضي لا يشهد الا بالحق وشهادته

جائزة علي فلما أدى الشهادة قال انه كاذب شاهد زور ومعلوم ان هذا لا يقدح شهادته واما كعب الاحبار فقد ملأ الدنيا من الاخبار بما في النبوات المتقدمة من البشارة به وصرح بها بين أظهر المسلمين واليهود والنصارى وأذن بها على رؤوس الملأ وصدقه مسلموا أهل الكتاب عليها وأقروه على ما أخبر به وانه كان أوسعهم علما بما في كتب الانبياء وقد كان الصحابة يمتحنون ما ينقله ويزنونه بما يعرفون صحته فيعلمون اصدقه وشهدوا له بانه اصدق الذين يحكون لهم عن أهل الكتاب او من أصدقهم ونحن اليوم ننوب عن عبد الله بن سلام وقد اوجدناكم هذه البشارات في كتبكم فهي شاهدة لنا عليكم والكتب بايديكم فأتوا بها فاتلوها ان كنتم صادقين وعندنا ممن وفقه الله للاسلام منكم من يواقفكم ويقابلكم ويحاققكم عليها والا فاشهدوا على انفسكم بما شهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنون به عليكم من الكفر والتكذيب والجحد للحق ومعاداة الله ورسوله
الوجه الثالث انه لو أتاكم عبد الله بن سلام بكل نسخة متضمنة لغاية البيان والصراحة لكان في بهتكم وعنادكم وكذبكم ما يدفع في وجوهها ويحرفها أنواع التحريف ما وجد اليه سبيلا فاذا جاءكم بما لا قبل لكم به قلتم ليس هو ولم يأت بعد وقلتم نحن لا نفارق حكم التوراة ولا نتبع نبي الاميين وقد صرح اسلافكم الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاينوه انه رسول حقا وانه المبشر به الموعود به على ألسنة الانبياء المتقدمين وقال من قال منهم في وجهه نشهد انك نبي فقال ما يمنعك من اتباعي قال إنا نخاف أن يقتلنا يهود وقد قال تعالى ان الذي حقت علهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم وقد جاءكم بآيات هي أعظم من بشارات الانبياء به واظهر بحيث أن كل آية منها يصلح أن يؤمن على مثلها البشر فما زادكم ذلك الا نفورا وتكذيبا وإباء لقبول الحق فلو نزل الله اليكم ملائكته وكلمكم الموتى وشهد له بالنبوة كل رطب ويابس لغلبت عليكم الشقوة وصرتم الى ما سبق لكم في أم الكتاب وقد رأى من كان اعقل منكم وأبعد من الحسد من آيات الانبياء ما رأوا وما زادهم ذلك الا تكذيبا وعنادا فاسلافكم وقدوتكم في تكذيب الانبياء من الامم لا يحصيهم الا الله حتى كأنكم تواصيتم بذلك أوصى به الاول للآخر واقتدى فيه الآخر بالاول قال تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون وهبنا ضربنا عن إخبار الانبياء المتقدمين به صفحا أفليس في الآيات والبراهين التي ظهرت

على يديه ما يشهد بصحة نبوته وسنذكر منها بعد الفراغ من الاجوبة طرفا يقطع المعذرة ويقيم الحجة والله المستعان
فصل قال السائل انكم نسبتم الامتين العظيمتين المذكورتين الى اختيار الكفر على الايمان للغرض المذكور فابن سلام وأصحابه أولى بذلك الغرض لانهم قليلون جدا واضداده كثيرون لا يحصيهم عدد والجواب من وجوه
احدها إنا قد بينا أن جمهور هاتين الامتين المذكورتين آمن به وصدقه وقد كانوا ملء الارض وهذه الشام ومصر وما جاورهما واتصل بهما من أعمالها والجزيرة والموصل وأعمالهما واكثر بلاد المغرب وكثير من بلاد المشرق كانوا كلهم نصارى فأصبحت هذه البلاد كلها مسلمين فالمتخلف من هاتين الامتين عن الايمان به أقل القليل بالاضافة الى من آمن به وصدقه وهؤلاء عباد الاوثان كلهم أطبقوا على الاسلام الا من كان منهم في أطراف الارض بحيث لم تصل اليه الدعوة وهذه امة المجوس توازي هاتين الامتين كثرة وشوكة وعددا دخلوا في دينه وبقي من بقي منهم كما بقيتم أنتم تحت الذلة والجزية الثاني أنا قد بينا ان الغرض الحامل لهم على الكفر ليس هو مجرد المأكلة ولارياسة فقط وان كان من جملة الاغراض بل منهم من حمله ذلك ومنهم من حله الحسد ومنهم من حمله الكبر ومنهم من حمله الهوى ومنهم من حمله محبة الآباء والاسلاف وحسن الظن بهم ومنهم من حمله الفه للدين الذي نشأ عليه وجبل بطبعه فصار انتقاله عنه كمفارقة الانسان ما طبع عليه وأنت ترى هذه السبب كيف هو الغالب المستولى على أكثر بني آدم في إثارهم ما اعتادوه من المطاعم والمشارب والملابس والمساكن والديانات على ما هو خير منه وأوفق بكثير منهم من حمله التقليد والجهل وهم الاتباع الذين ليس لهم علم ومنهم من حمله الخوف من فوات محبوب او حصول مرهوب فلم تنسب هاتين الامتين الى الغرض المذكور وحده الثالث إنا قد بينا أن الامم الذين كانوا قبلهم كانوا أكثر عددا وأغزر عقولا منهم وكلهم اختاروا العمى على الهدى والكفر على الايمان بعد البصيرة فلهاتين الامتين سلف كثير وهم أكثر الخلق
الرابع ان عبد الله بن سلام وذويه إنما أسلموا في وقت شدة من الامر وقلة من المسلمين وضعف وحاجة وأهل الارض مطبقون على عداوتهم واليهود والمشركين هم أهل الشوكة والعدة والحلقة والسلاح ورسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه إذ ذاك قد أووا الى المدينة واعداؤهم يتطلبونهم في كل وجه وقد بذلوا الرغائب لمن جاءهم بهم فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبه وخادمهما فاستخفوا

ثلاثا في غار تحت الأرض ثم خرجوا بعد ثلاث على غير الطريق إلى أن قدموا المدينة والشوكة والعدد والعدة فيها لليهود والمشركين فأسلم عبد الله بن سلام حين مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة لما رأى أعلام النبوة التي كان يعرفها وشاهدها فيه وترك الأغراض التي منعت المغضوب عليهم من الإسلام من الرياسة والمال والجاه بينهم وقد شهدوا له كلهم عند رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رئيسهم وخيرهم وسيدهم فعلم أنهم إن علموا بإسلامه أخرجوه من تلك الرياسة والسيادة فأحب أن يعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فقال أدخلني بعض بيوتك وسلهم عني ففعل وسألهم عنه فأخبروه أنه سيدهم ورئيسهم وعالمهم فخرج عليهم وذكرهم وأوقفهم على أنهم يعلمون انه رسول الله وقابلهم بذلك فيبوه وقدحوا فيه وانكروا رياسته وسيادته وعلمه فلو كان عبد الله بن سلام ممن بؤثر عرض الدنيا والرياسة لفعل كما فعله إخوان القردة وأمة الغضب والقوم البهت وهكذا شأن من أسلم من اليهود حينئذ وأما المتخلفون فكثير منهم صرح بغرضه لخاصته وعامته وقال إن هؤلاء القوم قد عظمونا ورأسونا ومولونا فلو اتبعناه لنزعوا ذلك كله منا وهذا قد رأيناه نحن في زماننا وشاهدناه عيانا ولقد ناظرت بعض علماء النصارى معظم يوم فلما تبين له الحق بهت فقلت له وأنا وهو خاليين ما يمنعك الآن من اتباع الحق فقال لي إذا قدمت على هؤلاء الحمير هكذا لفظه فرشوا لنا الشقاق تحت حوافر دابتي وحكموني في أموالهم ونسائهم ولم يعصموني فيما آمرهم به وأنا لا أعرف صنعه ولا أحفظ قرآنا ولا نحوا ولا فقها فلو أسلمت لدرت في الأسواق أتكفف الناس فمن الذي يطيب نفسا بهذا فقلت هذا لا يكون وكيف تظن بالله أنك إذا آثرت رضاه على هواك يخزيك ويذلك ويحوجك ولو فرضنا أن ذلك أصابك فما ظفرت به من الحق والنجاة من النار ومن سخط الله وغضبه فيه أتم العوض عما فاتك فقال حتى يأذن الله فقلت القدر لا يحتج به ولو كان القدر حجة لكان حجة لليهود على تكذيب المسيح وحجة للمشركين على تكذيب الرسل ولا سيما انتم تكذبون بالقدر فكيف تحتج به فقال دعنا الآن من هذا وأمسك
الخامس أن حوابك في نفس سؤالك فإنك اعترفت أن عبد الله بن سلام وذويه كانوا قليلين جدا واضدادهم لا يحصون كثرة ومعلوم أن الغرض الداعي لموافقة الجمهور الذين لا يحصون كثرة وهم أولو القوة والشوكة أقوى من الغرض الداعي لموافقة الأقلين المستضعفين والله الموفق

المسلمون فوق كل الأمم في الأعمال والمعارف النافعة فصل قال السائل تدخل علينا الريبة من جهة عبد الله بن سلام وأصحابه وهوانكم قد بنيتم أكثر أساس شرائعكم في الحلال والحرام والأمر والنهي على أحاديث عوام من الصحابة الذين ليس لهم بحث في علم ولا دراسة ولا كتابة قبل مبعث نبيكم فأبن سلام هو وأصحابه أولى أن يؤخذ بأحاديثهم ورواياتهم لانهم كانوا أهل علم وبحث ودراسة ومتابة قبل مبعث نبيكم وبعده ولا نراكم تروون عنهم من الحلال والحرام والأمر والنهي إلا شيئا يسيرا جدا وهو ضعيف عندكم والجواب من وجوه
أحدها أن هذا بهت من قائله فأنا لن نبن أساس شريعتنا في الحلال والحرام والأمر وةالنهي إلا على كتاب ربنا المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم الذي تحدى به الأمم كلها على اختلاف علومها واجناسها وطبائعها وهو في غاية الضعف وأعداؤه طبقوا الأرض أن يعارضوه بمثله فيكونوا أولى بالحق منه ويظهر كذبه وصدقهم فعجزوا عن ذلك فتحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا هذا واعداؤه الادنون إليه أفصح الخلق وهم أهل البلاغة والفصاحة واللسن والنظم والنثر والخطب وأنواع الكلام فما منهم من فاه في معارضته ببنت شفة وكانوا أحرص الناس على تكذيبه وأشدهم أذى له بالقول والفعل والتنفير عنه بكل طريق فما نقل عن أحدهم منهم سورة واحدة عارضة بها إلا مسيلمة الكذاب بمثل قوله ياضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين ومثل الطاحنات طحنا والعاجنات عجنا قالخابزات خبزا أهالة وسمنا وأمثال هذه الألفاظ التي هي بالفاظ أهل الجنون والمعتوهين أشبه منها بالفاظ العقلاء فالمسلمون إنما بنوا أساس دينهم ومعالم حلالهم وحرامهم على الكتاب الذي لم ينزل من السماء كتاب أعظم منه فيه بيان كل شيء وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور به هدى الله رسوله وأمته فهو أساس دينهم
الثاني أن قولكم إن المسلمين بنوا اساس دينهم على رواية عوام من الصحابة من أعظم البهت وأفحش الكذب فإنهم وان كانوا أميين فمذ بعث الله فيهم رسوله زكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وفضلهم في العلم والعمل والهدى والمعارف والالهية والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع الأمم فلم تبق أمة من الأمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم فلو قيس ما عند جميع الأمم من معرفة وعلم وهدى

وبصيرة إلى ما عندهم لم يظهر له نسبة إليه بوجه ما وإن كان غيرهم من الأمم أعلم بالحساب والهندسة والكم المتصل والكم المنفصل والنبض والقارورة والبول والقسطة ووزن الأنهار ونقوش الحيطان ووضع الآلات العجيبة وصناعة الكيمياء وعلم الفلاحة وعلم الهيئة وتسير الكواكب وعلم المسيقا والألحان وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم لا ينفع وبين ظنون كاذبة وبين علم في العاجلة وليس من زاد المعاد فإن أردتم أن الصحابة كانوا عواما وهذه العلوم فنعم إذا وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وإن أردتم انهم كانوا عواما في العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ودينه وشرعه وتفاصيله واليوم الآخر وتفاصيله وتفاصيل ما بعد الموت وعلم سعادة النفوس وشقاوتها وعلم صلاح القلوب وأمراضها فمن بهت نبيهم بما بهته به وجحد نبوته ورسالته التي هي للبصائر أظهر من الشمس للابصار لم ينكر لهأن يبهت أصحابه ويجحد فضلهم ومعرفتهم وينكر ما خصهم الله به وميزهم على من قبلهم ومن هو كائن بعدهم إلى يوم القيامة وكيف يكونون عواما في ذلك وهم اذكى الناس فطرة وازكاهم نفوسا وهم يتلقونه غضا طريا ومحضا لم يشب عن نبيهم وهم أحرص الناس واشوقهم إليه وخبر السماء يأتيهم على لسانه في ساعات الليل والنهار والحضر والسفر وكتابهم قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين وعلم ما كان من المبدأ والمعاد وتخليق العالم وأحوال الأمم الماضية والأنبياء وسيرهم وأحوالهم مع أممهم ودرجاتهم ومنازلهم عند الله وعددهم وعدد المرسلين منهم وذكر كتبهم وأنواع العقوبات التي عذب الله بها أعداءهم وما أكرم به أتباعهم وذكر الملائكة وأصنافهم وأنواعهم وما وكلوا به واستعملوا فيه وذكر اليوم الآخر وتفاصيل أحواله وذكر الجنة وتفاصيل نعيمها والنار وتفاصيل عذابها وذكر البرزخ وتفاصيل أحوال الخلق فيه وذكر أشراط الساعة والاخبار بها مفصلا بما لم يتضمنه كتاب غيره من حين قامت الدنيا والى أن يرث الله الارض ومن عليها كما اخبر به المسيح عنه من قوله في الانجيل وقد بشرهم به فقال وكل شيء أعده الله تعالى لكم يخبركم به وفي موضع آخر منه ويخبركم بالحوادث والغيوب وفي موضع آخر يعلمكم كل شيء وفي موضع آخر منه يحي لكم الاسرار ويفسر لكم كل شيء وأجيئكم بالامثال وهو يجيئكم بالتأويل وفي موضع آخر إن لي كلاما كثيرا اريد ان اقوله لكم ولكنكم لا تستطيعون حمله لكن اذا جاء روح الحق ذلك يرشدكم الى جميع الحق لانه ليس ينطق من عنده بل

يتكلم بما يسمع ويخبركم بكلما يأتي ويعرفكم جميع ما للاب فمن هذا علمه بشهادة المسيح وأصحابه يتلقون ذلك جميعه عنه وهم أذكى الخلق وأحفظهم وأحرصهم كيف تدانيهم أمة من الامم في هذه العلوم والمعارف ولقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما صلاة الصبح ثم صعد المنبر فخطبهم حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى وصعد فخطبهم حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى وخطبهم حتى حضرت المغرب فلم يدع شيئا الى قيام الساعة الا أخبرهم به فكان أعلمهم أحفظهم وخطبهم مرة اخرى خطبة فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم وقال يهودي لسلمان لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل فهذا اليهودي كان أعلم بنبينا من هذا السائل وطائفته

الصحابة إعلم الناس افضلهم علماء الامة تلاميذهم من أعلام الصحابة والائمة
وكيف يدعى في أصحاب نبينا أنهم عوام وهذه العلوم النافعة المبثوثة في الامة على كثرتها واتساعها وتفنن ضروبها إنما هي عنهم مأخوذة ومن كلامهم وفتاويهم مستنبطة وهذا عبد الله بن عباس كان من صبيانهم وفتيانهم وقد طبق الارض علما وبلغت فتاويه نحوا من ثلاثين سفرا وكان بحرا لا ينزف لو نزل به أهل الارض لاوسعهم علما وكان اذا أخذ في الحلال والحرام والفرائض يقول القائل لا يحسن سواه فاذا أخذ في تفسير القرأن ومعانيه يقول السامع لا يحسن سواه فاذا أخذ في السنة والرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم يقول القائل لا يحسن سواه فاذا أخذ في القصص وأخبار الامم وسير الماضين فكذلك فاذا أخذ في أنساب العرب وقبائلها وأصولها وفروعها فكذلك فاذا أخذ في الشعر والغريب فكذلك قال مجاهد العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وقال قتادة في قوله تعالى ويرى الذي أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ولما حضر معاذا الموت قيل أوصنا قال أجلسوني إن العلم والايمان بمكانهما من اقتفاهما وجدهما عند أربعة رهط عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه عاشر عشرة في الجنة وقال أبو اسحق السبيعي قال عبد الله علماء الارض ثلاثة فرجل بالشام وآخر بالكوفة وآخر بالمدينة فأما هذان فيسألان الذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء وقيل لعلي ابن أبي طالب حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عن أيهم قالوا

عن عبد الله بن مسعود قال قرأ القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى بذلك قالوا فحدثنا عن حذيفة قال أعلم أصحاب محمد بالمنافقين قالوا فابو ذر قال كنيف ملىء علما عجن فيه قالوا فعمار قال مؤمن نسي اذا ذكرته ذكر خلط الله بالايمان بلحمه ودمه ليس للنار فيه نصيب قالوا فأبو موسى قال صبغ في العلم صبغة قالوا فسلمان قال علم العلم الاول والآخر بحر لا ينزح هو منا أهل البيت قالوا فحدثنا عن نفسك يا امير المؤمنين قال إياها أردتم كنت اذا سئلت أعطيت واذا سكت ابتديت وقال مسروق شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم ينتهي الى ستة الى على وعبد الله وعمر وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابي بن كعب ثم شافهت الستة فوجدت علمهم ينتهي الى علي وعبد الله وقال مسروق جالست أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وكانوا كأخاذ الاخاذ يروي الراكب والاخاذ يروي الراكبين والاخاذ العشرة والاخاذ لو نزل به أهل الارض لاصدرهم وإن عبد الله من تلك الاخاذ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى أرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم وقال عبد الله اني لاحسب أن عمر بن الخطاب قد ذهب بتسعة أعشار العلم وقال عبد الله لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الارض في كفة لرجح علم عمر وقال حذيفة بن اليمان كأن علم الناس مع علم عمر دس في حجر وقال الشعبي قضاة هذه الامة أربعة عمر وعلي وزيد وأبو موسى وقال قبيصة بن جابر ما رأيت رجلا قظ أعلم بالله ولا أقرأ لكتاب الله ولا افقه في دين الله من عمر وقال علي بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء فقلت انك ترسلني الى قوم يكون فيهم الاحداث وليس لي علم بالقضاء قال فضرب في صدري وقال ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال فما شككت في قضاء بين اثنين بعده وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة ابن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر فقال لي يا غلام هل من لبن فقلت نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها الفحل قال فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في اناء فشرب وسقى ابا بكر ثم قال للضرع اقلص فقلص قال ثم اتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله علمني من هذا القول فمسح رأسي وقال يرحمك الله انك عليم معلم وقال عقبة بن عامر ما أرى احدا أعلم بن انزل على محمد من عبد الله فقال أبو موسى

إن تقل ذلك فانه كان يسمع حين لا نسمع ويدخل حين لا ندخل وقال مسروق قال عبد الله ما أنزلت سورة إلا وأنا أعلم فيما انزلت ولو إني أعلم أن رجلا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الابل والمطايا لاتيته وقال عبد الله بن بريدة في قوله عز و جل حتى اذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا قال هو عبد الله بن مسعود وقيل لمسروق كانت عائشة تحسن الفرائض قال والله لقد رأيت الاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألونها عن الفرائض وقال أبو موسى ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما وقال شهر بن حوشب كان اصحاب محمد صلى الله عليه و سلم اذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا اليه هيبة له وقال علي بن أبي طالب أبو ذر وعاء ملىء علما ثم وكى عليه فلم يخرج منه شيء حتى قبض وقال مسروق قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم ولما بلغ أبا الدرداء موت عبد الله بن مسعود قال أما إنه لم يخلف بعده مثله وقال أبو الدرداء إن من الناس من أوتي علما ولم يؤت حلما وشداد بن أوس ممن أوتي علما وحلما ولما مات زيد بن ثابت قام ابن عباس على قبره وقال هكذا يذهب العلم وضم رسول الله صلى الله عليه و سلم ابن عباس وقال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وقال محمد بن الحنفية لما مات ابن عباس لقد مات رباني هذه الامة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا حين ينظر من ابن عباس وكان عمر بن الخطاب يقول له قد طرأت علينا عضل أقضية انت لها ولامثالها ثم يقول عبيد الله وعمر عمر في جده وحسن نظره للمسلمين وقال عطاء بن أبي رباح ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقهاء وأعظم جفنة إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر يصدرهم كلهم في واد واسع وكان عمر بن الخطاب يسأله مع الاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعى له رسول الله صلى الله عليه و سلم أ يزيده الله علما وفقها وقال عبد الله بن مسعود لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عشره منا رجل أي ما بلغ عشره وقال ابن عباس ما سألني أحد عن مسألة إلا عرفت أنه فقيه أو غير فقيه وقيل له أنى أصبت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول وكان يسمى البحر من كثرة علمه وقال طاوس أدركت نحو خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا ذكر لهم ابن عباس شيئا فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم وقال الاعمش كان ابن عباس اذا رأيته قلت أجمل الناس فاذا تكلم

قلت أفصح الناس فاذا حدث قلت أعلم الناس وقال مجاهد كان ابن عباس إذا فسر الشيء عليه النور وقال ابن سيرين كانوا يرون أن الرجل الواحد يعلم من العلم ما لا يعلمه الناس أجمعون قال ابن عون فكأنه رآني أنكرت ذلك قال فقال أليس أبو بكر كان يعلم ما لا يعلم الناس ثم كان عمر يعلم ما لا يعلم الناس وقال عبد الله بن مسعود لو وضع علم أحياء العرب في كفة وعلم عمر في كفة لرجح بهم علم عمر قال الاعمش فذكروا ذلك لابراهيم فقال عبد الله إن كنا لنحسبه قد ذهب بتسعة إعشار العلم وقال سعيد بن المسيب ما أعلم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم من عمر بن الخطاب وقال الشعبي قضاة الناس أربعة عمر وعلي وزيد بن ثابت وأبو موسى الاشعري وكانت عائشة رضي الله عنها مقدمة في العلم بالفرائض والسنن والاحكام والحلال والحرام والتفسير قال عروة بن الزبير ما جالست احدا قط أعلم بقضاء ولا بحديث الجاهلية ولا أروى للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة وقال عطاء كانت عائشة اعلم الناس وأفقه الناس وقال البخاري في تاريخه روى العلم عن أبي هريرة ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع وقال عبد الله ابن مسعود إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه وبعثه برسالته ثم اظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه و سلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلوا وزراءه وقال ابن عباس في قوله تعالى قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وقال ابن مسعود من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فان الحي لا يؤمن عليه الفتنه أولئك أصحاب محمد أبر هذه الامة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لاقامة دينه وصحبة نبيه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فانهم كانوا على الهدى المستقيم وقد أثنى الله سبحانه عليهم بما لم يثنه على أمة من الامم سواهم فقال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي عدولا خيارا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وقال تعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله وقال محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزاره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا

مع الصادقين وهم محمد وأصحابه وصح عنه صلى الله عليه و سلم انه قال انتم توفون سبعين امة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز و جل وقال تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وقال مالك عن نافع كان ابن عباس وابن عمر يجلسان للناس عند قدوم الحاج وكنت أجلس الى هذا يوما والى هذا يوما فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما يسأل عنه وكان ابن عمر يرد أكثر مما يفتي قال مالك وسمعت أن معاذ بن جبل يكون امام العلماء برتوة يعني يكون امامهم يوم القيامة برمية حجر وقال مالك اقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم وغير ذلك وكان من أئمة الدين وقال عمر لجرير يرحمك الله إن كنت لسيدا في الجاهلية فقيها في الاسلام وقال محمد بن المنكدر ما قدم البصرة احد أفضل من عمران بن حصين وكان لجابر بن عبد الله حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤخذ عنه العلم
والعلم انما انتشر في الآفاق عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهم الذين فتحوا البلاد بالجهاد والقلوب والقرآن فملؤا الدنيا خيرا وعلما والناس اليوم في بقايا آثار علمهم قال الشافعي في رسالته وقد ذكر الصحابة فعظمهم واثنى عليهم ثم قال وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر أستدرك به علم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا ومن أدركنا ممن أدركنا ممن نرضى او حكي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة الى قولهم ان اجتمعوا او قول بعضهم ان تفرقوا وكذلك نقول ولم نخرج من اقاويلهم كلهم وقال الشافعي وقد اثنى الله على الصحابة في التوراة والانجيل والقرآن وسبق لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه و سلم من الفضل ما ليس لاحد بعدهم وقال ابو حنيفة اذا جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم فعلى الرأس والعين واذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم ولم نخرج عنه وقال ابن القاسم سمعت مالكا يقول لما دخل اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الشام نظر اليهم رجل من أهل الكتاب فقال ما كان أصحاب عيسى بن مريم الذين قطعوا بالمناشير وصلبوا على الخشب بأشد اجتهادا من هؤلاء وقد شهد لهم الصادق المصدوق الذي لاينطق عن الهوى بانهم خير القرون على الاطلاق كما شهد لهم ربهم تبارك وتعالى بأنهم خير الامم على الاطلاق
وعلماؤهم وتلاميذهم هم الذين ملاؤا الارض علما فعلماء الاسلام كلهم تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم وهلم جرا وهؤلاء الائمة الاربعة الذين طبق علمهم

الارض شرقا وغربا هم تلاميذ تلاميذهم وخيار ما عندهم ما كان عن الصحابة وخيار الفقه ما كان عنهم وأصح التفسير ما أخذ عنهم وأما كلامهم في باب معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وقضائه وقدره ففي أعلى المراتب فمن وقف عليه وعرف ما قالته الانبياء عرف انه مشتق منه مترجم عنه وكل علم نافع في الامة فهو مستنبط من كلامهم ومأخوذ عنهم وهؤلاء تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم قد طبقت تصانيفهم وفتاويهم الارض فهذا مالك جمعت فتاويه في عدة أسفار وكذلك ابو حنيفة وهذه تصانيف الشافعي تقارب المائة وهذا الامام احمد بلغت فتاويه وتآليفه نحو مائة سفر وفتاويه عندنا في نحو عشرين سفرا وغالب تصانيفه بل كلها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن الصحابة والتابعين وهذا علامتهم المتأخر شيخ الاسلام ابن تيمية جمع بعض أصحابه فتاواه في ثلاثين مجلدا ورأيتها في الديار المصرية وهذه تأليف أئمة الاسلام التي لا يحصيها الا الله وكلهم من أولهم الى آخرهم يقر للصحابة بالعلم والفضل ويعترف بان علمه بالنسبة الى علومهم كعلومهم بالنسبة الى علم نبيهم
وفي الثقفيات حدثنا قتيبة بن سعيد بن عبد الرحمن المعافري عن ابيه ان كعبا رأى حبر اليهود يبكي فقال له ما يبكيك قال ذكرت بعض الامر فقال كعب انشدك الله لئن اخبرتك ما أبكاك لتصدقني قال نعم قال انشدك الله هل تحد في كتاب الله المنزل ان موسى نظر في التوراة فقال رب اني اجد امة اخرجت للناس يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الاول والكتبا الاخر ويقاتلون اهل الضلالة حتى يقاتلون الاعور الدجال فاجعلهم امتي قال هم أمة أحمد يا موسى قال الحبر نعم قال كعب فانشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل ان موسى نظر في التوراة فقال يا رب اني اجد امة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون اذا ارادوا أمرا قالوا نفعله ان شاء الله فاجعلهم امتي قال هم أمة أحمد يا موسى قال الحبر نعم فقال كعب فانشدك الله اتجد في كتاب الله المنزل ان موسى نظر في التوراة فقال يا رب اني اجد امة اذا أشرف احدهم على شرف كبر الله واذا هبط حمد الله الصعيد طهورهم والارض لهم مسجدا حيثما كانوا يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غرا محجلين من آثار الوضوء فاجعلهم امتي قال هم امة احمد يا موسى قال الحبر نعم قا كعب فانشدك الله اتجد في كتاب الله ان موسى نظر في التوراة فقال يا رب اني اجد امة مرحومة ضعفاء اورثتهم

الكتاب فاصطفيتهم لنفسك فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا اجد احدا منهم الا مرحوما فاجعلهم امتي قال هم امة احمد يا موسى قال الحبر نعم قال كعب انشدك الله اتجد في كتاب الله ان موسى نظر في التوراة فقال يا رب اني اجد امة مصاحفهم في صدورهم يصفون في صلاتهم كصفوف الملائكة اصواتهم في مساجدهم كدوي النحل لا يدخل النار منهم احد الا من بريء من الحسنات مثل ما بريء الحجر من ورق الشجر قال موسى فاجعلهم امتي قال هم امة أحمد يا موسى قال الحبر نعم فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله محمدا وأمته قال ليتني من أصحاب محمد فاوحى الله اليه ثلاث آيات يرضيه بهن يا موسى اني اصطفيتك على الناس الآية ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وكتبنا له في الالواح الآية قال فرضي موسى كل الرضا وهذه الفصول بعضها في التوراة التي بايديهم وبعضها في نبوة شعيا وبعضها في نبوة غيره والتوراة أعم من التوراة المعينة وقد كان الله سبحانه كتب لموسى في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فلما كسرها رفع منها الكثير وبقي خير كثير فلا يقدح في هذا النقل جهل أكثر اهل الكتاب به فلا يزال في العلم الموروث عن الانبياء شيء لا يعرفه الا ألآحاد من الناس او الواحد وهذه الامة على قرب عهدها بنبيها في العلم الموروث عنه ما لا يعرفه الا الافراد القليلون جدا من امته وسائر الناس منكرا له وجاهل به
وسمع كعب رجلا يقول رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب فدعي الانبياء فجاء مع كل نبي أمته ورأيت لكل نبي نورين ولكل من اتبعه نورا يمشي بين يديه فدعي محمد صلى الله عليه و سلم فاذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما فقال كعب من حدثك يهذا قال رؤيا رأيتها في منامي قال أنت رأيت هذا في منامك قال نعم قال والذي نفسي بيده انها لصفة محمد وامته وصفة الانبياء واممهم لكأنما قرأتها من كتاب الله وفي بعض الكتب القديمة ان عيسى بن مريم صلوات الله وسلامه عليه قيل له يا روح الله هل بعد هذه الامة امة قال نعم قيل واية امة قال امة احمد قيل يا روح الله وما امة احمد قال علماء حكماء ابرار اتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله اليسير من الرزق ويرضى الله منهم اليسير من العلم يدخلهم الجنة بشهادة ان لا اله الا الله وقال كعب علماء هذه الامة كأنبياء بني اسرائيل وفيه حديث مرفوع لا أعرف حاله
هنيئا لامة الغضب والضلال بعلومهم وبعلمائهم ثم نقول وما يدريكم معاشر المثلثة وعباد الصلبان وأمة اللعنة والغضب بالفقه والعلم ومسمي هذا الاسم حيث تسلبونه أصحاب محمد الذين هم وتلاميذهم كأنبياء بني اسرائيل وهل يميز بين العلماء والجهال ويعرف مقادير العلماء الا من هو من جملتهم ومعدود في زمرتهم فأما طائفة شبه الله علماءهم بالحمير التي تحمل اسفارا وطائفة علماؤها يقولون في الله ما لا ترضاه امة من الامم فيمن تعظمه وتجله وتأخذ دينها عن كل كاذب ومفتر على الله وعلى انبيائه فمثلها مثل عريان يحارب شاكي السلاح ومن سقف بيته زجاج وهو يزاحم أصحاب القصور بالاحجار ولا يستكثر على من قال في الله ورسوله ما قال ان يقول في أعلم الخلق أنهم عوام فليهن امة الغضب علم المشنا والتلمود وما فيهما من الكذب على الله وعلى كليمه موسى وما يحدث لهم احبارهم وعلماء السوء منهم كل وقت ولتهنهم علوم دلتهم على أن الله ندم على خلق البشر حتى شق عليه وبكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة ودلتهم على أن يناجوا في صلاتهم بقولهم يا إلهنا أنتبه من رقدتك كم تنام ينخونه حتى يتنخى لهم ويعيد دولتهم ولتهن امة الضلال علومهم التي فارقوا بها جميع شرائع الانبياء وخالفوا بها المسيح خلافا تتحققه علماؤهم في كل امره كما ستمر بك وعلومهم التي قالوا بها في رب العالمين ما قالوا مما كادت السموات تنشق منه والارض تنفطر والجبال تنهد لولا ان امسكها الحليم الصبور وعلومهم التي دلتهم على التثليث وعبادة خشبة الصليب والصور المدهونة بالسيرقون والزنجفر ودلتهم على قول عالمهم افريم ان اليد التي جبلت طينة آدم هي التي علقت على الصلبوب وان الشبر الذي ذرعت به السموات هو الذي سمر على الخشبة وقول عالمهم عرقودس من لم يقل ان مريم والدة الله فهو خارج عن ولاية الله

معاصي الامم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم فصل قال السائل نرى في دينكم اكثر الفواحش فيمن هو اعلم وافقه في دينكم كالزنا واللواط والخيانة والحسد والبخل والغدر والتجبر والتكبر والخيلاء وقلة الورع واليقين وقلة الرحمة والمروءة والحمية وكثرة الهلع والتكالب على الدنيا والكسل في الخيرات وهذا الحال يكذب لسان المقال والجواب من وجوه

احدها ان يقال ما ذا على الرسل الكرام من معاصي اممهم واتباعهم وهل يقدح ذلك شيئا في نبوتهم او يغير وجه رسالتهم وهل سلم من الذنوب على اختلاف انواعها واجناسها الا الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وهل يجوز رد رسالتهم وتكذيبهم بمعصية بعض اتباعهم لهم وهل هذا الا من أقبح التعنت وهو بمنزلة رجل مريض دعاه طبيب ناصح الى سبب ينال به غابة عافيته فقال لو كنت طبيبا لم يكن فلان وفلان وفلان مرضى وهل يلزم الرسل ان يشفوا جميع المرضى بحيث لا يبقى في العالم مريض هل تعنت احد من الناس للرسل بمثل هذا التعنت

ذنوب الموحدين من المسلمين في جنب عظائم اليهود والنصارى كتفلة في بحر الوجه الثاني ان الذنوب والمعاصي امر مشترك بين الامم لم تزل في العالم من طبقات بني آدم عالمهم وجاهلهم وزاهدهم في الدنيا وراغبهم واميرهم ومأمورهم وليس ذلك امرا اختصت به هذه الامة حتى يقدح به فيها وفي نبيها الوجه الثالث ان الذنوب والمعاصي لا تنافي الايمان بالرسل بل يجتمع في العبد الاسلام والايمان والذنوب والمعاصي فيكون فيه هذا وهذا فالمعاصي لا تنافي الايمان بالرسل وان قدحت في كماله وتمامه الوجه الرابع ان الذنوب بغفر بالتوبة النصوح فلو بلغت ذنوب العبد عنان السماء وعدد الرمل والحصا ثم تاب منها تاب الله عليه قال تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم فهذا في حق التائب فان التوبة تجب ما قبلها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والتوحيد يكفر الذنوب كما في الحديث الصحيح الالهي ابن ادم لو لقيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة فالمسلمون ذنوبهم ذنوب موحد ان قوي التوحيد على محو آثارها بالكلية والا فما معهم من التوحيد يخرجهم من النار اذا عذبوا بذنوبهم واما المشركون والكفار فان شركهم وكفرهم يحبط حسناتهم فلا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة ولا يغفر لهم شيء من ذنوبهم قال تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال تعالى في حق الكفار والمشركين وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ابى الله ان يقبل من مشرك عملا فالذنوب تزول آثارها بالتوبة النصوح والتوحيد الخالص والحسنات الماحية والمصائب

المكفرة لها وشفاعة الشافعين في الموحدين وآخر ذلك اذا عذب بما يبقى عليه منها اخرجه توحيده من النار واما الشرك بالله والكفر بالرسول فانه يحبط جميع الحسنات بحيث لا تبقى معه حسنة

من فضائح اليهود وقبائحهم المنكرة الوجه الخامس أن يقال لمورد هذا السؤال إن كان من الأمة الغضبية إخوان القردة ألا يستحي من إيراد هذا السؤال من آباؤه وأسلافه كانوا يشاهدون في كل يوم من الآيات ما لم يره غيرهم من الأمم وقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من عدوهم وما جفت أقدامهم من ماء البحر حتى قالوا لموسى اجعل لنا إلها كما لهم الهه قال إنكم قوما تجهلون ولما ذهب لميقات ربه لم يمهلوه أن عبدوا بعد ذهابه العجل المصوغ وغلب أخوه هرون معهم ولم يقدر على الإنكار عليهم وكانوا مع مشاهدتهم تلك الآيات والعجائب يهمون برجم موسى وأخيه هرون في كثير من الأوقات والوحي بين أظهرهم ولما ندبهم إلى الجهاد قالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون وآذوا موسى انواع الاذى حتى قالوا أنه أدر أي منتفخ الخصية ولهذا يعتسل وحده فاغتسل يوما ووضع ثوبه فرأوه أحسن خلق الله متجردا ولما مات أخوه هرون قالوا إن موسى قتله وغيبه فرفعت الملائكة لهم تابوت بين السماء والأرض حتى عاينوه ميتا وآثروا العود إلى مصر وإلى العبودية ليشيعوا من أكل اللحم والبصل والقثاء والعدس هكذا عندهم والذي حكاه الله عنهم أنهم آثروا ذلك على المن والسلوى وأنهماكهم على الزنا وموسى بين أظهرهم وعدوهم بازائهم حتى ضعفوا عنهم ولم يظفروا بهم وهذا معروف عندهم وعبادتهم بعد عصر يوشع بن نون معروف وتحليهم على صيد الحيتان في يوم السبت لا تنسه حتى مسخوا قردة خاسئين وقتلهم الأنبياء بغير حق حتى قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا في أول النهار وأقاموا السوق آخره كأنهم جزروا غنما وذلك أمر معروف وقتلهم يحيى بن زكريا ونشرهم إياه بالمنشار وإصرارهم على العظائم واتفاقهم على تغيير الكثير من أحكام التوراة ورميهم لوطا بأنه وطئ ابنيته واولدهما ورميهم يوسف بأنه حل سراويله وجلس مع إمراة العزيز من القابلة حتى انشق الحائط وخرجت له كف يعقوب وهو عاض على أنامله فقام وهرب وهذا لو رآه أفسق الناس وأفجرهم لقام ولم يقض غرضه وطاعتهم للخارج على ولد سليمان بن

داود لما وضع لهم كبشين من ذهب فعكفت جماعتهم على عبادتهما إلى أن جرت الحرب بينهم وبين المؤمنين الذين كانوا مع ولد سليمان وقتل منهم في معركة واحدة ألوف مؤلفة أفلا يستحي عباد الكباش والبقر من تغيير الموحدين بذنوبهم أولا تستحي ذرية قتلة الأنبياء من تعيير المجاهدين لأعداء الله فأين من سيوف آبائهم تقطر من دماء الأنبياء ممن تقطر سيوفهم من دماء الكفار والمشركين ولا يستحي من يقول في صلاته لربه انتبه كم تنام يا رب استيقظ من رقدتك ينخيه بذلك ويحميه من تعيير من يقول في صلاته الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين فلو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال والتراب والأنفاس ما بلغت مبلغ قتل نبي واحد ولا وصلت إلى إخوان القردة إن الله فقير ونحن أغنياء وقولهم عزيز بن الله نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم إن الله بكر على الطوفان حتى رمد من البكاء وجعلت الملائكة تعوده وقولهم أنه عض أنامله على ذلك وقولهم إنه ندم على خلق البشر وشق عليه لما رأى من معاصيهم وظلمهم وأعظم من ذلك نسبة هذا كله إلى التوارة التي أنزلها على كليمه فلو بلغت ذنوب المسلمين ما بلغت لكانت في حنب ذلك كتفلة في بحر ولا تنس قصة أسلافهم مع شاؤل الخارج على داود فإن سوادهم الأعظم انضم إليه وشدوا معه حرب داود ثم عادوا إلى طاعة داود وجاءت وفودهم وعساكرهم مستغفرين معتذرين بحيث اختصموا في السبق إليه فنبغ منهم شخص ونادى بأعلى صوته لا نصيب لنا في داود ولا حظ في شاؤل ليمض كل منهم إلى خبائة إسرائيلين فلم يكن بأوشك من أن ذهب جميع عسكر بني إسرائيل إلى أخبيتهم بسبب كلمته ولما قتل هذا الصائح عادت العساكر جميعها إلى خدمة داود فما كان القوم الا مثل همج رعاع يجمعهم طبل ويفرقهم عصى
افتراق اليهود واختلاقهم كتاب علم الذباحة وهذه الأمة الغضيبة وإن كانوا مفترقين افتراقا كثيرا فيجمعهم فرقتان القرابون والربانيون وكان لهم أسلاف فقهاء وهم ضغط لهم كتابين أحدهما يسمى المشنا ومبلغ حجمه نحو ثمانمائة ورقة والثاني يسمى التلمود ومبلغه قريب من نصف حمل بغل ولم يكن المؤلفون له في عصر واحد وإنما ألفوه في جيل بعد جيل فلما نظر متأخروهم إلى ذلك وأنه كلما مر عليه الزمان زادوا فيه وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثيرا من أوله علموا انهم إن لم يقفلوا باب الزايدة وإلا أدى إلى الخلل الفاحش

فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم وحرموا من يزيد عليه شيئا فوقف الكتاب على ذلك المقدار وكان فقهاؤهم قد حرموا عليهم في هذين الكتابين مؤاكلة من كان على غير ملتهم وحظروا عليهم اكل الحمان من ذبائح من لم يكن على دينهم لأنهم علموا أن دينهم لا يبقى عليهم مع كونهم تحت الذل والعبودية وقهر الأمم لهم إلا أن يصدوهم عن مخالطة من كان على غير ملتهم وحرموا عليهم مناكحتهم والأكل من ذبائحهم ولم يمكنهم ذلك إلا بحجة يبتدعونها من أنفسهم ويكذبون فيها على الله فإن التوارة إنما حرمت عليهم مناكحة غيرهم من الأمم لئلا يوافقوا أزواجهم في عبادة الأصنام والكفر بالله وإنما حرمت عليهم أكل ذبائح الأمم التي يذبحونها قربانا للاصنام لأنه سمى عليها إسم الله فأما ما ذكر عليه إسم الله وذبح لله فلم تنطق التوارة بتحريمه البتة بل نطقت بإباحة أكلهم من أيدي غيرهم من الأمم وموسى إنما نهاهم عن مناحكة عباد الأصنام وأكل ما يذبحونه بإسم الأصنام قالوا التوارة حرمت علينا أكل الطريفا قيل لهم الطريفا هي الفريسة التي يفترسها الأسد والذئب أو غيرهما من السباع كما قال في التوارة ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا وللكلب ألقوه فلما نظر فقهاؤهم إلى أن التوارة غير ناطقة بتخحريم مآكل الأمم عليهم إلا عباد الأصنام وصرحت التوارة بأن تحريم مؤاكلتهم ومخالطتهم خوف استدراج المخالطة إلى المناكحة والمناكحة قد تستتبع الإنتقال من دينهم إلى أديانهم وموافقتهم في عبادة الاوثان ووجدوا جميع هذا واضحا في التوارة اختلقوا كتابا سموه هلكث شحيطا وتفسيره علم الذباحة ووضعوا في هذا الكتاب من الآصار والأغلال ما شغلوهم به عما هم فيه من الذل والصغار والخزي فامروهم فيه أن ينفخوا الرئة حتى يملؤها هواء ويتأملونها هل يخرج الهواء من ثقب منها أم لا فإن خرج منها الهواء حرموه وإن كانت بعض أطراف الرئة لا صقة ببعض لم يأكلوه وأمروا الذي يتفقد الذبيحة أن يدخل يده في بطن الذبيحة ويتأمل بأصابعه فإن وجد القلب ملتصقا إلى الظهر أو أحد الجانبين ولو كان الالتصاق بعرق دقيق كالشعرة حرموه ولم يأكلو وسموه طريفا ومعنى هذه اللفظة عندهم أنه نجس حرام وهذه التسمية عدوان منهم فإن معناها في لغتهم هي الفريسة التي يفترسها السبع ليس لها معنى في لغتهم سواه ولذلك عندهم في التوارة إن إخوة يوسف لما جاؤا بقميصه ملطخا بالدم قال يعقوب في جملة كلام طاروف طوارف يوسيف تفسيره وحش ردي أكله افتراسا افترس يوسف وفي التوارة ولحم في الصحراء فريسة لا تأكلوا فهذا الذي حرمته التوارة من الطريفا وهذا نزل عليهم وهم في التيه وقد اشتد قرمهم إلى اللحم فمنعوا من أكل الفريسة والميتة ثم

اختلفوا في خراقات وهذيانات تتعلق بالرئة وقالوا ما كان من الذبائح سليما من هذه الشروط فهو دخيا وتفسيره طاهر وما كان خارجا عن ذلك فهو طريفا وتفسيره نجس حرام ثم قالوا معنى قوله في التوارة ولحم فريسة في الصحراء لا تاكلوه للكلب القوه يعني إذا ذبحتم ذبيحة ولم توجد فيها هذه الشروط فلا تأكلوها بل بيعوها على من ليس من أهل ملتكم قالوا ومعنى قوله للكلب ألقوه أي لمن ليس على ملتكم فهو الكلب فأطعموه إياه بالثمن قتأمل هذا التحريف والكذب علىالله وعلى التوراة وعلى موسى ولذلك كذبهم الله على لسان رسوله في تحريم ذلك فقال في السورة المدنية التي خاطب فيها أهل الكتاب فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله الآية وقال في سورة الأنعام قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم فهذا تحريم زائد على تحريم الأربعة المتقدمة وقال في سورة النحل وهي بعد هذه السورة نزولا وعلىالذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل فهذا المحرم عليهم بنص التوارة ونص القرآن
فلما نظر القرابون منهم وهم أصحاب عابان وبنيامين إلى هذه المحالات الشنيعة والإفتراء الفاحش والكذب البارد على الله وعلى التوارة وعلى موسى وأن أصحاب التلمود والمشنا كذابون على الله وعلى التوارة وعلى موسى وأنهم أصحاب حماقات ورقاعات وأن أتباعهم ومشايخهم يزعمون أن الفقهاء منهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة من هذه المسائل وغيرها يوحي الله إليهم بصوت يسمعونه الحق في هذه المسألة مع الفقيه فلان ويسمون هذا الصوت بث قول فلما نظر القرابون إلى هذا الكذب المحال قالوا قد فسق هؤلاء ولا يجوز قبول خبر فاسفق ولا فتواه فخالفوهم في سائر ما أصلوه من الأمور التي لم ينطق بها نص التوارة وأما تلك الترهات التي ألفها فقهاؤهم الذين يسمونهم الحخاميم في علم الذباحة ورتبوها ونسبوها إلى الله فاطرحها القرابون كلها وألغوها وصاروا لا يحرمون شيئا من الذبائح التي يتولون دبحها البتة ولهم فقهاء أصحاب تصانيف إلا أنهم يبلغون في الكذب على الله وهم أصحاب ظواهر مجردة والأولون أصحاب استنباط وقياسات

فصل والفرقة الثانية يقال لهم الربانيون وهم أكثر عددا وفيهم الحخاميم الكذابون على الله الذين زعموا أن الله كان يخاطب جميعهم في كل مسألة بالصوت الذي يسمونه بث قول وهذه الطائفة أشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم فإن الحخاميم أو هموهم بأن الذبائح لا يحل منها إلا ما كان على الشروط التي ذكروها فإن سائر الأمم لا تعرف هذا وأنه شيء خصوا به وميزوا بهم عمن سواهم وأن الله شرفهم به كرامة لهم فصار الواحد منهم ينظر إلى من ليس على نحلته كما ينظر إلى الدابة وينظرالى ذبائحه كما ينظر إلى الميتة وأما القرابون فأكثرهم خرجوا إلى دين الإسلام ونفعهم تمسكهم بالظواهر وعدم تحريفها إلى ان لم يبق منهم إلا القليل لأنهم أقرب استعدادا لقبول الإسلام لأمرين أحدهما إساءة ظنهم بالفقهاء الكذابين المفترين على الله وطعنهم عليهم الثاني تمسكهم بالظواهر وعدم تحريفها وأبطال معانيها
وأما أولئك الربانيون فإن فقهاءهم وحخاميمهم حصروا في مثل سم الخياط بما وضعوا لهم من التشديدات والآصار والأغلال المضافة إلى الآصار والأغلال التي شرعها الله عقوبة لهم وكان لهم في ذلك مقاصد منها أنهم قصدوا بذلك مبالغتهم في مضادة مذاهب الأمم حتى لا يختلطوا بهم فيؤدي اختلاطهم بهم إلى موافقتهم والخروج من السبت واليهودية القصد الثاني أن اليهود مبدون في شرق الأرض وغربها وجنوبها كما قال تعالى وقطعناهم في الأرض أمما
حيل حخاميمهم الدنيئة وما من حماعة منهم في بلدة إلا إذا قدم عليهم رجل من أهل دينهم من بلاد بعيدة يظهر لهم الخشونة في دينه والمبالغة في الاحتياط فإن كان فقهائهم شرع في إنكار أشياء عليهم يوهمهم قلة دينهم وعلمهم وكلما شدد عليهم قالوا هذا هو العالم فأعلمهم أعظمهم تشديدا عليهم فتراه أول ما ينزل عليهم لا يأكل من أطعمتهم وذبائحهم ويتأمل سكين الذباح ويشرع في الإنكار عليه ببعض أمره ويقول لا آكل إلا من ذبيحة يدي فتراهم معه في عذاب ويقولون هذا عالم غريب قدم علينا فلا يزال ينكر عليهم الحلال ويشدد عليهم الآصار والأغلال ويفتح لهم أبواب المكر والاحتيال وكلما فعل هذا قالوا هذا العالم الرباني والحخيم الفاضل فإذا رآه رئيسهم قد مشى حاله وقبل بينهم مقاله وزن نفسه معه فإذا رأى أنه ازدرى به وطعن عليه لم يقبل منه فإن الناس في الغالب يميلون مع الغريب وينسبه أصحابه إلى الجهل وقلة الدين ولا

يصدوقونه لأنهم يرون القادم قد شدد عليهم وضيق وكلما كان الرجل أعظم تضييقا وتشديدا كان افقه عندهم فينصرف عن هذا الرآي فيأخذ في مدحه وشكره فيقول لقد عظم ثواب فلان إذ قوى ناموس الدين في قلوب هذه الجماعة وشيد أساسه وأحكم سياج الشرع فيبلغ القادم قوله فيقول ما عندكم أفقه منه ولا أعلم بالتوراة وإذا لقيه يقول زين اليه بك أهل بلدنا ونعش بك هذه الطائفة وإن كان القادم عليهم حبرا من أحبارهم فهناك ترى العجب من الناموس التي تراه يعتمده والسنن التي يحدثها ولا يعترض عليه أحد بل تراهم مسلمين له وهو يجتلب درهم ويجتلب درهمهم وإذا بلغه عن يهودي طعن عليه صبر عليه حتى يرى منه جلوسا على قارعة الطريق يوم السبت أو يبلغه أنه اشترى من مسلم لبنا أو خمرا أو خرج عن بعض أحكام المشنا والتلموذ فحرمه بين ملأ اليهود وأباحهم عرضه ونسبه إلى الخروج عن اليهودية فيضيق به البلد على هذه الحال فلا يسمعه إلا أن يصلح ما بينه وبين الحبر بما يقتضيه الحال فيقول لليهود إن فلانا قد أبصر رشده وراجع الحق وأقلع عما كان فيه وهو اليوم يهودي على الوضع فيعودون له بالتعظيم والإكرام
من شريعتهم نكاح إمرأة الأخ أو العار وأذكر لك مسألة من مسائل شرعهم المبدل أو المنسوخ تعرف بمسألة البياما والجالوس وهي أن عندهم في التوارة إذا أقام إخوان في موضع واحد ومات أحدهما ولم يعقب ولدا فلا تصير إمرأة الميت إلى رجل أجنبي بل حموها ينحكها وأول ولد يولدها ينسب إلى أخيه الدارج فإن أبى أن ينكحها خرجت مشتكية إلى مشيخة قومه قائلة قد أبى حموى أن يستبقي إسما لأخيه في بني إسرائيل ولم يرد نكاحي فيحضره ويكلفه أن يقف ويقول ما أردت نكاحها فتتناول المرأة نعله فتخرجه من رجله وتمسكه بيدها وتبصق في وجهه وتنادي عليه كذا فيلضع بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه ويدعي فيما بعد بالمخلوع النعل وينتبز بنوه بهذا اللقب وفي هذا كالتلجئة له إلى نكاحها لأنه إذا علم أنه قد فرض على المرأة وعليه ذلك فربما استحيا وخجل من شيل نعله من رجله والبصق في وجهه ونبزه باللقب المستكره الذي يبقى عليه وعلى أولاده عاره ولم يجد بدا من نكاحها فإن كان من الزهد فيها والكراهة لها بحيث يرى أن هذا كله أسهل عليه من أن يبتلى بها وهان عليه هذا كله في التخلص منها لم يكره على نكاحها هذا عندهم في التوارة ونشأ لهم من ذلك فرع مرتب عليه وهو أن يكون مريدا للمرأة محبا لها وهي في غاية الكراهة له فأحشدوا لهذا الفرع حكما في غاية الظلم والفضيحة فإذا جاءت إلى الحاكم أحضروه معها ولقنوها أن تقول إن

حموي لا يقيم لأخيه إسما في بني إسرائيل ولم يرد نكاحي وهو عاشق لها فيلزمونها بالكذب عليه وأنها أرادته فامتنع فإذا قالت ذلك ألزمه الحاكم أن يقوم ويقول ما اردت نكاحها ونكاحها غاية سؤله وامنيته فيأمرونه بالكذب عليها فيخرج نعله من رجله الا انه لامسك هنا ولا ضرب بل يبصق في وجهه وينادي عليه هذا جزاء من لا يبني بيت أخيه فلم يكفهم أن كذبوا عليه حتى اقاموه مقام الخزي والزموه بالكذب والبصاق في وجهه والعتاب على ذنب جره غيره كما قيل ... وجرم جره سفهاء قوم ... وحل بغير جارمه العذاب ...
أفلا يستحي من تعيير المسلمين من هذا شرعه ودينه

ما لاقاه اخوان القردة من الاذلال والصغار من مختلف الامم والدول وكان سبب طمس معالم دينهم وآثارهم
في فصل ولا يستبعد اصطلاح الامة الغضبية على المحال واتفاقهم على انواع من الكفر والضلال فان الدولة اذا انقرضت عن امة باستيلاء غيرها عليها واخذ بلادها انطمست حقائق سالف اخبارها ودرست معالم دينها وآثارها وتعذر الوقوف على الصواب الذي كان عليه اولوها واسلافها لان زوال الدولة عن الامة انما يكون بتتابع الغارات وخراب البلاد واحراقها وجلاء اهلها عنها فلا تزال هذه البلايا متتابعة عليها الى ان تستحيل رسوم دياناتها وتضمحل اصول شرعها وتتلاشى قواعد دينها وكلما كانت الامة اقدم واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالاذلال والصغار كان حظها من اندراس دينها اوفر وهذه الامة الغضبية اوفر الامم حظا من ذلك فانها اقدم الامم عهدا واستولت عليها سائر الامم من الكندانيين والكلدانيين والبابليين والفرس واليونان والنصارى وما من هذه الامم امة الا وقصدت استئصالهم واحراق كتبهم وتخريب بلادهم حتى لم يبق لهم مدينة ولا جيش ولا حصن الا بأرض الحجاز وخيبر فاعز ما كانوا هناك فلما قام الاسلام واستعلن الرب تعالى من جبال فاران صادفهم تحت دمة الفرس والنصارى وصادف هذه الشرذمة بخيبر والمدينة فاذاقهم الله بالمسلمين من القتل والسبي وتخريب الديار ذنوبا مثل ذنوب اصحابهم وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء فكتب الله عليهم الجلاء وشتتهم ومزقهم بالاسلام كل ممزق ومع هذا فلم يكونوا مع امة من الامم أطيب منهم مع المسلمين ولا آمن فان الذي نالهم من النصارى والفرس وعباد الاصنام لم ينلهم من المسلمين مثله وكذلك الذي نالهم مع ملوكهم العصاة الذين قتلوا الانبياء وبالغوا في

طلبهم وعبدوزا الاصنام واحضروا من البلاد سدنة للاصنام لتعظيمها وتعظيم رسومها في العبادة وبنوا لها البيع والهياكل وعكفوا على عبادتها وتركوا لها احكام التوراة وشرع موسى ازمنة طويلة واعصارا متصلى فاذا كان هذا شأنهم مع ملوكهم فما الظن بشأنهم مع اعدائهم اشد الاعداء عليهم كالنصارى الذين عندهم انهم قتلوا المسيح وصلبوه وصفعوه وبصقوا فيو وجهه ووضعوا الشوك على رأسه وكالفرس والكلدانيين وغيرهم

صلاتهم دعاء على الامم وافك على الله تعالى وتقدس وكثيرا ما منعهم ملوك الفرس من الختان وجعلوهم قلفا وكثيرا ما منعوهم من الصلاة لمعرفتهم بان معظم صلاتهم دعاء على الامم بالبوار وعلى بلادهم بالخراب إلا ارض كنعان فلما راوا ان صلاتهم هكذا منعوهم من الصلاة فرأت اليهود ان الفرس قد جدوا في منعهم من الصلاة فاخترعوا ادعية مزجوا بها صلاتهم سموها الخزانة وصاغوا لها الحانا عديدة وصاروا يجتمعون على تلحينها وتلاوتها والفرق بين الخزانة والصلاة ان الصلاة بغير لحن ويكون المصلى فيها وحده والخزانة بلحن يشاركه غيره فيه فكانت الفرس اذا انكروا ذلك عليهم قالت اليهود نحن نغني وننوح على انفسنا فيخلون بينهم وبين ذلك فجاءت دولة الاسلام فأمنوا فيها غاية الامن وتمكنوا من صلاتهم في كنائسهم واستمرت الخزانة سنة فيهم في الاعياد والمواسم والافراح وتعوضوا بها عن الصلاة
والعجب انهم مع ذهاب دولتهم وتفرق شملهم وعلمهم بالغضب الممدود المستمر عليهم ومسخ اسلافهم قردة لقتلهم الانبياء وعدوانهم في السبت وخروجهم عن شريعة موسى والتوراة وتعطيلهم لاحكامها يقولون في كل يوم في صلاتهم محبة الدهر احبنا يا الهنا يا ابانا انت ابونا منقذنا ويمثلون انفسهم بعناقيد العنب وسائر الامم بالشوك المحيط بالكرم لحفظه وانهم سيقيم الله لهم نبيا من آل داود اذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الامم ولا يبقى على وجه الارض الا اليهود وهو بزعمهم المسيح الذي وعدوا به وينبهون الله بزعمهم من رقدته في صلاتهم وينخونه ويحمونه تعالى الله عن إفكهم وضلالهم علوا كبيرا وضلال هذه الامة الغضبية وكذبها وافتراؤها على الله ودينه وانبيائه لا مزيد عليه
واما اكلهم الربا والسحت والرشا واستبدادهم دون العالم بالخبث والمكر والبهت وشدة الحرص على الدنيا وقسوة القلوب والذل الصغار والخزي والتحيل على

الاغراض الفاسدة ورمي البرآء بالعيوب والطعن على الانبياء فارخص شيء عندهم وما عيروا به المسلمين مما ذكروه ومما لم يذكروه فهو في بعضهم وليس في جميعهم ونبيهم وكتابه ودينه وشرعه بريء منه وما عليه من معاصي امته وذنوبهم فالى الله ايابهم وعلى الله حسابهم

اساس دين النصارى قائم على شتم الله والشرك به خرافة الفداء
فصل وان كان المعير للمسلمين من امة الضلال وعباد الصليب والصور المدهونة في الحيطان والسقوف فيقال له الا يستحي من اصل دينه الذي يدين به اعتقاده ان رب السموات والارض تبارك وتعالى نزل عن كرسي عظمته وعرشه ودخل في فرج امرأة تأكل وتشرب وتبول وتتغوط وتحيض فالتحم ببطنها واقام هناك تسعة اشهر يتلبط بين نجو وبول ودم طمث ثم خرج الى القماط والسرير كلما بكى القمته امه ثديها ثم انتقل الى المكتب بين الصبيان ثم آل امره الى لطم اليهود خديه وصفعهم قفاه وبصقهم في وجهه ووضعهم تاجا من الشوك على رأسه والقصبة في يده استخفافا به وانتهاكا لحرمته ثم قربوه من مركب خص بالبلاء راكبه فشدوه عليه وربطوه بالحبال وسمروا يديه ورجليه وهو يصيح ويبكي ويستغيث من حر الحديد والم الصلب هذا وهو الذي خلق السموات والارض وقسم الارزاق والآجال ولكن اقتضت حكمته ورحمته ان يمكن اعداءه من نفسه لينالوا منه ما نالوا فيستحقوا بذلك الغذاب والسجن في الجحيم ويفدى انبياءه ورسله واولياءه بنفسه فيخرجهم من سجن ابليس فان روح آدم وابراهيم ونوح وسائر النبيين عندهم كانت في سجن ابليس في الناس حتى خلصها من سجنه بتمكينه اعداءه من صلبه

مقالة اشباه الحمير في مريم وابنها أما قولهم في مريم فانهم يقولون انها ام المسيح ابن الله في الحقيقة ووالدته في الحقيقة لا ام لابن الله الا هي ولا والدة له غيرها ولا اب لابنها الا الله والا ولد له سواه وان الله اختارها لنفسه ولولادة ولده وابنه من بين سائر النساء ولو كانت كسائر النساء لما ولدت الا عن وطء الرجال لها ولكن اختصت عن النساء بأنها حبلت بابن الله وولدت ابنه الذي لا ابن له في الحقيقة غيره ولا والد له سواه وانها على العرش جالسة عن يسار الرب تبارك وتعالى والد ابنها وابنها عن يمينه والنصارى يدعونها

ويسألونها سعة الرزق وصحة البدن وطول العمر ومغفرة الذنوب وان تكون لهم عند ابنها ووالده الذي يعتقد عامتهم انه زوجها ولا ينكرون ذلك عليهم سورا وسندا وذخرا وشفيعا وركنا ويقولون في دعائهم يا والدة الاله اشفعي لنا وهم يعظمونها ويرفعونها على الملائكة وعلى جميع النبيين والمرسلين ويسألونها ما يسأل الاله من العافية والرزق والمغفرة حتى ان اليعقوبية يقولون في مناجاتهم لها يا مريم يا والدة الاله كوني لنا سورا وسندا وذخرا وركنا والنسطورية يقولون يا والدة المسيح كوني لنا كذلك ويقولون لليعقوبية لا تقولوا يا والدة الاله وقولا يا والدة المسيح فقالت لهم اليعقوبية المسيح عندنا وعندكم اله في الحقيقة فأي فرق بيننا وبينكم في ذلك ولكنكم اردتم مصالحة المسلمين ومقاربتهم في التوحيد هذا والاوقاح الارجاس من هذه الامة تعتقد ان الله سبحانه اختار مريم لنفسه ولولده وتخطاها كما يتخطى الرجل المرأة قال النظام بعد ان حكى ذلك عنهم وهم يفصحون بهذا عند من يثقون به وقد قال ابن الاخشيد هذا عنهم في المعونة وقال اليه يشيرون الا ترون انهم يقولون من لم يكن والدا يكون عقيما والعقم آفة وعيب وهذا قول جيمعهم والى المباضعة يشيرون ومن خالط القوم وطاولهم وباطنهم عرف ذلك منهم فهذا كفرهم وشركهم برب العالمين ومسبتهم له ولهذا قال فيهم احد الخلفاء الراشدين اهينوهم ولا تظلموهم فلقد سبوا الله مسبة ما سبه اياها احد من البشر وقد اخبر النبي صلى الله عليه و سلم عن ربه في الحديث الصحيح انه قال شتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك وكذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك اما شتمه اياى فقوله اتخذ الله ولدا وانا الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد واما تكذيبه اياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس اول الخلق بأهون علي من اعادته فلو اتي الموحدون بكل ذنب وفعلوا كل قبيح وارتكبوا كل معصية ما بلغت مثقال ذرة في جنب هذا الكفر العظيم برب العالمين ومسبته هذا السب وقول العظائم فيه فما ظن هذه الطائفة برب العالمين ان يفعله بهم اذا لقوه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ويسأل المسيح على رؤس الاشهاد وهم يسمعون عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله فيقول المسيح مكذبا لهم ومتبرئا منهم سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليه شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
النصارى مخالفون للمسيح في كل فروع دينهم أيضا في الطهارة والصلاة والصوم وأكل الخنزير وتعليق الصليب
فصل فهذا اصل دينهم واساسه الذي قام عليه واما فروعه وشرائعه فهم مخالفون للمسيح في جميعها واكثر ذلك بشهادتهم واقرارهم ولكن يحيلون على البتاركة والاساقفة فان المسيح صلوات الله وسلامه عليه كان يتدين بالطهارة ويغتسل من الجنابة ويوجب غسل الحائض وطوائف النصارى عندهم ان ذلك كله غير واجب وان الانسان يقوم من على بطن المرأة ويبول ويتغوط ولا يمس ماء ولا يستجمر والبول والنجو ينحدر على ساقه وفخذه ويصلي كذلك وصلاته صحيحة تامة ولا تغوط وبال وهو يصلي لم يضره فضلا عن أن يفسو او يضرط ويقولون ان الصلاة بالجنابة والبول والغائط افضل من الصلاة بالطهارة لانها حينئذ ابعد من صلاة المسلمين واليهود والقرب الى مخالفة الامتين ويستفتح الصلاة بالتصليب بين عينيه وهذه الصلاة رب العالمين بريء منها وكذلك المسيح وسائر النبيين فان هذه بالاستهزاء اشبه منها بالعبادة وحاش المسيح ان تكون هذه صلاته او صلاة احد من الحواريين والمسيح كان يقرأ في صلاته ما كان الانبياء وبنو اسرائيل يقرؤنه في صلاتهم من التوراة والزبور وطوائف النصارى انما يقرؤن في صلاتهم كلاما قد لحنه لهم الذين يتقدمون ويصلون بهم يجري مجرى النوح والاغاني فيقولون هذا قداس فلان وهذا قداس وفلان ينسبونه الى الذين وضعوه وهم يصلون الى الشرق وما صلى المسيح الى الشرق قط وما صلى الى أن توفاه الله الا الى بيت المقدس وهي قبلة داود والانبياء قبله وقبلة بني اسرائيل والمسيح اختتن واوجب الختان كما اوجبه موسى وهارون والانبياء قبل المسيح والمسيح حرم الخنزير ولعن آكله وبالغ في ذمه والنصارى تقر بذلك ولقى الله ولم يطعم من لحمه بوزن شغيرة والنصارى تتقرب اليه بأكله والمسيح ما شرع لهم هذا الصوم الذي يصومونه قط ولا صامه في عمره مرة واحدة ولا أحد من اصحابه ولا صام صوم العذارى في عمره ولا أكل في الصوم ما يأكلونه ولا حرم فيه ما يحرمونه ولا عطل السبت يوما واحدا حتى لقي الله ولا اتخذ الاحد عيدا قط والنصارى تقر انه رقي مريم المجد الا نسية فأخرج منها سبع شياطين وان الشياطين قالت له اين نأوى فقال لها اسلكي هذه الدابة النجسة يعني الخنزير فهذه حكاية النصارى عنه وهم يزعمون ان الخنزير من اطهر الدواب واجملها والمسيح سار في الذبائح والمناكح والطلاق والمواريث والحدود سيرة الانبياء قبله
الراهب والقسيس يغفر ذنوبهم ويطيب لهم نسائهم وليس عند النصارى على من زنا او لاط او سكر حد في الدنيا ابدا ولا عذاب في الاخرة لان القس والراهب يغفره لهم فكلما اذنب احدهم ذنبا اهدى للقس هدية او اعطاه درهما او غيره ليغفر له به واذا زنت امرأة احدهم بيتها عند القس ليطيبها له فاذا انصرفت من عنده واخبرت زوجها ان القس طيبها قبل ذلك منها وتبرك به

المسيح لم يفوض الاساقفة والبتاركة في التشريع مناقضة النصارى ولليهود
وهم يقرون ان المسيح قال انما جئتكم لاعمل بالتوراة وبوصايا الانبياء قبلي وما جئت ناقضا بل متمما ولان تقع السماء على الارض ايسر عند الله من ان انقض شيئا من شريعة موسى ومن نقض شيئا من ذلك يدعى ناقضا في ملكوت السماء وما زال هو واصحابه كذلك الى ان خرج من الدنيا وقال لاصحابه اعملوا بما رأيتموني اعمل وارضوا من الناس بما ارضيتكم به ووصوا الناس بما وصيتكم به وكونوا معهم كما كنت معكم وكونوا لهم كما كنت لكم وما زال اصحاب المسيح بعده على ذلك قريبا من ثلاثمائة سنة ثم اخذ القوم في التغيير والتبديل والتقرب الى الناس بما يهوون ومكايدة اليهود ومناقضتهم بما فيه ترك دين المسيح والانسلاخ منه جملة
فرأوا اليهود قد قالوا في المسيح انه ساحر مجنون ممخرق ولد زنية فقالوا هو اله تام وهو ابن الله ورأوا اليهود يختتنون فتركوا الختان ورأوهم يبالغون في الطهارة فتركوها جملة ورأوهم يتجنبون مؤاكلة الحائض وملامستها ومخالطتها جملة فجامعوها ورأوهم يحرمون الخنزير فاباحوه وجعلوه شعار دينهم ورأوهم يحرمون كثيرا من الذبائح والحيوان فأباحوا ما دون الفيل الى البعوضة وقالوا كل ماشئت ودع ما شئت لا حرج ولأوهم يستقبلون بيت المقدس في الصلاة فاستقبلوا هم الشرق ورأوهم يحرمون على الله نسخ شريعة شرعها فجوزا هم لاساقفتهم وبتاركتهم ان ينسخوا ما شاؤا ويحللوا ما شاؤا ويحرموا ما شاؤا ورأوهم يحرمون السبت ويحفظونه فحرموا هم الاحد واحلوا السبت مع اقرارهم بان المسيح كان يعظم السبت ويحفظه ورأوهم ينفرون من الصليب فان في التوراة ملعون من تعلق بالصليب والنصارى تقر بهذا فعبدوا هم الصليب كما ان في التوراة تحريم الخنزير نصا فتعبدوا هم باكله وفيها الامر

بالختان فتعبدوا هم بتركه مع اقرار النصارى بان المسيح قال لاصحابه انما جئتكم لاعمل بالتوراة ووصايا الانبياء قبلي وما جئت ناقضا بل متمما ولان تقع السماء على الارض ايسر عند الله من أن أنقض شيئا من شريعة موسى فذهبت النصارى تنقضها شريعة شريعة في مكايدة اليهود ومغايظتهم وانضاف الى هذا السبب ما في كتابهم المعروف عندهم بافر كسيس ان قوما من النصارى خرجوا من بيت المقدس واتو انطاكية وغيرها من الشام فدعوا الناس الى دين المسيح الصحيح فدعوهم الى العلم بالتوراة وتحريم ذبائح من ليس من اهلها والى الختان واقامة السبت وتحريم الخنزير وتحريم ما حرمته التوراة فشق ذلك على الامم واستثقلوه فاجتمع النصارى ببيت المقدس وتشاوروا فيما يحتالون به على الامم ليحببوهم الى دين المسيح ويدخلوا فيه فاتفق رأيهم على مداخلة الامم والترخيص لهم والاختلاط بهم واكل ذبائحم والانحطاط في أهوائهم والتخلق بأخلاقهم وانشاء شريعة تكون بين شريعة الانجيل وما عليه الامم وأنشأوا في ذلك كتابا فهذا احد مجامعهم الكبار وكانوا كلما ارادوا احداث شيء اجتمعوا مجمعا وافترقوا فيه على ما يريدون احداثه الى ان اجتمعوا المجمع الذي لم يجتمع لهم اكبر منه في عهد قسطنطين الرومي ابن هيلانة الحرانية الفندقية وفي زمنه بدل دين المسيح وهو الذي أشاد دين النصارى المبتدع وقام به وقعد وكان عدتهم زهاء الفي رجل فقرروا تقريرا ثم رفضوه ولم يرتضوه ثم اجتمع ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا منهم والنصارى يسمونهم الآباء فقرروا هذا التقرير الذي هم عليه اليوم وهو أصل الاصول عند جميع طوائفهم لا يتم لاحد منهم نصرانية الا به ويسمونه سنهودس وهي الامانة

أمانة المثلثة اكبر خيانة ولفظها نؤمن بالله الاب الواحد خالق مايرى وما لا يرى وبالرب الواحد اليسوع المسيح ابن الله بكر ابيه وليس بمصنوع اله حق من اله حق من جوهر ابيه الذي بيده اتقنت العوالم وخلق كل شيء الذي من اجلنا معشر الناس ومن اجل خلاصنا نزل من الساء وتجسد من روح القدس ومن مريم البتول وحبلت به مريم البتول وولدته واخذ وصلب وقتل ايام فيلاطس الرومي ومات ودفن وقام في اليوم الثالث كما هو مكتوب وصعد الى السماء وجلس عن يمين ابيه وهو مستعد للمجيء تارة اخرى للقضاء بين الاموات والاحياء ونؤمن بالرب الواحد روح القدس روح الحق الذي يخرج من ابيه روح محبته وبمعمودية واحدة لغفران الخطايا وبجماعة واحدة قديسية سليحية جاثليقية وبقيام ابداننا وبالحياة الدائمة الى ابد الابدين فصرحوا فيها بان المسيح رب وانه ابن الله

وانه بكره ليس له ولد غيره وانه ليس بمصنوع أي ليس بعبد مخلوق بل هو رب خلاق وكانه اله حق استل وولد ومن اله حق وانه مساو لابيه في الجوهر وانه بيده اتقنت العوالم وهذه اليد التي اتقنت العوالم بها عندهم وهي التي ذاقت حر المسامير كما صرحوا به في كتبهم وهذه الفاظهم قالوا وقد قال القدوة عندنا ان اليد التي سمرها اليهود في الخشبة هي اليد التي عجنت طين آدم وخلقته وهي اليد التي شبرت السماء وهي اليد التي كتبت التوراة لموسى قالوا وقد وصفوا صنيع اليهود به وهذه الفاظهم وانهم لطموا الاله وضربوه على راسه قالوا وفي بشارة الانبياء به ان الاله تحبل به امرأة عذراء وتلده ويؤخذ ويصلب ويقتل قالوا واما سنهودس دون الامم قد اجتمع عليه سبعمائة من الاباء وهو القدوة وفيه أن مريم حبلت بالاله وولدته وارضعته وسقته واطعمته قالوا وعندنا ان المسيح ابن أدم وهو ربه وخالقه ورازقه وابن ولده ابراهيم وربه وخالقه ورازقه وابن اسرائيل وربه وخالقه ورازقه وابن مريم وربها وخلقها ورازقها قالوا وقد قال علماؤنا ومن هو القدوة عند جميع طوائفنا اليسوع في البدء ولم يزل كلمة والكلمة لم تزل الله والله هو الكلمة فذاك الذي ولدته مريم وعاينه الناس وكان بينهم هو الله وهو ابن الله وهو كلمة الله هذه الفاظهم قالوا فالقديم الازلي خالق السموات والارض هو الذي عاينه الناس بأبصارهم ولمسوه بأيديهم وهو الذي حبلت به مريم وخاطب الناس من بطنها حيث قال للاعمى انت مؤمن بالله قال الاعمى ومن هو حتى اومن به قال هوالمخاطب لك ابن مريم فقال آمنت بك وخر ساجدا قالوا فالذي حبلت به مريم هو الله وابن الله وكلمة الله وقالوا وهو الذي ولد ورضع وفطم واخذ وصلب وصفع وكتفت يداه وسمر وبصق في وجهه ومات ودفن وذاق ألم الصلب والتسمير والقتل لاجل خلاص النصارى من خطاياهم قالوا وليس المسيح عند طوائفنا الثلاثة بنبي ولا عبد صالح بل هو رب الانبياء وخالقهم وباعثهم ومرسلهم وناصرهم ومؤيدهم ورب الملائكة قالوا وليس مع امه بمعنى الخلق والتدبير واللطف والمعونة فانه لا يكون لها بذلك مزية على سائر الاناث ولا الحيوانات ولكنه معها بحبلها به واحتواء بطنها عليه فلهذا فارقت اناث جميع الحيوانات وفارق ابنها جميع الخلق فصار الله وابنه الذي نزل من السماء وحبلت به مريم وولدته الها واحدا وربا واحدا وخالقا واحدا لا يقع بينهما فرق ولا يبطل الاتحاد بينهما بوجه من الوجوه لا في حبل ولا في ولادة ولا في حال نوم ولا مرض ولا صلب ولا موت ولا دفن بل هو متحد به في حال الحبل فهو في تلك الحال مسيح واحد وخالق واحد واله واحد ورب واحد وفي حال الولادة كذلك وفي حال

الصلب والموت كذلك قالوا فمنا من يطلق في لفظه وعبارته حقيقة هذا المعنى فيقول مريم حبلت بالاله وولدت الاله ومات الاله ومنا من يمتنع من هذه العبارة لبشاعة لفظها ويعطي معناها وحقيقتها ويقول مريم حبلت بالمسيح في الحقيقة وولدت المسيح في الحقية وهي ام المسيح في الحقيقة والمسيح اله في الحقيقة ورب في الحقيقة وابن الله في الحقيقة وكلمة الله في الحقيقة لا ابن لله في الحقيقة سواه ولا اب للمسيح في الحقيقة الا هو قالوا فهؤلاء يوافقون في المعنى قول من قال حبلت بالاله وولدت الاله وقتل الاله وصلب الاله ومات ودفن وان منعوا اللفظ والعبارة قالوا وانما منعنا هذه العبارة التي اطلقها اخواننا لئلا يتوهم علينا اذا قلنا حبلت بالاله وولدت الاله والم الاله ومات الاله ان هذا كله حل ونزل بالاله الذي هو اب ولكنا نقول حل هذا كله ونزل بالمسيح والمسيح عندنا وعند طوائفنا اله تام من اله تام من جوهر ابيه فنحن واخواننا في الحقيقة شيء واحد لا فرق بيننا الا في العبارة فقط قالوا فهذا حقيقة ديننا وايماننا والآباء والقدوة قد قالوه قبلنا وسنوه لنا ومهدوه وهم أعلم بالمسيح منا ولا تختلف المثلثة عباد الصليب من اولهم الى آخرهم ان المسيح ليس بنبي ولا عبد صالح ولكنه اله حق من اله حق من جوهر ابيه وانه اله تام من اله تام وانه خالق السموات والارضين والاولين والاخرين ورازقهم ومحييهم ومميتهم وباعثهم من القبور وحاشرهم ومحاسبهم ومثيبهم ومعاقبهم والنصارى تعتقد ان الاب انخلع من ملكه كله وجعله لابنه فهو الذي يخلق ويرزق ويميت ويحي ويدبر امر السموات والارض الا تراهم يقولون في امانتهم ابن الله وبكر ابيه وليس بمصنوع الى قولهم بيده اتقنت العوالم وخلق كل شيء الى قولهم وهو مستعد للمجيء تارة اخرى لفصل القضاء بين الاموات والاحياء ويقولون في صلواتهم ومناجاتهم انت أيها المسيح اليسوع تحيينا وترزقنا وتخلق اولادنا وتقيم اجسادنا وتبعثنا وتجازينا

المسيح يكذب دعوى ربوبيته والهيته ويصرح بأنه نبي بشر
وقد تضمن هذا كله تكذيبهم الصريح للمسيح وان اوهمتهم ظنونهم الكاذبة انهم يصدقونه فان المسيح قال لهم ان الله ربي وربكم والهي والهكم فشهد على نفسه انه عبد لله مربوب مصنوع كما انهم كذلك وانه مثلهم في العبودية والحاجة والفاقة الى الله وذكر انه رسول الله الى خلقه كما أرسل الانبياء قبله ففي انجيل يوحنا ان المسيح قال في دعائه ان الحياة الدائمة انما تجب للناس بان يشهدوا انك أنت الله الواحد

الحق وانك ارسلت ايسوع المسيح وهذا حقيقة شهادة المسلمين ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله وقال لبني اسرائيل تريدون قتلي وانا رجل قلت لكم الحق الذي سمعت الله يقول فذكر ماغايته أنه رجل بلغهم ما قاله الله ولم يقل وأنا إله ولا ابن الاله على معنى التوالد وقال اني لم اجي لأعمل بمشيئة نفسي ولكن بمشيئة من ارسلني وقال ان الكلام الذي تسمعونه مني ليس من تلقاء نفسي ولكن من الذي ارسلني والويل لي ان قلت شيئا من تلقاء نفسي ولكن بمشيئة هو من ارسلني وكان يواصل العبادة من الصلاة والصوم ويقول ما جئت لاخدم انما جئت لاخدم فأنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله الله بها وهي منزلة الخدام وقال لست أدين العباد بأعمالهم ولا احاسبهم بأعمالهم ولكن الذي ارسلني هو الذي يلي ذلك منهم كل هذا في الانجيل الذي بأيدي النصارى وفيه أن المسيح قال يا رب قد علموا انك قد أرسلتني وقد ذكرت لهم اسمك فأخبر أن الله ربه وانه عبده ورسوله وفيه ان الله الواحد رب كل شيء ارسل من ارسل من البشر الى جميع العالم ليقبلوا الى الحق وفيه انه قال ان الاعمال التي اعمل هي الشاهدات لي بأن الله أرسلني الى هذا العالم وفيه ما ابعدني واتعبني ان احدثت شيئا من قبل نفسي ولكن اتكلم واجيب بما علمني ربي وقال ان الله مسحني وارسلني وانا عبد الله وانما اعبد الله الواحد ليوم الخلاص وقال ان الله عز و جل ما اكل ولا ياكل وما شرب ولا يشرب ولم ينم ولا ينام ولا ولد له ولا يلد ولا يولد ولا رآه احد ولا يراه احد الا مات وبهذا يظهر لك سر قوله تعالى في القرآن ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام تذكيرا للنصارى بما قال لهم المسيح وقال في دعائه لما سأل ربه أن يحي الميت انا أشكرك واحمدك لانك تجيب دعائي في هذا الوقت وفي كل وقت فأسألك ان تحيي هذا الميت ليعلم بنو اسرائيل انك ارسلتني وانك تجيب دعائي وفي الانجيل ان المسيح حين خرج من السامرية ولحق بجلجال قال لم يكرم أحد من الانبياء في وطنه فلم يزد على دعوى النبوة وفي انجيل لوقا لم يقتل احد من الانبياء في وطنه فيكف تقتلونني وفي انجيل مرقس ان رجلا أقبل الى المسيح وقال ايها المعلم الصالح أي خير اعمل لانال الحياة الدائمة فقال له المسيح لم قلت صالحا إنما الصالح الله وحده وقد عرفت الشروط لا تسرق ولا تزن ولا تشهد بالزور ولا تخن واكرم أباك وامك وفي انجيل يوحنا ان اليهود لما ارادوا قبضه رفع بصره الى السماء وقال قد دنا الوقت يا الهي فشرفني لديك واجعل لي سبيلا ان املك كل من ملكتني الحياة الدائمة

وانما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك الها واحدا وبالمسيح الذي بعثت وقد عظمتك على أهل الارض واحتملت الذي أمرتني به فشرفني فلم يدع سوى انه عبد مرسل مأمور مبعوث وفي انجيل متى لا تنسبوا اباكم الذي على الارض فان أباكم الذي في السماء وحده ولا تدعوا معلمين فانما معلمكم المسيح وحده والاب في لغتهم الرب المربي أي لا تقولوا إلهكم وربكم في الارض ولكنه في السماء ثم انزل نفسه بالمنزلة التي انزله بها ربه ومالكه وهو ان غايته انه يعلم في اكتوبر والههم هو الذي في السماء وفي انجيل لوقا حين دعا الله فأحيا ولد المرأة فقالوا ان هذا النبي لعظيم وان الله قد تفقد امته وفي انجيل يوحنا ان المسيح اعلن صوته في البيت وقال لليهود قد عرفتموني وموضعي ولم آت من ذاتي ولكن بعثني الحق وانتم تجهلونه فان قلت اني اجهله كنت كاذبا مثلكم وانا اعلم وانتم تجهلونه اني منه وهو بعثني فما زاد في دعواه على ما ادعاه الانبياء فأمسكت المثلثة قوله اني منه وقالوا اله حق من اله حق وفي القرآن رسول من الله وقال هود ولكني رسول من رب العالمين وكذلك قال صالح ولكن امة الضلال كما أخبر الله عنهم يتبعون المتشابه ويردون المحكم وفي الانجيل ايضا انه قال لليهود وقد قالوا اله نحن ابناء الله فقال لهم لو كان الله أباكم لاطعتموني لاني رسول منه خرجت مقبلا ولم اقبل من ذاتي ولكن هو بعثني لكنكم لا تقبلون وصيتي وتعجزون عن سماع كلامي انما انتم ابناء الشيطان وتريدون اتمام شهواته وفي الانجيل ان اليهود احاطت به وقالت له الى متى تخفي امرك ان كنت المسيح الذي ننتظره فاعلمنا بذلك ولم تقل ان كنت الله او ابن الله فانه لم يدع ذلك عليه فبعثوا لذلك الاعوان وان الاعوان رجعوا الى قوادهم فقالوا لهم لم لم تأخذوه فقالوا ما سمعنا آدميا أنصف منه فقالت اليهود وانتم ايضا مخدوعون اترون انه آمن به احد من القواد او من رؤساء اهل الكتب فقال لهم بعض اكابرهم اترون كتابكم يحكم على احد قبل ان يسمع منه فقالوا له اكشف الكتب ترى انه لا يجيء من جلحال نبي فما قالت اليهود ذلك الا وقد انزل نفسه بالمنزلة التي انزله بها ربه ومالكه انه نبي ولو علمت من دعواه الالهية لذكرت ذلك له وانكرته عليه وكان اعظم اسباب التنفير عن طاعته لان كذبه كان يعلم بالحس والعقل والفطرة واتفاق الانبياء
ولقد كان يجب لله سبحانه لو سبق في حكمته انه يبرز لعباده وينزل عن كرسي عظمته ويباشرهم بنفسه ان لا يدخل في فرج امرأة ويقيم في بطنها بين البول والنجو

والدم عدة أشهر واذ قد فعل ذلك لا يخرج صبيا صغيرا يرضع ويبكي واذ قد فعل ذلك لا يأكل مع الناس ويشرب معهم وينام واذ قد فعل ذلك فلا يبول ولا يتغوط ويمتنع من الخرأة اذ هي منقصة ابتلى بها الانسان في هذه الدار لنقصه وحاجته وهو تعالى المختص بصفات الكمال المنعوت بنعوت الجلال الذي ما وسعته سمواته ولا ارضه وكرسيه وسع السموات والارض فكيف وسعه فرج امرأة تعالى الله رب العالمين وكلكم متفقون على ان المسيح كان يأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينام

ما يراد بلفظ الاب والرب والاله والسيد في كتبهم التي اشتبهت عليهم اسئلة على الهية المسيح تنتظر الجواب من عباد الصليب
فيامعشر المثلثة وعباد الصليب اخبرونا من كان الممسك للسموات والارض حين كان ربها وخالقها مربوطا على خشبة الصليب وقد شدت يداه ورجلاه بالحبال وسمرت اليد التي اتقنت العوالم فهل بقيت السموات والارض خلوا من الهها وفاطرها وقد جرى عليه هذا الامر العظيم ام تقولون استخلف على تدبيرها غيره وهبط عن عرشه لربط نفسه على خشبة الصليب وليذوق حر المسامير وليوجب اللعنة على نفسه حيث قال في التوراة ملعون من تعلق بالصليب ام تقولون كان هو المدبر لها في تلك الحال فكيف وقد مات ودفن ام تقولون وهو حقيقة قولكم لا ندري ولكن هذا في الكتب وقد قاله الآباء وهم القدوة والجواب عليهم فنقول لكم وللآباء معاشر المثلثة عباد الصليب ما الذي دلكم على الهية المسيح فان كنتم استدللتم عليها بالقبض من اعدائه عليه وسوقه الى خشبة الصليب وعلى رأسه تاج من الشوك وهم يبصقون في وجهه ويصفعونه ثم اركبوه ذلك المركب الشنيع وشدوا يديه ورجليه بالحبال وضربوا فيها المسامير وهو يستغيث وتعلق ثم فاضت نفسه واودع ضريحه فما اصحه من استدلال عند امثالكم ممن هم اضل من الانعام وهم عال على جميع الانام وان قلتم انما استدللنا على كونه الها بانه لم يولد من البشر ولو كان مخلوقا لكان مولودا من البشر فان كان هذا الاستدلال صحيحا فآدم اله المسيح وهو احق بأن يكون الها منه لانه لا ام له ولا اب والمسيح له ام وحوا ايضا اجعلوها الها خامسا لانها لا ام لها وهي اعجب من خلق المسيح والله سبحانه قد نوع خلق آدم وبينه اظهارا لقدرته وانه يفعل ما يشاء فخلق آدم لا من ذكر ولا من انثى وخلق زوجه حوى من ذكر لا من انثى وخلق عبده المسيح من انثى لا من ذكر وخلق سائر النوع من ذكر وانثى وان قلتم استدللنا على كونه الها بانه احيا الموتى ولا يحييهم الا الله فاجعلوا موسى الها

آخر فانه اتى من ذلك بشيء لم يأت المسيح بنظيره ولا ما يقاربه وهو جعل الخشبة حيوانا عظيما ثعبانا فهذا ابلغ واعجب من اعادة الحياة الى جسم كانت فيه اولا فان قلتم هذا غير احياء الموتى فهذا اليسع النبي اتى باحياء الموتى وهم يقرون بذلك وكذلك ايليا النبي ايضا احيا صبيا باذن الله وهذا موسى قد احيا باذن الله السبعين الذين ماتوا من قومه وفي كتبكم من ذلك كثير عن الانبياء والحواريين فهل صار احد منهم الها بذلك وان قلتم جعلناه الها للعجائب التي ظهرت على يديه فعجائب موسى اعجب واعجب وهذا ايليا النبي بارك على دقيق العجوز ودهنها فلم ينفد ما في جرابها من الدقيق وما في قارورتها من الدهن سبع سنين وان جعلتموه الها لكونه اطعم من الارغفة اليسيرة آلافا من الناس فهذا موسى قد اطعم امته اربعين سنة من المن والسلوى وهذا محمد بن عبد الله قد اطعم العسكر كله من زاد يسير جدا حتى شبعوا وملؤا اوعيتهم وسقاهم كلهم من ماء يسير لا يملأ اليد حتى ملؤا كل سقاء في العسكر وهذا منقول عنه بالتواتر وان قلتم جعلناه الها لانه صاح بالبحر فسكنت امواجه فقد ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق اثني عشر طريقا وقام الماء بين الطرق كالحيطان وفجر من الحجر الصلد اثني عشر عينا سارحة وان جعلتموه الها لانه ابرأ الاكمه والابرص فأحياء الموتى اعجب من ذلك وآيات موسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين اعجب من ذلك وان جعلتموه الها لانه ادعى ذلك فلا يخلوا اما ان يكون الامر كما تقولون عنه او يكون انما ادعى العبودية والافتقار وانه مربوب مصنوع مخلوق فان كان كما ادعيتم عليه فهو اخو المسيح الدجال وليس بمؤمن ولا صادق فضلا عن ان يكون نبيا كريما وجزاؤه جهنم وبئس المصير كما قا تعالى ومن يقل منهم إني أله من دونه فذلك نجزيه جهنم وكل من ادعى الالهية من دون الله فهو من اعظم اعداء الله كفرعون ونمرود ومثالهما من اعداء الله فاخرجتم المسيح عن كرامة الله ونبوته ورسالته وجعلتموه من اعظم اعداء الله ولهذا كنتم اشد الناس عداوة للمسيح في صورة محب موال ومن اعظم ما يعرف به كذب المسيح الدجال انه يدعي الالهية فيبعث الله عبده ورسوله مسيح الهدى ابن مريم فيقتله ويطهر للخلائق انه كان كاذبا مفتريا ولو كان الها لم يقتل فضلا عن ان يصلب ويسمر ويبصق في وجهه وان كان المسيح انما ادعى انه عبد ونبي ورسول كما شهدت به الاناجيل كلها ودل عليه العقل والفطرة وشهدتم انتم له بالالهية وهذا هو الواقع فلم تأتوا على الهيته ببينة غير تكذيبه في دعواه وقد ذكرتم عنه في اناجيلكم في مواضع عديدة ما يصرح بعبوديته وانه مربوب

مخلوق وانه ابن البشر وانه لم يدع غير النبوة والرسالة فكذبتموه في ذلك كله وصدقتم من كذب على الله وعليه وان قلتم انما جعلناه الها لا لانه اخبر بما يكون بعده من الامور فكذلك عامة الانبياء وكثير من الناس يخبر عن حوادث في المستقبل جزئية ويكون ذلك كما اخبر به ويقع من ذلك كثير للكهان والمنجمين والسحرة وان قلتم انما جعلناه الها لانه سمى نفسه ابن الله في غير موضع من الانجيل كقوله اني ذاهب الى ابي واني سائل ابي ونحو ذلك وابن الاله اله قيل فاجعلوا انفسكم كلكم آلهة في غير موضع انه سماه اباه واباهم كقوله اذهب الى ابي وابيكم وفيه ولا تسبوا اباكم على الارض فان اباكم الذي في السماء وحده وهذا كثير في الانجيل وهو يدل على ان الاب عندهم الرب وان جعلتموه الها لان تلاميده ادعوا ذلك له وهم اعلم الناس به كذبتم اناجيلكم التي بأيديكم فلكها صريحة اظهر صراحة بأنهم ما ادعوا له الا ما ادعاه لنفسه من أنه عبد فهذا متى يقول في الفصل التاسع من انجيله محتجا بنبوة شعيا في المسيح عن الله عز و جل هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي ارتاحت نفسي له وفي الفصل الثامن من انجيله اني اشكرك يا رب ويا رب السموات والارض وهذا لوقا يقول في آخر انجيله ان المسيح عرض له ولآخر من تلاميذه في الطريق ملك وهما محزونان فقال لهما وهما لا يعرفانه ما بالكما محزونين فقالا كانك غريب في بيت المقدس اذ كنت لا تعلم ما حدث فيها في هذه الايام من امر الناصري فانه كان رجلا نبيا قويا تقيا في قوله وفعله عند الله وعند الامة اخذوه واقتلوه وهذا كثير جدا في الانجيل وان قلتم انما جعلناه الها لانه صعد الى السماء فهذا اخنوخ والياس قد صعدا الى السماء وهما حيان مكرمان لم تشكهما شوكة ولا طمع فيهما طامع والمسلمون مجمعون على ان محمد صلى الله عليه و سلم صعد الى السماء وهو عبد محض وهذه الملائكة تصعد الى السماء وهذه ارواح المؤمنين تصعد الى السماء بعد مفارقتها الابدان ولا تخرج بذلك عن العبودية وهل كان الصعود الى السماء مخرج عن العبودية بوجه من الوجوه وان جعلتموه الها لان الانبياء سمته الها وربا وسيدا ونحو ذلك فلم يزل كثير من اسماء اله عز و جل تقع على غيره عند جميع الامم وفي سائر الكتب وما زالت الروم والفرس والهند والسريانيون والعبرانيون والقبط وغيرهم بسمون ملوكهم آلهة واربابا وفي السفر الاول من التوراة ان نبي الله دخلوا على نبات الياس ورأوهن بارعات الجمال فتزوجوا منهن وفي السفر الثاني من التوراة في قصة المخرج من مصر اني جعلتك الها لفرعون

وفي المزمور الثاني والثمانين لداود قام الله لجميع الآلهة هكذا في العبرانية وأما من نقله الى السريانية فانه حرفه فقال قام الله في جماعة الملائكة وقال في هذا المزمور وهو يخاطب قوما بالروح لقد ظننت انكم آلهة وانكم ابناء الله كلكم وقد سمى الله سبحانه عبده بالملك كما سمى نفسه بذلك وسماه بالرؤوف الرحيم كما سمى نفسه بذلك وسماه بالغزيز وسمى نفسه بذلك واسم الرب واقع على غير الله تعالى في لغة امة التوحيد كما يقال هذا رب المنزل ورب الابل ورب هذا المتاع وقد قال شعيا عرف الثور من اقتناه والحمار مربط ربه ولم يعرف بنو اسرائيل
وان جعلتموه الها لانه صنع من الطين صورة طائر ثم نفخ فيها فصارت لحما ودما وطائرا حقيقة ولا يفعل هذا الا الله قيل فاجعلوا موسى بن عمران اله الآلهة فانه القى عصا فصارت ثعبانا عظيما ثم أمسكها بيده فصارت عصا كما كانت وان قلتم جعلناه الها لشهادة الانبياء والرسل له بذلك قال عزرا حيث سباهم بختنصر الى ارض بابل الى اربعمائة واثنين وثمانين سنة يأتي المسيح ويخلص الشعوب والامم وعند انتهاء هذه المدة اتى المسيح ومن يطيق تخليص الامم غير الاله التام قيل لكم فاجعلوا جميع الرسل الهة فانهم خلصوا الامم من الكفر والشرك واخلصوهم من النار باذن الله وحده ولا شك أن المسيح خلص من آمن به واتبعه من ذل الدنيا وعذاب الآخرة كما خلص موسى بني اسرائيل من فرعون وقومه وخلصهم بالايمان بالله واليوم الاخر من عذاب الآخرة وخلص الله سبحانه بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله من الامم والشعوب ما لم يخلصه نبي سواه فان وجبت بذلك الالهية لعيسى فموسى ومحمد احق بها منه وان قلتم اوجبنا له بذلك الالهية لقول ارمياء النبي عن ولادته وفي ذلك الزمان يقوم لداود ابن وهو ضوء النور يملك الملك ويقيم الحق والعدل في الارض ويخلص من آمن به من اليهود ومن بني اسرائيل ومن غيرهم ويبقى بيت المقدس من غير مقاتل ويسمى الاله فقد تقدم أن اسم الاله في الكتب المتقدمة وغيرها قد اطلق على غيره وهو بمنزلة الرب والسيد والاب ولو كان عيسى هو الله لكان اجل من ان يقال ويسمى الاله وكان يقول وهو الله فان الله سبحانه لا يعرف بمثل هذا وفي هذا الدليل الذي جعلتموه به الها اعظم الادلة على انه عبد وانه ابن البشر فانه قال يقوم لداود ابن فهذا الذي قام لداود هو الذي سمى بالاله فعلم ان هذا الاسم لمخلوق مصنوع مولود لا لرب العالمين وخالق السموات والارضين
وان قلتم انما جعلناه الها من جهة قول شعيا النبي قل لصهيون يفرح ويتهلل فان الله يأتي ويخلص الشعوب ويخلص من آمن به ويخلص مدينة بيت المقدس ويظهر الله ذراعه

الطاهر فيها لجميع الامم المتبددين ويجعلهم امة واحدة ويصر جميع اهل الارض خلاص الله لانه يمشي معهم وبين ايديهم ويجمعهم اله اسرائيل قيل لهم هذا يحتاج اولا الى ان يعلم ان ذلك في نبوة اشعيا بهذا اللفظ بغير تحريف للفظه ولا غلط في الترجمة وهذا غير معلوم وان ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على انه اله تام وانه غير مصنوع ولا مخلوق فانه نظير ما في التوراة جاء الله من طور سيناء واشرق من ساعير واستعلن من جبال فاران وليس في هذا ما يدل على ان موسى ومحمدا الهان والمراد بهذا مجيء دينه وكتابه وشرعه وهداه ونوره واما قوله ويظهر دراعه الطاهر لجميع الامم المبددين ففي التوارة مثل هذا وابلغ منه في غير موضع واما قوله ويصر جميع اهل الارض خلاص الله لانه يمشي معهم ومن بين ايديهم فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني اسرائيل لا تهابوهم ولا تخافوهم لان الله ربكم السائر بين ايديكم وهو محارب عنكم وفي موضع اخر قال موسى ان الشعب هو شعبك فقال انا امضي امامك فقال ان لم تمض انت امامنا والا فلا تصعدنا من ههنا فكيف اعلم انا وهذا الشعب اني وجدت نعمة كذا الا بسيرك معنا وفي السفر الرابع اني اصعدت هؤلاء بقدرتك فيقولان لاهل هذه الارض الذي سمعوا منك الله فيما بين هؤلاء القوم يرونه عينا بعين وغمامك تغيم عليهم ويعود عماما يسير بين ايديهم نهارا ويعود نارا ليلا وفي التوراة ايضا يقول الله لموسى اني آت اليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك وفي الكتب الالهية وكلام الانبياء من هذا كثير وفيما حكى خاتم الانبياء عن ربه تبارك وتعالى انه قال ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي
وان قلتم جعناه الها لقول زكريا في نبوته صهيون لاني آتيك واحل فيك واترائي وتؤمن بالله في ذلك اليوم الامم الكثيرة ويكونون له شعبا واحدا ويحل هو فيهم ويعرفون اني انا الله القوي الساكن فيك ويأخذ الله في ذلك اليوم الملك من يهودا ويملك عليهم الى الابد قيل لكم ان اوجبتم له الالهية بهذا فلتجب لابراهيم وغيره من الانبياء فان عند اهل الكتاب وانتم معهم ان الله تجلى لابراهيم واستعلن له وترائى له واما قوله واحل فيك لم يرد سبحانه بهذا حلول ذاته التي لا تسعها السموات والارض في بيت المقدس وكيف تحل ذاته في مكان يكون فيه مقهورا مغلوبا مع شرار الخلق كيف وقد قال ويعرفون اني انا الله القوي الساكن فيك //

الجزء الثاني من كتاب : هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

//افترى عرفوا قوته بالقبض عليه وشد يديه بالحبال وربطه على خشبة الصليب ودق المسامير في يديه ورجليه ووضع تاج الشوك على رأسه وهو يستغيث ولا يغاث وما كان المسيح يدخل بيت المقدس الا وهو مغلوب مقهور مستخف في غالب احواله ولو صح مجيء هذه الالفاظ صحة لا تدفع وصحت ترجمتها كما ذكروه لكان معناها ان معرفة الله والايمان به وذكره ودينه وشرعه حل في تلك البقعة وبيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح بعد دفعه حصل فيه من الايمان بالله ومعرفته ما لم يكن قبل ذلك
وجماع الامر ان النبوات المتقدمة والكتب الالهية لم تنطق بحرف واحد يقتضي ان يكون ابن البشر الها تاما اله حق من اله حق وانه غير مصنوع ولا مربوب بل بم يخصه الا بما خص به اخوه واولى الناس به محمد بن عبد الله في قوله انه عبد الله ورسوله وكلمته القاها الى مريم وروح منه وكتب الانبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما اخبر به محمد صلى الله عليه و سلم وذلك كله يصدق بعضه بعضا وجميع ما تستدل به المثلثة عباد الصليب على الهية المسيح من الفاظ وكلمات في الكتب فانها مشتركة بين المسيح وغيره كتسميته ابا وكلمة وروح حق والها وكذلك ما اطلق من حلول روح القدس فيه وظهور الرب فيه او في مكانه

وباء حلولهم اصاب بعض مبتدعه الصوفية وعباد الجهمية وقد وقع في نظير شركهم وكفرهم طوائف من المنتسبين الى الاسلام واشتبه عليهم ما يحل في قلوب العارفين من الايمان به ومعرفته ونوره وهداه فطنوا ان ذلك نفس ذات الرب وقد قال تعالى المثل الاعلى وقال وله المثل الاعلى في السموات والارض وهو العزيز الحكيم وهو ما في قلوب ملائكته وانبيائه وعباده المؤمنين من الايمان به ومعرفته ومحبته وإجلاله وتعظيمه وهو نظير قوله فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وقوله وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون وقوله وهو الذي في السماء أله وفي الارض أله وهو الحكيم العليم فأولياء الله يعرفونه ويحبونه ويجلونه ويقال هو في قلوبهم والمراد محبته ومعرفته والمثل الاعلى في قلوبهم لانفس ذاته وهذا امر يعتاده الناس في مخاطباتهم ومحاوراتهم يقول الانسان لغيره انت في قلبي ولا زلت في عيني كما قال القائل ... ومن عجب اني أحن اليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي ... وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين اضلعي ...
وقال آخر ... خيالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فأين تغيب

وقال آخر ... ساكن في القلب يعمره ... لست أنساه فأذكره ...
وقال اخر ... إن قلت غبت فقلبي لا يصدقني ... إذ أنت فيه لم تغب ... أو قلت ما غبت قال الطرف ذا كذب ... فقد تحيرت بين الصدق والكذب ...
وقال الآخر ... أحن اليه وهو في القلب ساكن ... فيا عجبا لمن يحن لقلبه ...
ومن غلظ طبعه وكشف فهمه عن فهم مثل هذا لم يكثر عليه أن يفهم من الفاظ الكتب ان ذات الله سبحانه تحل في الصورة البشرية وتتحد بها وتمتزج بها تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا
وان قلتم اوجبنا له الالهية من قول شعيا من اعجب الاعاجيب ان رب الملائكة سيولد من البشر قيل لكم هذا مع انه يحتاج الى صحة هذا الكلام عن شعيا وانه لم يحرف بالنقل من ترجمة الى ترجمة وانه كلام منقطع عما قبله وبعده ببينة فهو دليل على انه مخلوق مصنوع وانه ابن البشر مولود منه لا من الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد
وان قلتم جعلناه الها من قول متى في انجيله ان ابن الانسان يرسل ملائكته ويجمعون كل الملوك فيلقونهم في اتون النار قيل هذا كالذي قبله سواء ولم يرد ان المسيح هو رب الارباب ولا انه خالق الملائكة وحاش لله ان يطلق عليه انه رب الملائكة بل هذا من اقبح الكذب والافتراء بل رب الملائكة اوصى الملائكة بحفظ المسيح وتأييده ونصره بشهادة لوقا النبي القائل عندهم ان الله يوصي ملائكته بك ليحفظوك ثم بشهادة لوقا ان الله ارسل له ملكا من السماء ليقويه هذا الذي نطقت به الكتب فحرف الكذابون على الله وعلى مسيحه ذلك ونسبوا الى الانبياء انهم قالوا هو رب الملائكة واذا شهد الانجيل واتفاق الانبياء والرسل ان الله يوصي ملائكته بالمسيح ليحفظوه علم ان الملائكة والمسيح عبيد الله منفذون لامره ليسوا اربابا ولا آلهة وقال المسيح لتلامذته من قبلكم فقد قبلني ومن قبلني فقد قبل من ارسلني وقال المسيح لتلامذته ايضا من انكرني قدام الناس انكرته قدام ملائكه الله وقال للذي ضرب عبد رئيس الكهنة اغمد سيفك ولا تظن اني استطيع ان ادعو الله الاب فيقيم لي اكثر من اثني عشر من الملائكة فهل يقول هذا من هو رب الملائكة والههم وخالقهم
وان اوجبتم له الالهية بما نقلتموه عن شعيا تخرج عصا من بيت نبي وينبت

منها نور ويحل فيه روح القدس روح الله روح الكلمة والفهم روح الحيل والقوة روح العلم وخوف الله وبه يؤمنون وعليه يتوكلون ويكون لهم التاج والكرامة الى دهر الداهرين قيل لكم هذا الكلام بعد المطالبة بصحة نقله عن شعيا وصحة الترجمة له باللسان العربي وانه لم يحرفه المترجم هو حجة على المثلثة عباد الصليب لا لهم فانه لا يدل على أن المسيح خالق السموات والارض بل يدل على مثل ما دل عليه القرآن وان المسيح أيد بروح القدس فانه قال ويحل فيه روح القدس روح الله روح الكلمة والفهم روح الحيل والقوة روح العلم وخوف الله ولم يقل تحل فيه حياة الله فضلا عن أن يحل الله فيه ويتحد به ويتخذ حجابا من ناسوته وهذه روح تكون مع الانبياء والصديقين وعندهم في التوراة ان الذين كانوا يعملون في قبة الزمان حلت فيهم روح الحكمة وروح الفهم والعلم هي ما يحصل به الهدى والنصر والتأييد وقوله هي روح الله لا تدل على انها صفة فضلا عن ان يكون هو الله وجبريل يسمى روح الله والمسيح اسمه روح الله
والمضاف اذا كان ذاتا قائمة بنفسها فهو اضافة مملوك الى مالك كبيت الله وناقة الله وروح الله ليس المراد به بيت يسكنه ولا ناقة يركبها ولا روح قائمة به وقد قال تعالى أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه وقال تعالى وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا فهذه الروح أيد بها عباده المؤمنين واما قوله وبه يؤمنون وعليه يتوكلون فهو عائد الى الله لا الى العصا التي تبت من بيت النبوة وقد جمع الله سبحانه بين هذين الاصلين في قوله قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا وقال موسى لقومه يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين وهو كثير في القرآن وقد اخبر انه أيده بروح العلم وخوف الله فجمع بين العلم والخشية وهما الاصلان اللذان جمع القرآن بينهما في قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وفي قول النبي صلى الله عليه و سلم انا اعلمكم بالله واشدكم له خشية وهذا شأن العبد المحض واما الاله الحق ورب العالمين فلا يلحقه خوف ولا خشية ولا يعبد غيره والمسيح كان قائما بأوراد العبادات لله أتم القيام
وان أوجبتم له الالهية بقول شعيا ان غلاما ولد لنا واننا اعطيناه كذا وكذا ورياسته على عاتقيه وبين منكبيه ويدعي اسمه ملكا عظيما عجيبا الها قويا مسلطا رئيسا قوي السلامة في كل الدهور وسلطانه كامل ليس له فناء قيل لكم ليس في هذه البشارة ما يدل على ان المراد بها المسيح بوجه من الوجوه ولو كان المراد بها

المسيح لم يدل على مطلوبهم اما المقام الاول فدلالتها على محمد بن عبد الله اظهر من دلالتها على المسيح فانه هو الذي رياسته على عاتقيه وبين منكبيه من جهتين من جهة ان خاتم النبوة علا نغض كتفيه وهو من اعلام النبوة التي اخبرت به الانبياء وعلامة ختم ديوانهم ولذلك كان في ظهوره ومن جهة انه بعث بالسيف الذي يتقلد به على عاتقه ويرفعه اذا ضرب به على عاتقه ويدل عليه قوله رئيس مسلط قوي السلامة وهذه صفة محمد صلى الله عليه و سلم المؤيد المنصور رئيس السلامة فان دينه الاسلام ومن اتبعه سلم من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة ومن استيلاء عدوه عليه والمسيح لم يسلط على اعدائه كما سلط محمد صلى الله عليه و سلم بل كان اعداؤه مسلطين عليه قاهرين له حتى عملوا به ما عملوا عند المثلثة عباد الصليب فأين مطابقة هذه الصفات للمسيح بوجه من الوجوه وهي مطابقة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم من كل وجه وهو الذي سلطانه كامل ليس له فناء الى آخر الدهور فان قيل انكم لا تدعون محمد الها بل هو عندكم عبد محض قيل نعم والله انه لكذلك عبد محض لله والعبودية اجل مراتبه واسم الاله من جهة التراجم جاء والمراد به السيد المطاع لا الاله المعبود الخالق الرازق
وان اوجبتم له الالهية من قول شعيا فيما زعمتم ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا يدعى اسمه عمانويل وعمانويل كلمة عبرانية تفسيرها بالعربية الهنا معنا فقد شهد له النبي انه اله قيل لكم بعد ثبوت هذا الكلام وتفسيره لا يدل على ان العذراء ولدت رب العالمين وخالق السموات والارضين فانه قال تلد ابنا وهذا دليل على انه ابن من جملة البنين ليس هو رب العالمين وقوله ويدعى اسمه عمانويل فانما يدل على انه يسمى بهذا الاسم كما يسمى الناس ابناءهم بأنواع من الصفات والاسماء والافعال والجمل المركبة من اسمين او اسم وفعل وكثير من اهل الكتاب يسمون اولادهم عمانويل ومن علمائكم من يقول المراد بالعذراء ههنا غير مريم ويذكر في ذلك قصة ويدل على هذا ان المسيح لا يعرف اسمه عمانويل وان كان ذلك اسمه فكونه يسمى الهنا معنا او بالله حسبي او الله وحده ونحو ذلك وقد حرف بعض المثلثة عباد الصليب هذه الكلمة وقال معناها الله معنا ورد عليهم بعض من انصف من علمائهم وحكم رشده على هواه وهداه الله للحق وبصره من عماه وقال اهذا هو القائل انا الرب ولا اله غيري وانا احيي واميت واخلق وارزق ام هو القائل لله انك انت الاله الحق وحدك الذي ارسلت اليسوع المسيح قال والاول باطل قطعا والثاني هو الذي شهد به الانجيل ويجب

تصديق الانجيل وتكذيب من زعم ان المسيح اله معبود قال وليس المسيح مخصوصا بهذا الاسم فان عمانويل اسم تسمى به النصارى واليهود اولادهما قال وهذا موجود في عصرنا هذا ومعنى هذه التسمية بينهم شريف القدر قال وكذلك السريان يسمون اولادهم عمانويل والمسلمون وغيرهم يقولون للرجل الله معك فاذا سمى الرجل بقوله الله معك كان هذا تبركا بمعنى هذا الاسم
وان اوجبتم له الالهية بقول حنقوق فيما حكيتموه عن ان الله في الارض يترائى ويختلط مع الناس ويمشي معهم ويقول ارميا ايضا بعد هذا الله يظهر في الارض وينقلب مع البشر قيل لكم هذا بعد احتياجه الى ثبوت نبوة هذين الشخصين اولا والى ثبوت هذا النقل عنهما والى مطابقة الترجمة من غير تحريف وهذه ثلاث مقامات يعز عليكم اثباتها لا يدل على ان المسيح هو خالق السموات والارض وانه اله حق ليس بمخلوق ولا مصنوع ففي التوراة ما هو من هذا الجنس وابلغ ولم يدل ذلك على ان موسى اله ولا انه خارج عن جملة العبيد وقوله يترائى مثل تجلى وظهر واستعلن ونحو ذلك من الفاظ التوراة وغيرها من الكتب الالهية وقد ذكر في التوراة ان الله تجلى وترائى لابراهيم وغيره من الانبياء ولم يدل ذلك على الالهية لاحد منه ولم يزل في عرف الناس ومخاطبتهم ان يقولوا فلان معنا وهو بين اظهرنا ولم يمت اذا كان عمله وسنته وسيرته بينهم ووصاياه يعمل بها بينهم وكذلك يقول القائل لمن مات والده ما مات من خلف مثلك وانا والدك واذا رأوا تلميذا لعالم تعلم علمه قالوا هذا فلان باسم استاذه كما كان يقال عن عكرمة هذا ابن عباس وعن ابي حامد هذا الشافعي واذا بعث الملك نائبا يقوم مقامه في بلد يقول الناس جاء الملك وحكم الملك ورسم الملك وفي الحديث الصحيح الالهي يقول الله عز و جل يوم القيامة عبدي مرضت فلم تعدني فيقول يا رب كيف اعودك وانت رب العالمين قال اما ان عبدي فلانا مرض فلم تعده اما لو عدته لوجدتني عنده عبدي جعت فلم تطعمني فيقول رب كيف اطعمك وانت رب العالمين قال اما علمت ان عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه اما لو اطعمته لوجدت ذلك عندي عبدي استسقيتك فلم تسقني فيقول رب كيف اسقيك وانت رب العالمين فيقول اما ان عبدي فلانا عطش فاستسقاك فلم تسقه اما لو سقيته لوجدت ذلك عندي وابلغ من هذا قوله تعالى ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم ومن هذا قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله فلو استحل المسلمون ما استحللتم لكان استدلالهم بذلك على ان محمدا اله من جنس استدلالكم لا فرق بينهما

وان اوجبتم له الالهية بقوله في السفر الثالث من اسفار الملوك والآن يا رب اله اسرائيل يتحقق كلامك لداود لانه حق ان يكون انه سيسكن الله مع الناس على الارض اسمعوا ايتها الشعوب كلكم ولتنصت الارض وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدا ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشارق الارض في شأن خطيئة بني يعقوب قيل لكم هذا السفر يحتاج اولا الى ان يثبت ان الذي تكلم به نبي وان هذا لفظه وان الترجمة مطابقة له وليس ذلك بمعلوم وبعد ذلك فالقول في هذا الكلام كالقول في نظائره مما ذكرتموه وما لم تذكروه وليس في هذا الكلام ما يدل على ان المسيح خالق السموات والارض وانه اله حق غير مصنوع ولا مخلوق فان قوله ان الله سيسكن مع الناس في الارض هو مثل كونه معهم واذا صار في الارض نوره وهداه ودينه ونبيه كانت هذه سكناه لا انه بذاته المقدسة نزل عن عرشه وسكن مع اهل الارض ولو قدر تقدير المحالات ان ذلك واقع لم يلزم ان يكون هو المسيح فقد سكن الرسل والانبياء قبله وبعده فما الموجب لان يكون المسيح هو الاله دون اخوانه من المرسلين اترى ذلك للقوة والسلطان الذي كان له وهو في الارض وقد قلتم انه قبض عليه وفعل به ما فعل من غاية الاهانة والاذلال والقهر فهذا ثمرة سكناه في الارض مع خلقه فان قلتم سكناه وفي الارض هو ظهوره في ناسوت المسيح قيل لكم اما الظهور الممكن المعقول وهو ظهور محبته ومعرفته ودينه كلامه فهذا لا فرق فيه بين ناسوت المسيح واما الظهور المستحيل الذي تأباه العقول والفطر والشرائع وجميع النبوات وهو ظهور ذات الرب في ناسوت مخلوق من مخلوقاته واتحاده به وامتزاجه واختلاطه فهذا محال عقلا وشرعا فلا يمكن ان تنطق به نبوة اصلا بل جميع النبوات من اولها الى آخرها متفقة على أصول

المثلثة خالفت اصول الانبياء في تقديس الله ووصفه بصفات الكمال احدها ان الله سبحانه وتعالى قديم واحد لا شريك له في ملكه ولا ند ولا ضد ولا زير ولا مشير ولا ظهير ولا شافع الا من بعد اذنه الثاني انه لا والد له ولا ولد ولا كفؤ ولا نسيب بوجه من الوجوه ولا زوجة الثالث انه غني بذاته فلا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج الى شيء مما يحتاج اليه خلقه بوجه من الوجوه الرابع انه لا يتغير ولا تعرض له الآفات من الهرم والمرض والسنة والنوم والنسيان والندم والخوف والهم والحزن ونحو ذلك الخامس انه لا يماثل شيئا من مخلوقاته بل ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله السادس انه لا يحل في شيء من مخلوقاته ولا يحل

في ذاته شيء منها بل هو بائن عن خلقه بذاته والخلق بائنون عنه السابع انه اعظم من كل شيء واكبر من كل شيء وفوق كل شيء وعال على كل شيء وليس فوقه شيء البتة الثامن انه قادر على كل شيء فلا يعجزه شيء يريده بل هو الفعال لما يريد التاسع انه عالم بكل شيء يعلم السر واخفى ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وما تسقط من ورقة الا بعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس ولا متحرك الا وهو يعلمه على حقيقته العاشر انه سميع بصير يسمع ضجيج الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء فقد احاط سمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات وعلمه بجميع المعلومات وقدرته بجميع المقدورات ونفذت مشيئته في جميع البريات وعمت رحمته جميع المخلوقات ووسع كرسيه الارض والسموات الحادي عشر انه الشاهد الذي لا يغيب ولا يسيتخلف احدا على تدبير ملكه ولا يحتاج الى من يرفع اليه حوائج عباده او يعاونه عليها او يستعطفه عليهم ويسترحمه لهم الثاني عشر انه الابدي الباقي الذي لا يضمحل ولا يتلاشى ولا يعدم ولا يموت الثالث عشر انه المتكلم الامر الناهي قائل الحق وهادي السبيل ومرسل الرسل ومنزل الكتب والقائم على كل نفس بما كسبت من الخير والشر ومجازى المحسن باحسانه والمسىء باساءته الرابع عشر انه الصادق في وعده وخبره فلا اصدق منه قيلا والا اصدق منه حديثا وهو لا يخلف الميعاد الخامس عشر انه تعالى صمد بجيمع الصمدية فيستحيل عليه ما يناقض صمديته السادس عشر انه قدوس سلام فهو المبرأ من كل عيب وأفة ونقص السابع عشر انه الكامل الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه الثامن عشر انه العدل الذي لا يجور ولا يظلم ولا يخاف عباده منه ظلما فهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب والرسل وهو من المحكم الذي لا يجوز ان تأتي شريعة بخلافه ولا يخبر نبي بخلافه اصلا فترك المثلثة عباد الصليب هذه كله وتمسكوا بالمتشابه من المعاني والمجمل من الالفاظ واقوال من ضلوا من قبل واضلوا كثرا وضلوا عن سواء السبيل واصول المثلثة ومقالتهم في رب العالمين تخالف هذا كله اشد المخالفة وتباينه اعظم المباينة

لو لم يظهر محمد بن عبد الله لبطلت بنوة سائر الانبياء بنو اسرائيل قبل موسى وبعده
فصل في انه لو لم يظهر محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم لبطلت بنوة سائر

الانبياء فظهور نبوته تصديق لنبواتهم وشهادة لها بالصدق فارساله من ايات الانبياء قبله وقد اشار سبحانه الى هذا المعنى بعينه في قوله جاء بالحق وصدق المرسلين فان المرسلين بشروا به واخبروا بمجيئه فمجيئه هو نفس صدق خبرهم فكأن مجيئه تصديقا لهم اذ هو تأويل ما اخبروا به ولا تنافي بين هذا وبين القول الآخر ان تصديقه المرسلين شهادته بصدقهم وايمانه بهم فانه صدقهم بقوله ومجيئه فشهد بصدقهم بنفس مجيئه وشهد بصدقهم بقوله ومثل هذا قول المسيح ومصدقا لما بين يديه من التوارة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد فان التوراة لما بشرت به وبنبوته كان نفس ظهوره تصديقا لها ثم بشر برسول يأتي من بعده فكان ظهور الرسول المبشر به تصديقا له كما كان ظهوره تصديقا للتوراة فعادة الله في رسله ان السابق يبشر باللاحق واللاحق يصدق السابق فلو لم يظهر محمد بن عبد الله ولم يبعث لبطلت نبوة الانبياء قبله والله سبحانه لا يخلف وعده ولا يكذب خبره وقد كان بشر ابراهيم وهاجر بشارات بينات ولم نرها تمت ولا ظهرت الا بظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد بشرت هاجر من ذلك بما لم تبشر به امرأة من العالمين غير مريم ابنة عمران بالمسيح على ان مريم بشرت به مرة واحدة وبشرت هاجر باسماعيل مرتين وبشر به ابراهيم مرارا ثم ذكر الله سبحانه هاجر بعد وفاتها كالمخاطب لها على السنة الانبياء ففي التوراة ان الله تعالى قال لابراهيم قد اجبت دعائك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته وعظمته هكذا في ترجمة بعض المترجمين واما في الترجمة التي ترجمها اثنان وسبعون حبرا من احبار اليهود فانه يقول وسيلد اثني عشر امة من الامم وفيها لما هربت هاجر من سارة ترائي لها ملك الله وقال يا هاجر امة سارة من اين اقبلت والى اين تذهبين قالت هربت من سيدتي فقال لها الملك ارجعي الى سيدتك واخضعي لها فاني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون كثرة وها انت تحبلين وتلدين ابنا تسميه اسماعيل لان الله قد سمع بذلك خشوعك وهو يكون عين الناس ويكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة اليه بالخضوع ويكون مسكنه على تخوم جميع اخوته وفي موضع آخر قصة اسكانها وابنها اسماعيل في برية فاران وفيها فقال لها الملك يا هاجر ليفرح روعك فقد سمع الله تعالى صوت الصبي قومي فاحمليه وتمسكي به فان الله جاعله لامة عظيمة وان الله فتح عليها فاذا ببئر ماء فذهبت وملأت المزادة منه وسقت الصبي منه

وكان الله معها ومع الصبي حتى تربى وكان مسكنه في برية فاران فهذه أربع بشارات خالصة لام اسماعيل نزلت اثنتان منها على ابراهيم واثنتان على هاجر وفي التوراة ايضا بشارات اخر باسماعيل وولده وانهم امة عظيمة جدا وان نجوم السماء تحصى ولا يحصون وهذه البشارة انما تمت بظهور محمد بن عبد الله وامته
فان بني اسحق كاوا لم يزالوا مطرودين مشردين خولا للفراعنه والقبط حتى انقذهم الله بنبيه وكليمه موسى بن عمران واورثتهم ارض الشام فكانت كرسي مملكتهم ثم سلبهم ذلك وقطعهم في الارض امما مسلوبا عزهم وملكهم قد اخذتهم سيوف السودان وعلتهم اعلاج الحمران حتى اذا ظهر النبي صلى الله عليه و سلم تمت تلك النبوات وظهرت تلك البشارات بعد دهر طويل وعلت بنو اسماعيل على من حولهم فهشموهم هشما وطحنوهم طحنا وانتشروا في آفاق الدنيا ومدت الامم ايديهم اليهم بالذل والخضوع وعلوهم علو الثريا فيما بين الهند والحبشة والسوس الاقصى وبلاد الترك والصقالبة والخزر وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى امواج البحرين وظهر ذكر ابراهيم على السنة الامم فليس صبي من بعد ظهور النبي صلى الله عليه و سلم ولا امرأة ولا حر ولا عبد ولا ذكر ولا انثى الا وهو يعرف ابراهيم وآل ابراهيم
واما النصرانية وان كانت قد ظهرت في امم كثيرة جليلة فانه لم يكن لهم في محل اسماعيل وامه هاجر سلطان ظاهر ولا عز قاهر البتة ولا صارت ايدى هذه الامة فوق ايدى الجميع ولا امتدت اليهم ايدي الامم بالخضوع وكذلك سائر ما تقدم من البشارات التي تفيد بمجموعها العلم القظعي بأن المراد بها محمد بن علد الله صلى الله عليه و سلم وامته فانه لو لم يقع تأويلها بظهوره صلى الله عليه و سلم لبطلت تلك النبوات ولهذا لما علم الكفار من اهل الكتاب انه لا يمكن الايمان بالانبياء المتقدمين الا بالايمان بالنبي الذي بشروا به قالوا نحن في انتظاره ولم يجيء بعد ولما علم بعض الغلاة في كفره وتطذيبه منهم ان هذا النبي في ولد اسماعيل انكروا ان يكون لابراهيم ولد اسمه اسماعيل وان هذا لم يخلقه الله ولا يكثر على امة البهت واخوان القرود وقتلة الانبياء مثل ذلك كما لم يكثر على المثلثة عباد الصليب الذين سبوا رب العالمين اعظم مسبة ان يطعنوا في ديننا وينتقصوا نبينا صلى الله عليه و سلم ونحن نبين انهم لا يمكنهم ان يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة ولا آية ولا معجزة الا باقرارهم ان محمدا رسول الله والا فمع تكذيبه لا يمكن ان يثبت للمسيح شيء من ذلك البتة
لا يمكنهم ان يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة اذا كفروا بمحمد اليهود اساتذه النصارى في قصة الصلب واخبار المسيح
فنقول اذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه و سلم فمن اين لكم ان تثبتوا لعيسى فضيلة او معجزة ومن نقل اليكم عنه آية او معجزة فانكم انما تبعتم من بعده بنيف على مائتين وعشرات من السنين اخبرتم عن منام رؤى فاسرعتم الى تصديقه وكان الاولى لمن كفر بالقرآن ان ينكر وجود عيسى في العالم لانه لا يقبل قول اليهود فيه ولا سيما وهم اعظم اعدائه الذين رموه وامه بالعظائم فأخبار المسيح والصليب انما شيوخكم فيها اليهود وهم فيما بينهم مختلفون في أمره اعظم اختلاف وانتم مختلفون معهم في أمره فاليهود تزعم انهم حين اخذوه حبسوه الا انه كان يعضده احد قواد الروم لانه كان يداخله في صناعة الطب عندهم وفي الاناجيل التي بأيديكم انه اخذ صبح يوم الجمعة وصلب في الساعة التاسعة من اليوم بعينه فمتى تتوافقون مع اليهود في خبره واليهود مجمعون انه لم يظهر له معجزة ولا بدت منه لهم آية غير انه طار يوما وقد هموا بأخذه فطار على اثره آخر منهم فعلاه في طيرانه فسقط الى الارض بزعمهم وفي الانجيل الذي بايديكم في غير موضع مايشهد انه لامعجزة له ولا اية فمن ذلك ان فيه منصوصا ان اليهود قالوا له يوما ماذا تفعل حتى تنتهي به الى امر الله تعالى فقال امر الله ان تؤمنوا بمن بعثه فقالوا له وما آيتك التي ترينا ونؤمن بك وانت تعلم ان آبائنا قد اكلوا المن والسلوى بالمفاوز قال ان كان اطعمكم موسى خبزا فانا اطعمكم خبزا سماويا يريد نعيم الآخرة فلو عرفوا له معجزة ما قالوا ذلك وفي الانجيل الذي بأيديكم ان اليهود قالت له ما آيتك التي نصدقك بها قال اهدموا البيت ابنيه لكم في ثلاثة ايام فلو كانت اليهود تعرف له آية لم تقل هذا ولو كان قد اظهر لهم معجزة لذكرهم بها حينئذ وفي الانجيل الذي بأيديكم ايضا انهم جاؤا يسألونه آية فقذفهم وقال ان القبيلة الفاجرة الخبيثة تطلب آية فلا تعطى ذلك وفيه ايضا اهم كانوا يقولون له وهو على الخشبة بظنكم ان كنت المسيح فأنزل نفسك فنؤمن بك يطلبون بذلك آية فلم يفعل فاذا كفرتم معاشر المثلثة عباد الصليب بالقرآن لم يتحقق لعيسى بن مريم

آية ولا فضيلة فان اخباركم عنه واخبار اليهود لا يلتفت اليها لاختلافكم في شأنه اشد الاختلاف وعدم تيقنكم لجميع امره وكذلك اجتمعت اليهود على انه لم يدع شيئا من الالهية التي نسبتم اليه انه ادعاها وكان وكان اقصى مرادهم ان يدعى فيكون ابلغ في تسلطهم عليه وقد ذكر السبب في استفاضة ذلك عنه وهو ان احبارهم وعلماءهم لما مضى وبقي ذكره خافوا ان تصير عامتهم اليه اذ كان على سنن تقبله قلوب الذي لا غرض لهم فشنعوا عليه امورا كثيرة ونسبوا اليه دعوى الالهية تزهيدا للناس في امره

اخبار اليهود والنصارى عن عيسى ونسبه لا يوثق بها ثم ان اليهود عندهم من الاختلاف في امره ما يدل على عدم تيقنهم بشيء من اخباره فمنهم من يقول انه كان رجلا منهم ويعرفون اباه وامه وينسبونه لزانية وحاشاه وحاشا امه الصديقة الطاهرة البتول التي لم يقرعها فحل قط قاتلهم الله انى يؤفكون ويسمون اباه الزاني البنديرا الرومي وامه مريم الماشطة ويزعمون ان زوجها يوسف بن يهودا وجد البنديرا عندا على فراشها وشعر بذلك فهجرها وانكر ابنها ومن اليهود من رغب عن هذا القو وقال انما ابوه يوسف بن يهودا الذ كان زوجا لمريم ويذكرون ان السبب في استفاضة اسم الزنا عليه انه بينا هو يوما مع معلمه بهشوع بن برخيا وسائر التلاميذ في سفر فنزلوا موضعا فجاءت امرأة من اهله وجعلت تبالغ في كرامتهم فقال بهشوع ما احسن هذه المرأة يريد افعالها فقال عيسى بزعمهم لولا عور في عينها فصاح بهشوع وقال له يا ممزار ترجمته يا زنيم اتزني بالنظر وغضب غضبا شديدا وعاد الى بيت المقدس وحرم اسمه ولعنه في اربعمائة قرن فحينئذ لحق ببعض قواد الروم وداخله بصناعة الطب فقوى بذلك على اليهود وهم يومئذ في ذمة قيصر بتاريوش وجعل يخالف حكم التوراة ويستدرك عليها ويعرض عن بعضها الى ان كان من امره ما كان وطوائف من اليهود يقولون غير هذا انه كان يلاعب الصبيان بالكرة فوقعت منهم بين جماعة من مشايخ اليهود فضعف الصبيان عن استخراجها من بينهم حياء من المشايخ فقوي عيسى وتخطى رقابهم واخذها فقالوا له ما نظنك الا زنيما ومن اختلاف اليهود في امره انهم يسمون اباه بزعمهم الذي كان خطب مريم يوسف بن يهودا النجار وبعضهم يقول انما هو يوسف الحداد والنصارى تزعم انها كانت ذات بعل وان وزوحها يوسف بن يعقوب وبعضهم يقول يوسف بن آل وهم

يختلفون ايضا في آبائه وعددهم الى ابراهيم فمن مقل ومن مكثر فهذا ما عند اليهود وهم شيوخكم في نقل الصلب وامره والا فمن المعلوم انه لم يحضره احد من النصارى وانما حضره اليهود وقالوا قتلناه وصلبناه وهم الذين قالوا فيه ما حكيناه عنهم فان صدقتموهم في الصلب فصدقوهم في سائر ما ذكروه وان كذبتم فيما نقلوه عنه فما الموجب لتصديقهم في الصلب وتكذيبهم اصدق الصادقين الذي قامت البراهين القطعية على صدقه انهم ما قتلوه وما صلبوه بل صانه الله وحماه وحفظه وكان اكرم على الله واوجه عنده من ان يبتليه بما تقولون انتم واليهود

النصارى اشد الامم افتراقا في دينهم ما اتفقت عليه فرقهم المشهورة
واما خبر ما عندكم انتم فلا نعلم امة اشد اختلافا في معبودها ونبيها ودينها منكم فلو سألت الرجل وامرأته وابنته وامه واباه عن دينهم لاجابك كل منهم بغير جواب الآخر ولو اجتمع عشرة منهم يتذاكرون الدين لتفرقوا عن احد عشر مذهبا مع اتفاق فرقهم المشهورة اليوم على القول بالتثليث وعبادة الصليب وان المسيح ابن مريم ليس بعبد صالح ولا نبي ولا رسول وانه اله في الحقيقة وانه هو خالق السموات والارض والملائكة والنبيين وانه هو الذي ارسل الرسل واظهر على ايديهم المعجزات والآيات وان للعالم الها هو اب والد لم يزل وان ابنه نزل من السماء وتجسم من روح القدس ومن مريم وصار هو وابنها الناسوتي الها واحدا ومسيحا واحدا وخالقا واحدا ورازقا واحدا وحبلت به مريم وولدته واخذ وصلب والم ومات ودفن وقام بعد ثلاثة ايام وصعد الى السماء وجلس عن يمين ابيه قالوا والذي ولدته مريم وعاينه الناس وكان بينهم هو الله وهو ابن الله وهو كلمة الله فالقديم الازلي خالق السموات والارض هو الذي حبلت به مريم واقام هناك تسعة اشهر وهو الذي ولد ورضع وفطم واكل وشرب وتغوط واخذ وصلب وشد بالحبال وسمرت يداه

اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح ثم اختلفوا فقالت اليعقوبية اتباع يعقوب البردعي ولقب بذلك لان لباسه كان من خرق برادع الدواب يرقع بعضها ببعض ويلبسها ان المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين احداهما طبيعة الناسوت والاخرى طبيعة

اللاهوت وان هاتين الطبيعتين تركبتا فصار انسانا واحدا وجوهر واحدا وشخصا واحدا فهذه الطبيعة الواحدة والشخص الواحد هو المسيح وهو اله كله وانسان كله وهو شخص واحد وطبيعة واحدة من طبيعتين وقالوا ان مريم ولدت الله وان الله سبحانه قبض عليه وصلب وسمر ومات ودفن ثم عاش بعد ذلك
فصل وقالت الملكية وهم الروم نسبة الى دين الملك لا الى رجل يدعى ملكانيا هو صاحب مقالتهم كما يقوله بعض من لا علم له بذلك ان الابن الازلي الذي هو الكلمة تجسدت من مريم تجسدا كاملا كسائر اجساد الناس وركبت في ذلك الجسد نفسا كاملة بالعقل والمعرفة والعلم كسائر انفس الناس وانه صار انسانا بالجسد والنفس الذين هما من جوهر الناس الها بجوهر اللاهوت كمثل ابيه لم يزل وهو انسان بجوهر الناس مثل ابراهيم وموسى وداود وهو شخص واحد لم يزد عدده وثبت له جوهر اللاهوت كما لم يزل وصح له جوهر الناسوت الذي لبسه ابن مريم وهو شخص واحد لم يزد عدده وطبيعتان ولكل واحدة من الطبيعتين مشيئة كاملة فله بلاهوته مشيئة مثل الاب وله بناسوته مشيئة كمشيئة ابراهيم وداود وقالوا ان مريم ولدت المسيح وهو اسم يجمع اللاهوت والناسوت وقالوا ان الذي مات هو الذي ولدته مريم وهو الذي وقع عليه الصلب والتسمير والصفع والربط بالحبال واللاهوت لم يمت ولم يألم ولم يدفن قالوا وهو اله تام بجوهر لاهوته وانسان تام بجوهر ناسوته وله المشيئتان مشيئة اللاهوت ومشيئة الناسوت فأتوا بمثل ما أتى به اليعقوبية من ان مريم ولدت الاله الا انهم بزعمهم نزهوا الاله عن الموت واذا تدبرت قولهم وجدته في الحقيقة هو قول اليعقوبية مع تنازعهم وتناقضهم فيه فاليعقوبية اطرد لكفرهم لفظا ومعنى
واما النسطورية فذهبوا الى القول بان المسيح شخصان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة وان طبيعة اللاهوت لما وجدت بالناسوت صار لهما ارادة واحدة واللاهوت لا يقبل زيادة ولا نقصان ولا يمتزج بشيء والناسوت يقبل الزيادة والنقصان فكان المسيح بذلك الها وانسانا فهو الاله بجوهر اللاهوت الذي لا يقبل الزيادة والنقصان وهو انسان بجوهر الناسوت الذي يقبل الزيادة والنقصان وقالوا ان مريم ولدت المسيح بناسوته وان اللاهوت لم يفارقه قط وكل هذه الفرق استنكفت ان يكون المسيح عبد الله وهو لم يستنكف من ذلك ورغبت به عن عبودية الله وهو لم يرغب عنها بل

أعلى منازل العبودية عبودية الله ومحمد وابراهيم خير منه واعلى منازلهما تكميل مراتب العبودية فالله رضه ان يكون له عبدا فلم ترض المثلثة بذلك
وقالت الاريوسية منهم وهم اتباع اريوس ان المسيح عبد الله كسائر الانبياء والرسل وهو مربوب مخلوق مصنوع وكان النجاشي على هذا المذهب واذا ظفرت المثلثة بواحد من هؤلاء قتلته شر قتلة وفعلوا به ما يفعل بمن سب المسيح وشتمه اعظم سب والكل من تلك الفرق الثلاث عوامهم لا تفهم مقالة خواصهم على حقيقتها بل يقولون ان الله تخطى مريم كما يتخطى الرجل المرأة واحبلها فولدت له ابنا ولا يعرفون تلك الهذيانات التي وضعها خواصهم فهم يقولون الذي تدندنون حوله نحن نعتقده بغير حاجة منا الى معرفة الاقانيم الثلاثة من الطبيعتين والمشيئتين وذلك للتهويل والتطويل وهم يصرحون بان مريم والدة الآله والله ابوه وهو الابن فهذا الزوج والزوجة والولد وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن ان يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتي الرحمن عبدا لقد احصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيمة فردا

محمد برأ المسيح وامه من افتراء اعادئهما وانزله المنزلة العالية ونزه الله عن افتراء المثلثة عليه
فهذه اقوال اعداء المسيح من اليهود والغالين فيه من النصارى المثلثة عباد الصليب فبعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم وبما ازال الشبهة في امره وكشف الغمة وبرأ المسيح وامه من افتراء اليهود وبهتهم وكذبهم عليهما ونزه رب العالمين وخالق المسيح وامه مما افتراه عليه المثلثة عباد الصليب الذين سبوه اعظم السب فانزل المسيح اخاه بالمنزلة التي انزله الله بها وهي اشرف منازله فآمن به وصدقه وشهد له بأنه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول الطاهرة الصديقة سيدة نساء العالمين في زمانها وقرر معجزات المسيح وآياته واخبر عن ربه تعالى بتخليد من كفر بالمسيح في النار وان ربه تعالى اكرم عبده ورسوله ونزهه وصاه ان ينال اخوان القردة منه ما زعمته النصارى انهم نالوه منه بل رفعه اليه مؤيدا منصورا لم يشكه اعداؤه بشوكة ولا نالته ايديهم باذى فرفعه اليه واسكنه سماءه وسيعيده الى الارض ينتقم به من مسيح الضلال واتباعه ثم يكسر به الصليب ويقتل به الخنزير ويعلي به الاسلام وينصر به ملة اخيه واولى الناس به محمد عليهما افضل الصلاة والسلام فاذا وضع هذا القول في المسيح في كفة وقول عباد الصليب

المثلثة في كفة تبين لكل من له ادنى مسكة من عقل ما بينهما من التفاوت وان تفاوتهما كتفاوت ما بينه وبين قول المغضوب عليهم فيه وبالله التوفيق
فلولا محمد صلى الله عليه و سلم لما عرفنا ان المسيح ابن مريم الذي هو رسول الله وعبده وكلمته وروحه موجود اصلا فان هذا المسيح الذي اثبته اليهود من شرار خلق الله ليس بمسيح الهدى والمسيح الذي اثبته النصارى من ابطل الباطل لا يمكن وجوده في عقل ولا فطرة ويستحيل ان يدخل في الوجود اعظم استحالة ولو صح وجوده لبطلت ادلة العقول ولم يبق لاحد ثقة بمعقول اصلا فان استحالة وجوده فوق استحالة جميع المحالات ولو صح ما يقول لبطل العالم واضمحلت السموات والارض وعدمت الملائكة والعرش والكرسي ولم يكن بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ولا يستعجب من اطباق امة الضلال الذين شهد الله انهم اضل من الانعام على ذلك فكل باطل في الوجود ينسب الى امة من الامم فانها مطبقة عليه وقد تقدم ذكر اطباق الامم العظيمة التي لا يحصيحا الا الله على الكفر والضلال بعد معاينة الآيات البينات فلعباد الصليب اسوة باخوانهم من اهل الشرك والضلال

النصارى تلقوا أصول دينهم عن اصحاب المجامع 10 - مجامع لعلماء النصارى يكفر فيها ببعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا

قصة المسيح قبل بعثه وبعده الى ان رفع وما لاقى اتباعه من اليهود والقياصرة
فصل في ذكر استنادهم في دينهم الى اصحاب المجامع الذين كفر بعضهم بعضا وتلقيهم اصول دينهم عنهم ونحن نذكر الآن الامر كيف ابتدأ وتوسط وانتهى حتى كأنك تراه عيانا
كان الله سبحانه قد بشر بالمسيح على السنة انبيائه من لدن موسى الى زمن داود ومن بعده من الانبياء وكثر الانبياء تبشيرا به داود وكانت اليهود تنتظره وتصدق به قبل مبعثه فلما بعث كفروا به بغيا وحسدا وشردوه في البلاد وطردوه وحبسوه وهموا بقتله مرارا الى ان اجمعوا على القبض عليه وعلى قتله فصانه الله وانقذه من ايديهم ولم يهنه بأيديهم وشبه لهم بأنهم صلبوه ولم يصلبوه كما قال تعالى وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه

وكان الله عزيزا حكيما وقد اختلف في معنى قوله ولكن شبه لهم فقيل المعنى ولكن شبه للذين صلبوه بأن القى شبهه على غيره فصلبوا الشبه وقيل المعنى ولكن شبه النصارى أي حصلت لهم الشبهة في امره وليس لهم علم بانه ما قتل وما صلب ولكن لما قال اعداؤه انهم قتلوه وصلبوه واتفق رفعه من الارض وقعت الشبهة في امرو وصدقهم النسارى في صلبه لتتم الشناعة عليهم وكيف ما كان فالمسيح صولات الله وسلامه عليه لم يقتل ولم يصلب يقينا لا شك فيه
ثم تفرق الحواريون في البلاد بعد رفعه على دينه ومنهاجه بدعون الامم الى توحيد الله ودينه والايمان بعبده ورسوله ومسيحه فدخل كثير من الناس في دينه ما بين ظاهر مشهور ومختف مستور واعداء الله اليهود في غاية الشدة والاذى لاصحابه واتباعه ولقي تلاميذ المسيح واتباعه من اليهود ومن الروم شدة شديدة من قتل وعذاب وتشريد وحبس وغير ذلك وكان اليهود في زمن المسيح في ذمة الروم وكانوا ملوكا عليهم وكتب نائب الملك ببيت المقدس الى الملك يعلمه بأمر المسيح وتلاميذه وما يفعل من العجائب الكثيرة من ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى فهم ان يؤمن به ويتبع دينه فلم يتابعه اصحابه ثم هلك وولى بعده ملك آخر فكان شديدا على تلامذة المسيح
ثم مات وولى بعده آخر وفي زمنه كتب مرقس انجيله بالعبرانية وفي زمانه صار الى الاسكندرية فدعا الى الايمان بالمسيح وهو اول شخص جعل بتركا على الاسكندرية وصير معه اثنى عشر قسيسا على عدة نقباء بني اسرائيل في زمن موسى وامرهم اذا مات البترك ان يختاروا من الاثني عشر واحدا يجعلونه مكانه ويضع الاثنى عشر ايديهم على رأسه ويبركونه ثم يختارون رجلا فاضلا قسيسا يصيرونه تمام العدة ولم يزل أمر القوم كذلك الى زمن قسطنطين ثم انقطع هذا الرسم واصطلحوا على ان ينصبوا البترك من أي بلد كان من اولئك القسيسين او من غيرهم ثم سموه بابا ومعناه ابو ألاباء وخرج مرقس الى برقة يدعو الناس الى دين المسيح ثم لك آخر فأهاج على اتباع المسيح الشر والبلاء واخذهم بأنواع العذاب وفي عصره كتب بطرس رئيس الحواريين انجيل مرقس عنه بالرومية ونسبه الى مرقس
وفي عصره كتب لوقا انجيله بالرومية لرجل شريف من عظماء الروم وكتب له الابركسيس الذي فيه اخبار التلاميذ وفي زمنه صلب بطرس وزعموا ان

بطرس قال له ان اردت ان تصلبني فاصلبني منكسا لئلا اكون مثل سيدي المسيح فانه صلب قائما وضرب عنق بولس بالسيف واقام بعد صعود المسيح اثنين وعشرين سنة واقام مرقس بالاسكندرية وبرقة سبع سنين يدعو الناس الى الايمان بالمسيح ثم قتل بالاسكندرية واحرق جسده بالنار ثم استمرت القياصرة ملوك الروم على هذه السيرة الى ان ملك مصر قيصر يسمى طيطس فخرب بيت المقدس بعد المسيح بسبعين سنة بعد ان حاصرها واصاب اهلها جوع عظيم وقتل من كان بها من ذكر وانثى حتى كانوا يشقون بطون الحبالى ويضربون باطفالهن الصخور وخرب المدينة واضرم فيها النار واحصى القتلى على بده فبلغوا ثلاثة آلاف الف ثم ملك ملوك آخرون فكان منهم واحد شديد على اليهود جدا فبلغوه ان النصارى يقولون ان المسيح ملكهم وان ملكه يدوم الى آخر الدهر فاشتد غضبه وامر بقتل النصارى وان لا يبقى في ملكه نصراني وكان يوحنا صاحب الانجيل هناك فهرب ثم امر الملك باكرامهم وترك الاعتراض عليهم ثم ملك بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما وقتل بترك انطاكية برومية وقتل اسقف بيت المقدس وصلبه وله يؤمئذ مائة وعشرون سنة وامر باستعباد النصارى فاشتد عليهم البلاء الى ان رحمتهم الروم وقال له وزراؤه ان لهم دينا وشريعة وانه لا يحل استعبادهم فكف عنهم وفي عصره كتب يوحنا انجيله بالرومية وفي ذلك العصر رجع اليهود الى بيت المقدس فلما كثروا وامتلأت منهم المدينة عزموا على ان يملكوا منهم ملكا فبلغ الخبر قيصر فوجه اليهم جيشا فقتل منهم من لا يحصى ثم ملك بعده آخر واخذ الناس بعبادة الاصنام وقتل من النصارى خلقا كثيرا ثم ملك بعده ابنه وفي زمانه قتل اليهود ببيت المقدس قتلا ذريعا وخرب بيت المقدس وهرب اليهود الى مصر والى الشام والجبال والاغوار وتقطعوا في الارض وامر الملك ان لا يسكن بالمدينة يهودي وان يقتل اليهود ويستأصلوا وان يكن المدينة اليونانيون وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين والنصارى ذمة تحت ايديهم فرأوهم يأتون الى مزبله هناك فيصلون فيها فمنعوهم من ذلك وبنوا على المزبلة هيكلا باسم الزهرة فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع ثم هلك هذا الملك وقام بعده آخر فنصب يهودا اسقفا على بيت المقدس قال ابن البطريق فمن يعقوب اسقف بيت المقدس الاول الى يهودا اسقفه هذا كانت الاساقفة الذين على بيت المقدس كلهم مختونين ثم ولى بعده آخر واثار على النصارى بلاء شديدا وحربا طويلا ووقع في ايامه قحط شديد كاد الناس ان يهلكوا فسألوا النصارى

ان يبتهلوا الى الههم فدعوا وابتهلوا الى الله فمطروا وارتفع عنهم القحط والوباء قال ابن البطريق وفي زمانه كتب بترك الاسكندرية الى اسقف بيت المقدس وبترك انطاكية وبترك رومية في كتاب فصح النصارى وصومهم وكيف يستخرج من فصح اليهود فوضعوا فيها كتبا على ما هي اليوم قال وذلك ان النصارى كانوا بعد صعود المسيح اذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون اربعين يوما ويفطرون كما فعل المسيح لانه لما اعتمد بالاردن خرج الى البرية فأقام بها اربعين يوما وكان النصارى اذا افصح اليهود عيدوا هم الفصح فوضع هؤلاء البتاركة حسابا للفصح ليكون فطرهم يوم الفصح وكان المسيح يعيد مع اليهود في عيدهم واستمر على ذلك اصحابه الى ان ابتدعوا تغيير الصوم فلم يصوموا عقيب الغطاس بل نقلوا الصوم الى وقت لا يكون عيدهم مع اليهود ثم مات ذلك الملك وقام بعده آخر وفي زمنه كان جالينوس وفي زمنه ظهرت الفرس وغلبت على بابل وآمد وفارس وتملك ازدشير ابن بابك في اصطخر وهو اول ملك ملك على فارس في المدة الثانية ثم مات قيصر وقام بعده آخر ثم آخر وكان شديدا على النصارى عذبهم عذابا عظيما وقتل خلقا كثيرا منهم وقتل كل عالم فيهم ثم قتل من كان بمصر والاسكندرية من النصارى وهدم الكنائس وبنى بالاسكدرية هيكلا وسماه هيكل الآلهة ثم قام بعده قيصر آخر ثم آخر وكانت النصارى في زمنه في هدوء وسلامة وكانت امه تحب النصارى ثم قام بعده آخر فأثار على النصارى بلاء عظيما وقتل منهم خلقا كثيرا واخذ الناس بعادة الاصنام وقتل من الاساقفة خلقا كثيرا وقتل بترك انطاكية فلما سمع بترك بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي ثم هلك وقام بعده آخر ثم آخر
وفي ايام هذا ظهر ماني الكذاب وزعم انه نبي وكان كثير الحيل والمخاريق فأخذه بهرام ملك الفرس فشقه نصفين واخذ من اتباعه مائتي رجل فغرس رؤسهم في الطين منكسين حتى ماتوا ثم قام من بعده فيلبس فآمن بالمسيح فوثب عليه بعض قواده فقتله ثم قام بعده دانقيوس ويسمى دقيانوس فلقى النصارى منه بلاء غظيما وقتل منهم ما لا يحصى وقتل بترك رومية وبنى هيكلا عظيما وجعل فيه الاصنام وامر ان يسجد لها ويذبح لها ومن لم يفعل قتل فقتل خلقا كثيرا من النصارى وصلبوا على الهيكل واتخذ من اولاد عظماء المدينة سبعة غلمان فجعلهم خاصته وقدمهم على جيمع من عنده وكانوا لا يسجدون للاصنام فأعلم الملك بخبرهم

فحبسهم ثم اطلقهم وخرج الى مخرج له فاخذ الفتية كل مالهم فتصدقوا به ثم خرجوا الى جبل فيه كهف كبير فاختفوا فيه وصب الله عليهم النعاس فناموا كالاموات وامر الملك ان يبنى عليهم باب الكهف ليموتوا فاخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس فكتب فيها اسماءهم وقصتهم مع دقيانوس وصيرها في صندوف من نحاس ودفنه داخل الكهف وسده ثم مات الملك

بولس اول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح ثم قام بعده قيصر آخر وفي زمنه جعل في انطاكية بتركا يمسى بولس الشمشاطي وهو اول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة انه عبد رسول مخلوق مصنوع مربوب لا يختلف فيه اثنان منهم فقال بولس هذا وهو اول من افسد دين النصارى ان سيدنا المسيح خلق من اللاهوت انسانا كواحد منا في جوهره وان ابتداء الابن من مريم وانه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الانسى صحبته النعمة الالهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة ولذلك سمى ابن الله وقال ان الله جوهر واحد واقنوم واحد  المجمع الاول قال سعيد بن البطريق وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر اسقفا في مدينة انطاكية ونظروا في مقالة بولس فاوجبوا عليه اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول بقوله وانصرفوا
ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم ولم بترك الاسكندرية يظهر خوفا ان يقتل فقام بارون بتركا فلم يزل يدارى الورم حتى بنى بالاسكندرية كنيسة ثم قام قياصرة اخر منهم اثنان تملكا على الروم احدى وعشرين سنة فأثاروا على النصارى بلاء عظيما وعذابا اليما وشدة تجل عن الوصف من القتل والعذاب واستباحة الحريم والاموال وقتل الوف مؤلفة من النصارى وعذبوا مارجرجس اصناف العذاب ثم قتلوه وفي زمنهما ضربت عنق بطرس بتلك الاسكندرية وكان له تلميذان وكان في زمنه اريوس يقول ان الاب وحده الله الفرد الصمد والابن مخلوق مصنوع وقد كان الاب اذ لم يكن الابن فقال بطرس لتلميذيه ان المسيح لعن اريوس فاحذرا ان تقبلا قوله فأني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب فقلت يا سيدي من شق ثوبك فقال لي اريوس فاحذروا ان تقبلوه او يدخل معكم الكنيسة وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير احد تلميذيه بتركا على الاسكندرية فاقام ستة اشهر ومات ولما جرى على اريوس ما جرى اظهر انه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك وادخله الكنيسة وجعله

قسيسا ثم قام قيصر آخر فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه النقمة فهلك شر هلكة
ثم قام بعده قيصران احدهما ملك الشام وارض الروم وبعض الشرق والاخر رومية وما جاورها وكانا كالسباع الضارية على النصارى فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبله وملك معهما قسطنطين ابو قسطنطين وكان دينا يبغض الاصنام محبا للنصارى فخرج الى ناحية الجزيرة والرها فنزل في قرية من قرى الرها فرأى امرأة جميلة يقال لها هيلانة وكانت قد تنصرت على يدي اسقف الرها وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من ابيها فزوجه اياها فحبلت منه وولدت قسطنطين فتربى بالرها وتعلم حكمة اليونان وكان جميل الوجه قليل الشر محبا للحكمة وكان عليانوس ملك الروم جينئذ رجلا فاجرا شديد البأس مبغضا للنصارى جدا كثير القتل فيهم محبا للنساء لم يترك للنصارى بنتا جميلة الا افسدها وكذلك اصحابه وكان النصارى في جهد جهيد معه فبلغه خبر قسطنطين وانه غلام هاد قليل الشر كثير العلم واخبره المنجمون والكهنة انه سيملك ملكا عظيما فيهم بقتله فهرب قسطنطين من الرها ووصل الى ابيه فسلم اليه الملك ثم مات ابوه وصب الله على عليانوس انواعا من البلاء حتى تعجب الناس مما ناله ورحمه اعداؤه مما حل به فرجع الى نفسه وقال لعل هذا بسبب ظلم النصارى فكتب الى جميع عماله ان يطلقوا النصارى من الحبوس وان يكرموهم ويسألوهم ان يدعوا له في صلواتهم فوهب الله له العافية ورجع الى افضل ما كان عليه من الصحة والقوة فلما صح وقوي رجع الى شر مما كان عليه وكتب الى عماله ان يقتلوا النصارى ولا يدعوا في مملكته نصرانيا ولا يسكوا له مدينة ولا قرية فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى واما قيصر الاخر الذي كان معه فكان شديدا على النصارى واستعبد من كان برومية من النصارى ونهب اموالهم وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم

اول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين فلما سمع أهل رومية بقسطنطين وانه مبغض للشر محب للخير وان اهل مملكته معه في هدوء وسلامة كتب رؤساءهم اليه يسئلونه ان يخلصهم من عبودية ملكهم فلما قرأ كتبهم اغتم غما شديدا وبقي متحيرا لا يدري كيف يصنع قال سعيد بن البطريق فظهر له على ما يزعم النصارى نصف النهار في السماء صليب من كوكب مكتوبا

حوله بهذا تغلب فقال لاصحابه رأيتم ما رأيت قالوا نعم فآمن حينئذ بالنصرانية فتجهز لمحاربة قيصر المذكور وصنع صليبا كبيرا من ذهب وصيره على رأس البند وخرج بأصحابه فأعطى النصر على قيصر فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وهرب الملك ومن بقي من اصحابه فخرج اهل رومية الى قسطنطين بالاكليل الذهب وبكل انواع اللهو واللعب فتلقوه وفرحوا به فرحا عظيما فلما دخل المدينة اكرم النصارى وردهم الى بلادهم بعد النفي والتشريد واقام اهل رومية سبعة ايام يعيدون للملك وللصليب فلما سمع عليانوس جمع جموعه وتجهز للقتال مع قسطنطين فلما وقعت العين في العين انهزموا واخذتهم السيوف وافلت عليانوس فلم يزل من قرية الى قرية حتى وصل الى بلده فجمع السحرة والكهنة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل منهم فضرب اعناقهم لئلا يقعوا في يد قسطنطين وامر ببناء الكنائس واقام في كل بلد من بيت المال الخراج فيما تعمل به ابنية الكنائس وقام بدين النصرانية حتى ضرب بجرانه في زمانه فلما تم له خمس عشر سنة من ملكه حاج النصارى في امر المسيح واضطربوا فأمر بالمجمع في مدينة نيقية وهي التي رتبت فيها الامانة بعد هذا المجمع كما سيأتي فأراد اريوس أن يدخل معهم فمنعه بترك الاسكندرية وقال على ان بطرسا قال لهم ان الله لعن اريوس فلا تقبلوه ولا تدخلوه الكنيسة وكان على مدينة اسيوط من عمل مصر اسقف يقول بقول اريوس فلعنه ايضا وكان بالاسكندرية هيكل عظيم على اسم زحل وكان فيه صنم من نحاس يسمى ميكائيل وكان اهل مصر والاسكندرية في اثني عشر يوما من شهر هتور وهو تشرين الثاني يعيدون لذلك الصنم عيدا عظيما ويذبحون له الذبائح الكثيرة فلما ظهرت النصرانية بالاسكندرية اراد بتركها ان يكسر الصنم ويبطل الذبائح له فامتنع عليه اهلها فاحتال عليهم بحيلة وقال لو جعلتم هذا العيد لميكائيل ملك الله لكان الولى فان هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فأجابوه الى ذلك فكسر الصنم وجعل منه صليبا وسمى الهيكل كنيسة ميكائيل فلما منع بترك الاسكندرية اريوس من دخول الكنيسة ولعنه خرج اريوس مستعديا عليه ومعه اسقفان فاستغاثوا الى قسطنطين وقال اريوس انه تعدى على واخرجني من الكنيسة ظلما وسئل الملك ان يشخص بترك الاسكندرية يناظره قدام الملك فوجه قسطنطين برسول الى الاسكندرية فأشخص البترك وجمع بينه وبين اريوس ليناظره فقال قسطنطين لاريوس اشرح مقالتك قال اريوس اقول ان الاب كان اذا لم يكن الابن ثم انه احدث الابن فكان كلمة له الا انه محدث مخلوق ثم فوض الامر الى ذلك الابن المسمى كلمة فكان هو خالق السموات

والارض وما بينهما كما قال في انجيله ان يقول وهب لي سلطانا علىالسماء والارض فكان هو الخالق لهما بما اعطى من ذلك ثم ان الكلمة تجسدت من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسيحا واحدا فالمسيح الآن معنيان كلمة وحسد الا انهما جميعا مخلوقان فأجابه عند ذلك بترك الاسكندرية وقال تخبرنا الآن ايما اوجب علينا عندك عبادة من خلقنا او عبادة من لم يخلقنا قال اريوس بل عبادة من خلقنا فقال له البترك فان كان خالقنا الابن كما وصفت وكان الابن مخلوقا فعادة الابن المخلوق اوجب من عبادة الاب الذي ليس بخالق بل تصير عبادة الاب الذي خلق الابن كفرا وعبادة الابن المخلوق ايمانا وذلك من اقبح الاقاويل فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البترك وشنع عندهم مقالة اريوس ودارت بينهما ايضا مسائل كثيرة فأمر قسطنطين البترك ان يكفر اريوس وكل ما قال بمقالته فقال له بل يوجه الملك بشخص للبتاركة والاساقفة حتى يكون لنا مجمع ونصنع في قضية ويكفر اريوس ويشرح الدين ويوضحه للناس

المجمع الثاني وفيه وضعوا الامانة
فبعث قسطنطين الملك الى جميع البلدان فجمع البتاركة والاساقفة فاجتمع في مدينة نيقية بعد سنة وشهرين الفان وثمانية واربعون اسقفا فكانوا مختلفي الآراء مختلفي الاديان فمنهم من يقول المسيح ومريم الهان من دون الله وهم المريمانية ومنهم من يقول المسيح من الاب بمنزلة شعلة نار تعلقت من شعلة نار فلم ينقص الاولى لايقاد الثانية منها ومنهم من كان يقول لم تحبل مريم لتسعة اشهر وانما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب لان كلمة الله دخلت من اذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها وهذه مقالة الباد واشياعه ومنهم من كان يقول ان المسيح انسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره وان ابتداء الابن من مريم وانه اصطفى ليكون مخلصا للجواهر الا نسة صحبته النعمة الالهية فحلت منه بالمحبة والمشيئة فلذلك سمى ابن الله ويقولون ان الله جوهر واحد واقنوم واحدج ويسمونه بثلاثة اسماء ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس وهذه مقالة بولس واشياعه ومنهم من كان يقول ثلاثة آلهة لم تزل صالح وطالح وعدل بينهما هذه مقالة ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا قال ابن البطريق ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم عجب من ذلك واخلى لهم دارا وتقدم لهم بالاكرام والضيافة وامرهم

ان يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا على دين واحد ورأى واحد وناظروا بقية الاساقفة المختلفين ففلجوا عليهم في المناظرة وكان باقي الاساقفة المختلفين ففلجوا عليهم في المناظرة وكان باقي الاساقفة مختلفى الآراء والاديان فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر اسقفا مجلسا عظيما وجلس في وسطه وأخذ خاتمه وسيفه وقضيبه فدفع ذلك اليهم وقال لهم قد سلطتكم اليوم على المملكة فاصنعوا ما بدا لكم وما ينبغي لكم ان تضيعوا ما فيه قوام الدين وصلاح الامة فباركوا على الملك وقلدوه سيفه وقالوا له اظهر دين النصرانية وذب عنه ووضعوا له اربعين كتابا فيها السنن والشرائع وفيها ما يصلح ان يعمل به الاساقفة وما يصلح للملك ان يعمل بما فيها وكان رئيس القوم والمجمع والمقدم فيه بترك الاسنكدرية وبترك انطاكية واسقف بيت المقدس ووجه بترك رومية من عنده رجلين فاتفق الكل على لعن اريوس واصحابه ولعنوه وكل من قال بمقالته ووضعوا الامانة وقالوا ان الابن مولود من الاب قبل كون الخلائق وان الابن من طبيعة الاب غير مخلوق واتفقوا على ان يكون فصح النصارى يوم الاحد ليكون بعد فصح اليهود وان لا يكون فصح اليهود مع فصحهم في يوم واحد ومنعوا ان يكون للاسقف زوجة وذلك ان الاساقفة منذ وقت الحواريين الى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء لانهم كانوا اذا صيروا واحدا اسقفا وكانت له زوجة ثبتت معه ولم تتنح عنه ما خلا البتاركة فانهم لم يكن لهم نساء ولا كانوا ايضا يصيرون احدا له زوجة بتركا قال وانصرفوا مكرمين محظوظين وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك ومكث بعد ذلك ثلاث سنين احداها كسر الاصنام وقتل من يعبدها والثانية امر ان لا يثبت في الديوان الا اولاد النصارى ويكونون هم الامراء والقواد والثالثة ان يقيم للناس جمعه الفصح والجمعة التي بعدها لا يعملون فيها عملا ولا يكون فيها حرب وتقدم قسطنطين الى اسقف بيت المقدس ان يطلب موضع المقبرة والصليب ويبني الكنائس ويبدأ ببناء القيامة فقالت هيلانة امه اني نذرت ان اسير الى بيت المقدس واطلب المواضع المقدسة وابنيها فدفع اليها الملك اموالا جزيلة وسارت مع اسقف بيت المقدس فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب وكنيسة قسطنطين ثم اجتمعوا بعد هذا مجمعا عظيما ببيت المقدس وكان معهم رجل دسه بترك القسطنطينية وجماعة معه ليسألوا بترك الاسكندرية وكان هذا الرجل لما رجع الى الملك اظهر انه مخالف لاريوس وكان يرى رأيه ويقول بمقالته فقام الرجل وقال ان اريوس لم يقل ان المسيح خلق الانسان ولكن قال به خلقت الاشياء لانه كلمة الله التي بها

خلقت السموات والارض وانما خلق الله الاشياء بكلمته ولم تخلق الاشياء كلمته كما قال المسيح في الانجيل كل بيده كان ومن دونه لم يكن شيء وقال به كانت الحياة والحياة نور البشر وقال العالم به يكون فأخبر ان الاشياء به تكونت قال ابن البطريق فهذه كانت مقالة اريوس ولكن الثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا تعدوا عليه وحرفوه ظلما وعدوانا فرد عليه بترك الاسكندرية وقال اما اريوس فلم تكذب عليه الثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا ولا ظلموه لانه انما قال الابن خالق الاشياء دون الاب واذا كانت الاشياء انما خلقت بالابن دون ان يكون الاب لها خالقا فقد اعطى انه ما خلق منها شيئا وفي ذلك تكذيب قوله الاب يخلق وانا اخلق وقال ان انا لم اعمل عمل ابي فلا تصدقوني وقال كما ان الاب يحيي من يشاء ويميته كذلك الابن يحيي من يشاء ويميته قالوا فدل على انه يحيي ويخلق وفي هذا تكذيب لمن زعم انه ليس بخالق وانما خلقت الاشياء به دون ان يكون خالقا واما قولك ان الاشياء كونت به فانا لما قلنا لا شك ان المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله اني افعل الخلق والحياة كان قولك به كونت الاشياء انما هو راجع في المعنى الى انه كونها وكانت به مكونة ولو لم يكن ذلك لتناقض القولان قال واما قول من قال من اصحاب اريوس ان الاب يريد الشيء فيكونه الابن والارادة للاب والتكوين للابن فان ذلك يفسد ايضا اذا كان الابن عنده مخلوقا فقد صار حظ المخلوق في الخق اوفى من حظ الخالق فيه وذلك ان هذا اراد وفعل وذلك اراد ولم يفعل فهذا اوفر حظا في فعله من ذلك ولابد لهذا ان يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما يريد الخالق منه ويكون حكمه كحكمه في الخير والاختيار فان كان مجبورا فلا شيء له في الفعل وان كان مختارا فجائز ان يطاع وجائز ان يعصى وجائز ان يثاب وجائز ان يعاقب وهذا اشنع في القول ورد عليه ايضا وقال ان كان الخالق انما خلق خلقه بمخلوق والمخلوق غير الخالق بلا شك فقد زعمتم ان الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج الى متمم ليفعل به اذ كان لا يتم له الفعل الا به والمحتاج الى غيره منقوص والخالق متعال عن هذا كله قال فلما دحض بترك الاسكندرية حجج اولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلان قولهم وتحيروا وخجلوا فوثبوا على بترك الاسكندرية فضربوه حتى كان يموت فخلصه من ايديهم ابن اخت قسطنطين وهرب بترك الاسكندرية وصار الى بيت المقدس من غير حضور احد من الاساقفة ثم اصلح دهن  الميرون وقدس الكنائس ومسحها بدهن الميرون وسار الى الملك فأعلمه الخبر فصره الى الاسكندرية قال ابن البطريق وامر الملك ان لا يسكن يهودي ببيت المقدس ولا يجوز بها ومن لم يتنصر قتل فظهر دين النصرانية وتنصر من اليهود خلق فقيل للملك ان اليهود يتنصرون من خوف القتل وهم على دينهم فقال كيف لنا ان نعلم ذلك منهم فقال بولس البترك ان الخنزير في التوراة حرام واليهود لا يأكلون لحم الخنزير فأمر ان تذبح الخنازير ويطبخ لحومها ويطعم منها فمن لن يأكل منه علم انه مقيم على دين اليهودية فقال الملك اذا كان الخنزير في التوراة حراما فكيف يحل لنا ان نأكله ونطعمه الناس فقال له بولس ان سيدنا المسيح قد ابطل كل ما في التوراة وجاء بنواميس اخر وبتوراة جديدة وهو الانجيل وفي انجيله ان كل ما يدخل البطن فليس بحرام ولا نجس وانما ينجس الانسان ما يخرج من فيه وقال يونس ان بطرس رئيس الحواريين بينما هو يصلي في ست ساعات من النهار وقع عليه سبات فنظر الى السماء قد تفتحت واذا زاد قد نزل من السماء حتى بلغ الارض وفيه كل ذي اربع قوائم على الارض من السباع والدواب وغير ذلك من طير السماء وسمع صوتا يقول له يا بطرس قم فاذبح ولك فقال بطرس يا رب ما أكلت شيئا نجسا قط ولا دنسا قط فجاء صوت ثان كل ما طهره الله فليس بنجس وفي نسخة اخرى ما طهره الله فلا تنجسه انت ثم جاءه الصوت بهذا ثلاث مرات ثم ان الزاد ارتفع الى السماء فتعجب بطرس وتحير فيما بينه وبين نفسه فأمر الملك ان تذبح الخنازير وتطبخ لحومها وتقطع صغارا وتصير على ابواب الكنائس في كل مملكته يوم احد الفصح وكل من خرج من الكنيسة يلقم لقمة من لحم الخنازير فمن لم يأكل منه يقتل فقتل لاجل ذلك خلق كثير ثم هلك قسطنطين وثام بعده اكبر اولاده واسمه قسطنطين وفي ايامه اجتمع اصحاب اريوس ومن قال بمقالته اليه فحسنوا لهم دينهم ومقالتهم وقالوا ان الثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا الذين كانوا اجتمعوا بنيقية قد أخطأوا وحادوا عن الحق في قولهم ان الابن متفق مع الاب في الجوهر فأمر ان لا يقال هذا فأنه خطأ فعزم الملك على فعله فكتب اليه اسقف بيت المقدس ان لا يقبل قول اصحاب اريوس فانهم حائدون عن الحق وكفار وقد لعنهم الثلاثمائة وثمانية عشر اسقفا ولعنوا كل من يقول بمقالتهم فقبل قوله قال ابن البطريق وفي ذلك الوقت اعلنت مقالة اريوس على قسطنطينية وانطاطية والاسكندرية وفي ثاني سنة من ملك قسطنطين هذا صار على انطاكية بترك اريوسي ثم بعده آخر مثله قال واما

أهل مصر والاسكندرية وكان اكثرهم اريوسيين ومانيين فغلبوا على كنائس مصر فاخذوها ووثبوا على بترك الاسكندرية ليقتلوه فهرب منهم واستخفى ثم ذكر جماعة من البتاركة والاساقفة من طوائف النصارى وما جرى لهم مع بعضهم بعضا وما تعصبت به كل طائقة لبتركها حتى قتل بعضهم بعضا واختلف النصارى اشد الاختلاف وكثرت مقالاتهم واجتمعوا عدة مجامع كل مجمع يلعن فيه بعضهم بعضا ونحن نذكر بعض مجامعهم بعد هذين المجمعين

المجمع الثالث فكان لهم مجمع ثالث بعد ثمان وخمسين سنة من المجمع الاول بنيقية فاجتمع الوزراء والقواد الى الملك وقالوا ان مقالة الناس قد فسدت وغلبت عليهم مقالة اريوس ومقدونيس فاكتب الى جميع الاساقفة والبتاركة ان يجتمعوا ويوضحوا دين النصرانية فكتب الملك الى سائر بلاده فاجتمع في قسطنطينية مائة وخمسون اسقفا فنظروا وبحثوا في مقالة اريوس فوجدوها ان روح القدس مخلوق ومصنوع ليس باله فقال بترك الاسكندرية ليس روح القدس عندنا غير روح الله وليس روح الله غير حياته فاذا قلنا ان روح الله مخلوق فقد قلنا ان حياته مخلوقة واذا قلنا ان حياته مخلوقة فقد جعلناه غير حي وذلك كفر به فلعنوا جميعهم من يقول بهذه المقالة ولعنوا جماعة من اساقفتهم وبتاركتهم كانوا يقولون بمقالات اخر لم يرتضوها وبينوا ان روح القدس خالق غير مخلوق اله حق من اله حق من طبيعة الاب والابن ونؤمن بروح القدس الرب المحيي الذي من الاب منبثق الذي مع الاب والابن وهو مسجود وممجد وكان في تلك الامانة وبروح القدس فقط وبينوا ان الابن والاب وروح القدس ثلاثة اقانيم وثلاث وجوه وثلاث خواص وانها وحدة في تثليث وتثليث في وحدة وبينوا ان جسد المسيح بنفس ناطقة عقلية فأنفض هذا الجمع وقد لعنوا فيه كثيرا من اساقفتهم واشياعهم

المجمع الرابع ثم بعد احدى وخمسين سنة من هذا المجمع كان لهم مجمع رابع على نسطورس وكا رأيه ان مريم ليست بوالدة الاله على الحقيقة ولذلك كان اثنان احدهما الاله هو موجود من الاب والاخر انسان وهو الموجود من مريم وان هذا الانسان الذي نقول انه المسيح متوحد مع الابن الاله ويقال له اله وابن الاله ليس

على الحقيقة ولكن موهبة واتفاق الأسمين على طريق الكرامة فبلغ ذلك بتاركة سائر البلاد فجرت بينهم مراسلات واتفقوا على تخطيئته واجتمع منهم مائتا أسقف في مدينة أفسيس وأرسلوا إليه للمناظرة فامتنع ثلاثا مرات فاجمعوا على لعنة فلعنوه ونفوه وبينوا أن مريم ولدت إلها وأن المسيح إله حق من إله حق وهو إنسان وله طبيعتان فلما لعنوا نسطورس تعصب له بترك انطاكية فجمع الأساقفة فلم يزل الملك حتى الذين قدموا معه وناظرهم وقطعهم فتقاتلوا وتلاعنوا وجرى بينهم شر فتفاقم أمرهم ثم أصلح بينهم فكتب أولئك صحيفة أن مريم القديسة ولدت إلها وهو ربنا يسوع المسيح الذي هو مع الله في الطبيعة ومع الناس في الناسوت وأقروا بطبيعتين وبوجه واحد وأقنوم واحد وأنفذوا لعن نسطورس فلما لعنوه ونفى سار إلى مصر وأقام في أخميم سبع سنين ومات ودفن بها وماتت إلى أن أحياها إبن صرما مطران نصيبين وبثها في بلاد المشرق فأكثر نصارى المشرق والعراق ونسطورية فانفض ذلك المجمع الرابع أيضا وقد أطبقوا على لعن نسطوري وأشياعه ومن قال بمقالته
المجمع الخامس ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع خامس وذلك أنه كان بالقسطنطينية طبيب راهب يقال له أوطيسوس يقول إن جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا بالطبيعة وأن المسيح قبل التجسد من طبيعتين وبعد التجسد طبيعة واحدة وهو أول من أحدث هذه المقالة وهي مقالة اليعقوبية فرحل إليه بعض الأساقفة فناظره وقطعه ودحض حجته ثم صار إلى قسطنطينية فأخبر بتركها بالمناظرة وبانقطاعة فأرسل بترك القسطنطينية إليه فاسحتضره وجمع جمعا عظيما وناظره فقال أوطيسوس إن قلنا أن المسيح طبيعتين فقد قلنا بقول نسطورس ولكنا نقول إن المسح طبيعة واحدة وأقنوم واحد لأنه من طبيعتين كانتا قبل التجسد فلما قبل التجسد زال عنه عنه وصار طبيعه واحده واقنوما واحدا فقال له بترك القسطنطينيه إن كان المسيح طبيعه واحده فالطبيعة القديمة هي الطبيعة المحدثة وإن كان القديم هو المحدث فالذي لم يزل هو الذي لم يكن ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث لكان القائم هو القاعد والحار هو البارد فأني أن يرجع عن مقالته فلعنوه فاستعدي إلى الملك وزعم انهم ظلموه وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة للمناظرة فاستحضر الملك البتاركة والاساقفة من سائر البلاد إلى مدينة أفسيس فثبت بترك الأسكندرية

مقالة أوطيسوس وقطع بتارك القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس وسائر البتاركة والأساقفة وكتب إلى بترك رومية وإلى جماعة الطهنة فحرمهم ومنعهم من القربان إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس ففسدت الأمانة وصارت مقالة أوطيسوس خاصة بمصر والأسكندرية وهو مذهب اليعقوبية فافترق هذا المجمع الخامس وكل فريق يلعن الآخر ويحرمه ويبرأ من مقالته
المجمع السادس فصل ثم كان لهم بعد هذا مجمع سادس في مدينة حلقدون فأنه لما مات الملك ولي بعده مرقيون فاجتمع إليه الأساقفة من سائر البلاد فأعلموه ما كان من ظلم ذلك المجمع وقلة الانصاف وأن مقالة أوطيسوس قد غلبت على الناس وأفسدت دين النصرانية فأمر الملك باستحضار سائر البتاركة والمطارنة والأساقفة إلى مدينة حلقدون فاجتمع فيها ستمائة وثلاثون قطع جميع البتاركة فأفسد الجميع مقالتها ولعنوها وأثبتوا أن المسيح اله وانسان في المكان مع الله باللاهوت وفي المكان معنا بالناسوت يعرف بطبيعتين تام باللاهوت وتام بالناسوت ومسيح واحد وثبتوا أقوال الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا وقبلوا قولهم لأن الأبن مع الله في المكان نور من نور إله حق من إله حق ولعنوا أريوس وقالوا ان روح القدس إله وأن الأب والإبن وروح القدس واحد بطبيعة واحدة وأقانيم ثلاثة وثبتوا قول المجمع الثالث في مدينة أفسيس أعني المائتي أسقف على نسطورس وقالوا أن مريم العذراء ولدت إلها ربنا اليسوع المسيح الذي هو مع الله بالطبيعة ومع الناسوت بالطبيعة وشهدوا أن للمسيح طبيعتين وأقنوما واحدا ولعنوا نسطورس وبترك الإسكندرية ولعنوا المجمع الثاني الذي كان بإفسيس ثم المجمع الثالث ألمائي أسقف بمدينة أفسيس أول مرة ولعنوا نسطورس وبين نسطورس إلى مجمع حلقدون أحد وعشرون سنة فانفض هذا المجمع وقد لعنوا من مقدميهم وأساقفتهم من ذكرانا وكفرهم وتبرؤا منهم ومن قال مقالاتهم
المجمع السابع ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع سابع في أيام أنسطاس الملك وذلك أن سورس القسطنطيني كان على رأى أوطيسوس فجاء إلى الملك فقال إن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين قد أخطأوا في لعن أوطسيوس وبترك افسكندرية والدين الصحيح ما قالاه فلا يقبل دين من سواهما ولكن أكتب إلى جميع عمالك أن يلعنوا الستمائة وثلاثين ويأخذوا الناس بطبيعة واحدة وأقنوم واحد فأجابه

الملك إلى ذلك فلما بلغ ذلك إيليا بترك بيت المقدس جمع الرهبان ولعنوا انسطاس الملك وسورس ومن يقول بمقالتهما فبلغ ذلك انسطاس ونفاه إلى إيلة وبعث يوحنا بتركا على بيت المقدس لأن يوحنا كان قد ضمن له أن يلعن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين فلما قدم إلى بيت المقدس احتمع الرهبان وقالوا إياك أن تقبل من سورس ولكن قاتل عن المجمع الحلقدوني ونحن معك فضمن لهم ذلك وخالف أمر الملك فبلغ ذلك الملك فأرسل قائدا وأمره أن ياخذ يوحنا بطرح المجمع الحلقدوني فأن يفعل ينفيه عن الكرسي فقدم القائد وطرح يوحنا في الحبس فصار إليه الرهبان في الحبس وأشاروا عليه بأن يضمن للقائد أن يفعل ذلك فإذا حضر فليقر بلعنة من لعنة الرهبان ففعل ذلك واجتمع الرهبان وكانوا عشرة ألآف راهب ومعهم مدرس وسابا ورؤساء الديرات فلعنوا أوطسيوس وسورس ومن لا يقبل المجمع الحلقدوني وفزع رسول الملك من الرهبان وبلغ ذلك الملك فهم بنفي يوحنا فاجتمع الرهبان والأساقفة فكتبوا إلى أنسطاس الملك لا يقبلون مقالة سورس ولا أحد من المخالفين ولو اهريقت دماؤهم وسألوه ان يكف أذاه عنهم وكتب بترك رمية إلى الملك يقبح فعله ويلعنه فانفض هذا المجمع أيضا وقد تلاعنت فيه هذه الجموع على ما وصفنا وكان لسورس تلميذ يقال له يعقوب بمقالة سورس وكان يسمى البرادعي وإليه تنسب اليعاقبة فأفسد امانة النصارى ثم مات أنسطاس وولي قسطنطين فرد كل من نفاه أنسطاس الملك
إلى موضعه واحتمع الرهبان وأظهروا كتاب الملك وعيدوا عيدا حسنا بزعمهم وأثبتوا المجمع الحلقدوني بالستمائة وثلاثين ثم ولي ملك اخر وكانت اليعقوبية قد غلبوا على الإسكندرية وقتلوا بتر كا لهم يقال له بولس كان ملكيا فارسل القائد ومعه عسكر عظيم إلى الإسكندرية فدخل الكنيسة في ثياب البترك وتقدم وقدس فرموه بالحجارة حتى كادوا يقتلونه فانصرف ثم أظهر لهم من بعد ثلاثة أيام أنه قد أتاه كتاب الملك وضرب الجرس ليجتمع الناس يوم الأحد في الكنيسة فلم يبق أحد بالإسكندرية حتى حضر لسماع كتاب الملك وقد جعل بينه وبين جنده علامة إذا رجعتم إلى الحق وتركتم مقالة اليعاقبة وإلا لن تأمنوا أن يرسل إليكم الملك من يسفك دمائكم فرموه بالحجارة حتى خاف على نفسه أن يقتل فأظهر العلامة فوضعوا السيف على كل من في الكنيسة فقتل داخلها وخارجها أمم لا تحصى كثرة حتى خاض الجند في الدماء وهرب منهم خلق كثير وظهرت مقالة الملكية
المجمع الثامن ثم كان لهم بعد ذلك مجمع ثامن بعد المجمع الحلقدوني الذي لعن فيه اليعقوبية بمائة سنة وثلاث سنين وذلك أن أسقف منبح وهي بلدة شرقي حلب بالقرب منها وهي مخسوفة الآن كان يقول بالتناسخ وأن ليس قيامة وكان أسقف الرها وأسقف المصيصة واسقف آخر يقولون إن جسد المسيح خيال غير حقيقة فحشرهم الملك إلى قسطنطينية فقال لهم بتركها إن كان جسده خيالا فيجب أن يكون فعله خيالا وقوله خبالا وكل جسد يعاين لاحد الناس أو فعل أو قول فهو كذلك وقال لأسقف منبخ إن المسيح قد قام من الموت وأعلمنا أنه يقوم كذلك الناس من الموت يوم الدينونة وقال في إنجيله لن تأتي الساعة حتى إن كل من في القبور إذا سمعوا قول ابن الله يجيبوا فكيف تقولون ليس قيامة فأوجب عليهم الخزي واللعن وأمر الملك أن يكون لهم مجمع بلعنون فيه واستحضر بتاركة البلاد فاجتمع في هذا المجمع مائة وأربعة وستون أسقف افلعنوا أسقف منبج وأسقف المصيصة وثبتوا على قول أسقف الرها أن جسد المسيح حقيقة لا خيال وإنه إله تام وأنسان تام معروف بطبيعتين ومشيئتين وفعلين واقنوم واحد وثبتوا المجامع الأربعة التي قبلهم بعد المجمع الحلقدوني وإن الدنيا زائلة وإن القيامة كائنة وأن المسيح يأتي بمجد عظيم فيدين الأحياء والأموات كما قال الثلاثمائة والثمانية عشر
المجمع التاسع فصل ثم كان لهم مجمع تاسع في أيام معاوية بن أبي سفيان تلاعنوا فيه وذلك أنه كان برومية راهب قديس يقال له مقسلمس وله تلميذان فجاء إلى قسطا الوالي فوبخه على قبح مذهبه وشناعة كفره فأمر به قسطا فقطعت يداه ورجلاه ونزع لسانه وفعل بأحد التلميذين مثله وضرب آخر بالسياط ونفاه فبلغ ذلك ملك قسطنطينية فأرسل إليه يوجه إليه من أفاضل الأساقفة ليعلم وجه هذه الحجة ومن الذي كان ابتدأها لكيما يطرح جميع الأباء القديسين كل من استحق اللعنة فبعقث إليه مائة وأربعين أسقفا وثلاث شماسمة فلما وصلوا إلى قسطنطينية جمع الملك مائة وثمانية وستين أسقفا فصاروا ثلاثمائة وثمانية وأسقطوا الشمامسة في البرطحة وكان رئيس هذا المجمع بترك قسطنطينية وبترك أنطاكية ولم يكن لبيت المقدس والإسكندرية بترك فلعنوا من تقدم من القديسين الذين خالفوهم وسموهم واحدا واحدا وهم جماعة ولعنو أصحاب المشيئة الواحدة ولما لعنوا هؤلاء جلسوا فلخصوا الأمانة المستقيمة بزعمهم

فقالوا نؤمن بأن الواحد من الللاهوت الإبن الوحيد الذي هو الكلمة الأزلية الدائم المستوي مع الأب الاله في الجوهر الذي هو ربنا اليسوع المسيح بطبيعتين تامتين وفعلين ومشيئتين في أقنوم واحد ووجه واحد يعرف تاما بلا هوته تاما بناسوته وشهدت كما شهد مجمع الحلقدونية على ما سبق أن الإله الإبن في آخر الأيام أتحدا مع العذاراء السيدة مريم القديسة جسدا انسانا بنفسين وذلك برحمة الله تعالى محب البشر ولم يلحقه اختلاط ولا فساد ولا فرقة ولا فصل ولكن هو واحد يعمل بما يشبه الإنسان أن يعمله في طبيعته وما يشبه الإله أن يعمل في طبيعته الذي هو الإبن الوحيد والكلمة الأزلية المتجسدة إلى أن صارت في الحقيقة لحما كما يقول الإنجيل المقدس من غير أن تنتقل عن محلها الأزلي وليست يمتغيرة لكنها بفعلين ومشيئتين وطبيعتين إلهي وأنسي الذي بهما يكون القول الحق وكل واحدة من الطبيعتين تعمل مع شركة صاحبتها مشيئتين غير متضادتين ولا متضارعتين ولكن مع المشيئة الأنسية الألهية القادرة على كل شيء هذه شهادتهم وأمانة المجمع السادس من المجمع الحلقدوني وثبتوا ما ثبته الخمس مجامع التي كانت قبلهم ولعنوا من لعنوه وبين المجمع الخامس إلى هذا المجمع مائة سنة

المجمع العاشر فصل ثم كان لهم مجمع عاشر لما مات الملك وولي بعده إبنه واجتمع فريق المجمع السادس وزعموا أن اجتماعهم كان على الباطل فجمع الملك مائة وثلاثين أسقفا فثبتوا قول المجمع السادس ولعنوا من لعنهم وخالفهم وثبتوا قول المجامع الخمسة ولعنوا من لعنوا وانصرفوا فانقرضت هذه المجامع والحشود وهم علماء النصارى وقدماؤهم وناقلوا الدين إلى المتأخرين وإليهم يستند من بعدهم وقد اشتملت هذه المجامع العشرة المشهورة على زهاء أربعة عشر ألفا من الأساقفة والبتاركة والرهبان كلهم يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا فدينهم إنما قام على اللعنة بشهادة بعضهم على بعض وكل منهم لاعن ملعون

لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لا متنعوا من قبوله فإذا كانت هذه حال التقدمين مع قرب زمنهم من أيام المسيح وبقاء أخيارهم فيهم والدولة دولتهم والكلمة لهم وعلماؤهم إذ ذاك أوفر ما كانوا واحتفالهم بأمر دينهم واهتمامهم به كما ترى ثم هم مع ذلك تائهون حائرون بين لاعن وملعون لا يثبت لهم قدم ولا يتحصل لهم قول في معرفة معبودهم بل كل منهم قد اتخذ إلهه هواه

وباح باللعن والبراءة ممن اتبع سمواه فما الظن بحثالة الماضين وفاية الغابرين وزبالة الحائرين وذرية الضالين وقد طال عليهم الامد وبعد العهد وصار دينهم ما يتلقونه عن الرهبان وقوم اذا كشفت عنهم وجدتهم اشبه شيء بالانعام وان كانوا في صور الانام بل هم كما قال تعالى ومن اصدق من الله قيلا إن هم الا كالانعام بل هم أضل سبيلا وهؤلاء هم الذين عناهم الله سبحانه بقوله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ومن أمة الضلال بشهادة الله ورسوله عليهم وامة اللعن بشهادتهم على نفوسهم بلعن بعضهم بعضا وقد لعنهم الله سبحانه على لسان رسوله في قوله صلى الله عليه و سلم لعن الله اليهود والنصارى انخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوه هذا والكتاب واحد والرب واحد والنبي واحد والدعوى واحدة وكلهم يتمسك بالمسيح وانجيله وتلاميذه ثم يختلفون فيه هذا الاختلاف المتباين فمنهم من يقول انه اله ومنهم من يقول ابن الله ومنهم من يقول ثالث ثلاثة ومنهم من يقول انه عبد ومنهم من يقول انه اقنوم وطبيعة ومنهم من يقول اقنومان وطبيعتان الى غير ذلك من المقالات التي حكوها عن اسلافهم وكل منهم يكفر صاحبه فلو ان قوما لم يعرفوا لهم الها ثم عرض عليهم دين النصرانية هكذا لتوقفوا عنه وامتنعوا من قبوله فوازن بين هذا وبين ما جاء به خاتم الانبياء والرسل صلوات الله عليه وسلامه تعمل علما يضارع المحسوسات او يزيد عليها ان الدين عند الله الاسلام

يستحيل الايما بنبي من الانبياء مع جحد نبوة محمد معجزات محمد اعظم وادل
فصل في انه لا يمكن الايمان بنبي من الانبياء اصلا مع جحود نبوة محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وانه من جحد نبوته فهو لنبوة غيره من الانبياء اشد جحدا وهذا يتبين بوجوه
احدها ان الانبياء المتقدمين بشروا بنبوته وامروا اممهم بالايمان به فمن جحد نبوته فقد كذب الانبياء قبله فيما اخبروا به وخالفهم فيما امروا واوصوا به من الايمان به والتصديق به لازم من لوازم التصديق بهم واذا انتفى اللازم انتفى ملزومه قطعا وبيان الملازمة ما تقدم من الوجوه الكثيرة التي تفيد بمجموعها القطع على انه صلى الله عليه و سلم قد ذكر في الكتب الالهية على السن الانبياء واذا ثبت الملازمة فانتفاء اللازم موجب لانتفاء ملزومه

الوجه الثاني ان دعوة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عله هي دعوة جميع المرسلين قبله من اولهم الى آخرهم فالمكذب بدعوته مكذب بدعوة اخوانه كلهم فان جميع الرسل جاؤوا بما جاء به فاذا كذبه المكذب فقد زعم ان ما جاء به باطل وفي ذلك تكذيب كل رسول ارسله الله وكل كتاب انزله الله ولا يمكن ان يعتقد ان ما جاء به صدق وانه كاذب مفتر على الله وهذا في غاية الوضوح وهذا بمنزلة شهود شهدوا بحق فصدقهم الخصم وقال هؤلاء كلهم شهود عدول صادقون ثم شهد آخر على شهادتهم سواء فقال الخصم هذه الشهادة باطلة وكذب لا اصل لها وذلك تكذيب بشهادة جميع الشهود قطعا ولا ينجيه من تكذيبهم اعترافه بصحة شهادتهم صلى الله عليه و سلم لبطلت نبوات الانبياء قبله فكذلك ان لم يصدق لم يمكن تصديق نبي من الانبياء قبله
الوجه الثالث ان الآيات والبراهين التي دلت على صحة نبوته وصدقه اضغاف اضعاف آيات من قبله من الرسل فليس لنبي من الانبياء آية توجب الايمان به الا ولمحمد صلى الله عليه و سلم مثلها او ما هو في الدلالة مثلها وان لم يكن من جنسها فايات نبوته اعظم واكبر وابهر وادل والعلم بنقلها قطعي لقرب العهد وكثرة النقلة واختلاف امصارهم واعصارهم واستحالة تواطئهم على الكذب فالعلم بآيات نبوته كالعلم بنفس وجوده وظهوره وبلده بحيث لا تمكن المكابرة في ذلك والمكابر فيه في غاية الوقاحة والبهت كالمكابرة في وجود ما يشاهده الناس ولم يشاهده هو من البلاد والاقاليم والجبال والانهار فان جاز القدح في ذلك كله فالقدح في وجود عيسى وموسى وآيات نبوتهما اجوز واجوز وان امتنع القدح فيهما وفي آيات نبوتهما فامتناعه في محمد صلى اله عليه وسلم وآيات نبوته اشد ولذلك لما علم بعض علماء اهل الكتاب ان الايمان بموسى لا يتم مع التكذيب بمحمد ابدا كفر بالجميع وقال ما أنزل الله على بشر من شيء كما قال تعالى وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون قال سعيد بن جبير جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم انشدك بالذي انزل التوارة على موسى اما تجد في التوراة ان الله يبغض الحبر السمين وكان حبرا سمينا

فغضب عدو الله وقال والله ما انزل الله على بشر من شيء فقال له اصحابه الذين معه ويحك ولا موسى فقال والله ما انزل الله على بشر من شيء فأنزل الله عز و جل وما قدروا الله حق قدره الآية وهذا قول عكرمة قال محمد بن كعب جاء ناس من اليهود الى النبي صلى الله عليه و سلم وهو محتب فقالوا يا ابا القاسم الا تأتينا بكتاب من السماء كما جاء به موسى الواحا بحملها من عند الله عز و جل فأنزل الله عز و جل يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك الآية وجاء رجل من اليهود فقال ما أنزل الله عليك ولا على موسى ولا على عيسى ولا على احد شيئا ما انزل الله على بشر من شيء فحل رسول الله صلى الله عليه و سلم حبوته وجعل يقول ولا على احد وذهب جماعة منهم مجاهد الى أن الآية نزلت في مشركي قريش فهم الذين جحدوا اصل الرسالة وكذبوا بالرسل واما اهل الكتاب فلم يجحدوا نبوة موسى وعيسى وهذا اختيار ابن جرير قال وهو أولى الاقاويل باصواب لان ذلك في سياق الخبر عنهم فهو اشبه من ان يكون خبرا عن اليهود ولم يجر لهم ذكر يكون هذا به متصلا مع ما في الخبر عن من اخبر الله عنه من هذه الاية من انكاره ان يكون الله انزل على بشر شيئا من الكتب وليس ذلك مما تدين به اليهود بل المعروف من دين اليهود الاقرار بصحف ابراهيم وموسى وزبور داود والخبر من اول السورة الى هذا الموضع خبر عن المشركين من عبدة الاوثان وقوله وما قدروا الله حق قدره موصول به غير مفصول عنه قلت ويقوى قوله ان السورة مكية فهي خبر عن زنادقة العرب المنكرين لاصل النبوة ولكن بقي ان يقال فيكف يحسن الرد عليهم بما لا يقرون به من انزال الكتاب الذي جاء به موسى وكيف يقال لهم تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ولا سيما على قراءة من قرأ بتاء الخطاب وهل ذلك صالح لغير اليهود فانهم كانوا يخفون من الكتاب مالا يوفق اهوائهم واغراضهم ويبدون منه ما سواه فاحتج عليهم بما يقرون به من كتاب موسى ثم وبخهم بانهم خانوا الله ورسوله فيه فأخفوا بعضه واظهروا بعضه وهذا استطراد من ذكر جحدهم النبوة بالكلية وذلك اخفاء لها وكتمان الى جحد ما اقروا به كتابهم باخفائه وتمانه فتلك سجية لهم معروفة لا تنكر اذ من اخفى بعض كتابه الذي يقر بأنه من عند الله كيف لا يجحد اصل النبوة ثم احتج عليهم بأنهم قد علموا بالوحي ما لم يكونوا يعلمونه هم ولا آباؤهم ولولا الوحي الذي انزله على أنبيائه ورسله لم يصلوا اليه ثم امر رسوله ان

يجيب عن هذا السؤال وهو قوله من انزل الكتاب الذي جاء به موسى فقال قل الله أي الله الذي انزله أي ان كفروا به وجحدوه فصدق به انت واقربه ثم ذرهم في خوضهم يلعبون جواب هذا السؤال ان يقال ان الله سبحانه احتج عليهم بما يقر به اهل الكتابين وهم اولوا العلم دون الامم التي لا كتاب لها أي ان جحدتم اصل النبوة وان يكون الله انزل على بشر شيئا فهذا كتاب موسى تقر به اهل الكتاب وهم اعلم منكم فاسألوهم عنه ونظائر هذا في القرآن كثيرة يستشهد سبحانه بأهل الكتاب على منكري النبوات والتوحيد والمعنى انكم ان انكرتم ان يكون الله انزل على بشر شيئا فمن انزل كتاب موسى فان لم تعلموا ذلك فاسألوا اهل الكتاب واما قوله تعالى يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا فمن قرأها بالياء فهو اخبار عن اليهود بلفظ الغيبة ومن قرأها بلفظ التاء للخطاب فهو خطاب لهذا الجنس الذي فعلوا ذلك أي تجعلونه يا من انزل عليه كذلك وهذا من اعلام نبوته ان يخبر اهل الكتاب بما اعتمدواه في كتابهم وانهم جعلوه قراطيس وابدوا بعضه واخفوا كثيرا منه وهذا لا يعلم من غير جهتهم الا بوحي من الله ولا يلزم ان يكون قوله تجعلونه قراطيس خطابا لمن حكى عنهم انهم قالوا ما انزل الله على بشر من شيء بل هذا استطراد من الشيء الى نظيره وشبهه ولازمه وله نظائر في القرآن كثيرة كقوله تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة الى آخر الآية فاستطرد من الشخص الملوق من الطين وهو آدم الى النوع المخلوق من النطفة وهم اولاده واوقع الضمير على الجميع بلفظ واحد ومثله قوله تعالى هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صلحا جعلا له شركاء فيما تاهما فتعالى الله عما يشركون الى آخر الايات ويشبه هذا قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الارض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي خلق الازواج كلها الى آخر الآيات وعلى التقديرين فهؤلاء لم يتم لهم انكار نبوة النبي صلى الله عليه و سلم ومكابرتهم الا بهذا الجحد والتكذيب العام ورأوا انهم ان أقروا ببعض النبوات وجحدوا نبوته ظهر تناقضهم وتفريقهم بين المتماثلين وانهم لا يمكنهم الايمان بنبي وجحد نبوة من نبوته اظهر وآياتها اكثر واعظم ممن اقروا به واخبر سبحانه ان من جحد ان يكون قد ارسل رسله وانزل كتبه لم يقدره حق قدره وانه

نسبة الى ما لا يليق به بل يتعالى ويتنزه عنه فان في ذلك انكار دينه والهيته وملكه وحكمته ورحمته والظن السيء به انه خلق خلقه عبثا باطلا وانه خلاهم سدا مهملا وهذا ينافي كماله المقدس وهو متعال عن كل ما ينافي كماله فمن انكر كلامه وتكليمه وارساله الرسل الى خلقه فما قدره حق قدره ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق عظمته كما ان عبد معه الها غيره لم يقدره حق قدره معطل جاحد لصفات كماله ونعوت جلاله وارسال رسله وانزال كتبه ولا عظمة حق عظمته

انكار النبوات معناه جحد الخالق والجهل بالحقائق ما وقع للفلاسفة والمجوس والنصارى واليهود من ذلك
ولذلك كان جحد نبوة خاتم انبيائه ورسله وانزال كتبه وتكذيبه انكارا للرب تعالى في الحقيقة وجحودا له فلا يمكن الاقرار بربوبيته والهيته وملكه بل ولا بوجوده مع تكذيب محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم وقد اشرنا الى ذلك في المناظرة التي تقدمت فلا بجامع الكفر برسول الله صلى الله عليه و سلم الاقرار بالرب تعالى وصفاته اصلا كما لا يجامع الكفر بالمعاد واليوم الآخر الاقرار بوجود الصانع اصلا وقد ذكر سبحانه ذلك في موضعين من كتابه في سورة الرعد في قوله وان تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد اولئل الذين كفروا بربهم والثاني في سورة الكهف في قوله تعالى ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ان تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا اشرك بربي احدا فالرسول صلوات الله وسلامه عليه انما جاء بتعريف الرب تعالى بأسمائه وصفاته وافعاله والتعريف بحقوقه على عباده فمن انكر رسالاته فقد انكر الرب الذي دعا اليه وحقوقه التي امر بها بل نقول لا يمكن الاعتراف بالحقائق على ما هي عليه مع تكذيب رسوله وهذا ظاهر جدا لمن تأمل مقالات اهل الارض واديانهم
فان الفلاسفة لم يمكنهم الاعتراف بالملائكة والجن والمبدأ والمعاد وتفاصيل صفات الرب تعالى وافعاله مع انكار النبوات بل والحقائق المشاهدة التي لا يمكن انكارها لم يثبتوها على ما هي عليه ولا اثبتوا حقيقة واحدة على ما هي عليه البتة وهذا ثمرة انكارهم النبوات فسلبهم الله ادراك الحقائق التي زعموا ان عقولهم كافية في ادراكها فلم يدركوا منها شيئا على ما هو عليه حتى ولا الماء ولا الهواء ولا الشمس ولا غيرها فيمن تأمل مذاهبهم فيها علم انهم لم يدركوها وان عرفوا من ذلك بعض ما خفي على غيرهم

واما المجوس فأضل واضل واما عباد الاصنام فلا عرفوا الخالق ولا عرفوا حقيقة المخلوقات ولا ميزوا بين الشياطين والملائكة وبين الارواح الطيبة والخبيثة وبين احسن الحسن واقبح القبيح ولا عرفوا كمال النفس وما تسعد به ونقصها وما تشقى به
واما النصارى فقد عرفت ما الذي ادركوه من معبودهم وما وصفوه به وما الذي قالوه في نبيهم وكيف لم يدركوا حقيقته البتة ووصفوا الله بما هو من اعظم العيوب والنقائص ووصفوا عبده ورسوله بما ليس له بوجه من الوجوه وما عرفوا الله ولا رسوله والمعاد الذي اقروا به لم يدركوا حقيقته ولم يؤمنوا بما جاءت به الرسل من حقيقته اذ لا أكل عندهم في الجنة ولا شرب ولا زوجة هناك ولا حور عين يلذ بهن الرجال كلذاتهم في الدنيا ولا عرفوا حقيقة انفسهم وما تسعد به وتشقى ومن لم يعرف ذلك فهو اجدر ان لا يعرف حقيقة شيء كما ينبغي البتة فلا لانفسهم عرفوا ولا لفاطرهم وبارئها ولا لمن جعله اليه سببا في فلاحها وسعادتها ولا للموجودات وانها جميعها فقيرة مربوبة مصنوعة ناطقها وصامتها آدميها وجنيها وملكها فكل من في السموات عبده وملكه وهو مخلوق مصنوع مربوب فقير من كل وجه ومن لم يعرف هذا لم يعرف شيئا

غباوة اليهود ونقضهم للعهود وتحريفهم وحسدهم هو الغاية اليهود قتلة الانبياء واكلة الربا والمنفردون بغاية الخبث والبهت
واما اليهود فقد حكى الله لك عن جهل اسلافهم وغباوتهم وضلالهم ما يدل على ما وراءه من ظلمات الجهل التي بعضها فوق بعض ويكفي في ذلك عبادتهم العجل الذي صنعته ايديهم من ذهب ومن عبادتهم ان جعلوه على صورة ابلد الحيوان واقله فطانة الذي يضرب المثل به في قلة الفهم فانظر الى هذه الجهالة والغباوة المتجاوزة للحد كيف عبدوا مع الله الها آخر وقد شاهدوا من ادلة التوحيد وعظمة الرب وجلاله ما يشاهده سواهم واذا قد عزموا على اتخاذ اله دون الله فاتخذوه ونبيهم حي بين اظهرهم لم ينتظروا موته واذ قد فعلوا فلم يتخذوه من الجواهر العلوية كالشمس والقمر والنجوم بل من الجواهر الارضية واذ قد فعلوا فلم يتخذوه من الجواهر التي خلقت فوق الارض عالية عليها كالجبال ونحوها بل من جواهر لا تكون الا تحت الارض والصخور والاحجار عالة عليها واذ قد فعلوا فلم يتخذوه من جوهر يستغني عن الصنعة وادخال النار وتقليبه وجوها مختلفة وضربه بالحديد وسبكه بل من جوهر يحتاج

الى نيل الايدي له بضروب مختلفة وادخاله النار واحراقه واستخراج خبثه واذ قد فعلوا فلم يصوغوه على تمثال ملك كريم ولا نبي مرسل ولا على تمثال جوهر علوي لا تناله الايدي بل على تمثال حيوان ارضي واذ قد فعلوا فلم يصوغوه على تمثال اشرف الحيوانات واقواها واشدها امتناعا من الضيم كالاسد والفيل ونحوهما بل صاغوه على تمثال ابلد الحيوان واقبله للضيم والذل بحيث يحرث عليه ويسقى عليه بالسواقي والدواليب ولا له قوة يمتنع بها من كبير ولا صغير فأي معرفة لهؤلاء بمعبودهم ونبيهم وحقائق الموجودات وحقيق بمن سأل نبيه ان يجعل له الها فيعبد الها مجعولا بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات ان لا يعرف حقيقة الاله ولا اسماءه وصفاته ونعوته ودينه ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره ولو عرف هؤلاء معبودهم ورسولهم لما قالوا لنبيهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ولا قالوا له اذهب انت وربك فقاتلا ولا قتلوا نفسا وطرحوا المقتول على ابواب البرآء من قتله ونبيهم حي بين اظهرهم وخبر السماء والوحي يأتيه صباحا ومساء فكأنهم جووزا ان يخفى هذا على الله كما يخفى على الناس ولو عرفوا معبوجهم لما قالوا في بعض مخاطباتهم له يا ابانا انتبه من رقدتك كم تنام ولو عرفوه لما سارعوا الى محاربة انبيائه وقتلهم وحبسهم ونفيهم ولما تحيلوا على تحليل محارمه واسقاط فرائضه بأنواع الحيل ولقد شهدت التوراة بعدم فطانتهم وانهم من الاغبياء ولو عرفوه لما حجروا عليه بعقولهم الفاسدة ان يأمر بالشيء في وقت لمصلحة ثم يزيل الامر به في وقت آخر لحصول المصلحة وتبدله بما هو خير منه وينهي عنه ثم يبيحه في وقت آخر لاختلاف الاوقات والاحوال في المصالح والمفاسد كما هو مشاهد في احكامه القدرية الكونية التي لا يتم نظام العالم ولا مصلحته الا بتبديلها واختلافها بحسب الاحوال والاوقات والاماكن فلو اعتمد طبيب ان لا يغير الادوية والاغذية بحسب اختلاف الزمان والاماكن والاحوال لاهلك الحرث والنسل وعد من الجهال فيكف يحجر على طبيب القلوب والاديان ان تتبدل احكامه بحسب اختلاف المصالح وهل ذلك الا قدح في حكمته ورحمته وقدرته وملكه التام وتدبيره لخلقه ومن جهلهم بمعبودهم ورسوله وامره انهم امروا ان يدخلوا باب المدينة التي فتحها الله عليهم سجدا ويقولوا حطة فيدخلوا متواضعين لله سائلين منه ان يحط عنهم خطاياهم فدخلوا يزحفون على استاههم بدل السجود لله ويقولون هنطا سقمانا أي حنطة سمراء فذلك سجودهم وخشوعهم وهذا استغفارهم واستقالتهم من ذنوبهم

ومن جهلهم وغباوتهم ان الله سبحانه اراهم من آيات قدرته وعظيم سلطانه وصدق رسوله ما لا مزيد عليه ثم انزل عليهم بعد ذلك كتابه وعهد اليهم فيه عهده وامرهم ان يأخذوه بقوة فيعبدوه بما فيه كما خلصهم من عبودية فرعون والبط فأبوا ان يقبلوا ذلك وامتنعوا منه فنتق الجبل العظيم فوق رؤوسهم على قدرهم وقيل لهم ان لم تقبلوا اطبقته عليكم فقبلوه من تحت الجبل قال ابن عباس رفع الله الجبل فوق رؤوسهم وبعث نارا من قبل وجوههم واتاهم البحر من تحتهم ونودوا ان لم تقبلوا ارضختكم بهذا واحرقتكم بهذا واغرقتكم بهذا فقبلوه وقالوا سمعنا واطعنا ولولا الجبل ما اطعناك ولما امنوا بعد ذلك قالوا سمعنا وعصينا ومن جهلهم انهم شاهدوا الآيات ورأوا العجائب التي يؤمن على بعضها البشر ثم قالوا بعد ذلك لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وكان الله سبحانه قد امر موسى ان يختار من خيارهم سبعين رجلا لميقاته فاختارهم موسى وذهب بهم الى الجبل فلما دنى موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل وقال للقوم ادنوا ودنى القوم حتى اذا دخلوا في الحجاب وقعوا سجدا فسمعوا الرب تعالى وهو يكلم موسى ويأمره وينهاه ويعهد اليه فلما انكشف الغمام قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ومن جهلهم ان هارون لما مات ودفنه موسى قالت بنو اسرائيل لموسى انت قتلته حسدته على خلقه ولينه ومحبة بني اسرائيل له قال فاختاروا سبعين رجلا فوقفوا على قبر هارون فقال موسى يا هارون اقتلت ام مت قال بل مت وما قتلني احد فحسبك من جهالة امة وجفائهم انهم اتهموا نبيهم ونسبوه الى قتل اخيه فقال موسى ما قتلته فلم يصدقوه حتى اسمعهم كلامه وبراءة اخيه مما رموه به ومن جهلهم ان الله سبحانه شبههم في جملهم التوراة وعدم الفقه فيها والعمل بها بالحمار يحمل اسفارا وفي هذا التشبيه من النداء على جهالتهم وجوه متعددة منها ان الحمار من ابلد الحيوانات التي يضرب بها المثل في البلادة و منها انه لو حمل غير الاسفار من طعام او علف او ماء لكان له به شغور بخلاف الاسفار ومنها انهم حملوها لا انهم حيث حملوها طوعا واختبارا بل كانوا كالمكلفين لما حملوه لم يرفعوا به رأسا ومنها انهم حيث حملوها تكليفا وقهرا لم يرضوابها ولم يحملوها رضا واختيارا وقد علموا انهم لا بد لهم منها وانهم ان حملوها اختيارا كانت لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ومنها انها مشتملة على مصالح معاشهم ومعادهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة فاعراضهم عن التزام ما فيه سعادتهم وفلاحهم الى ضده من غاية الجهل والغباوة وعدم الفطانة ومن جهلهم وقلة معرفتهم انهم طلبوا عوض المن والسلوى الذين هما اطيب الاطعمة وانفعها

واوقفهم للغذاء الصالح البقل والقثاء والثوم والعدس والبصل ومن رضي باستبدال هذه الاغذية عوضا عن المن والسلوى لم يكثر عليه ان يستبدل الكفر بالايمان والضلالة بالهدى والغضب بالرضى والعقوبة بالرحمة وهذه حال من لم يعرف ربه ولا كتابه ولا رسوله ولا نفسه
واما نقضهم ميثاقهم وتبديلهم احكام التوراة وتحريفهم الكلم عن مواضعه واكلهم الربا وقد نهوا غنه واكلهم الرشا واعتدائهم في السبت حتى مسخوا قردة وقتلهم الانبياء بغير حق وتكذيبهم عيسى بن مريم رسول الله ورميهم له ولامه بالعظائم وحرصهم على قتله وتفردهم دون الامم بالخبث والبهت وشدة تكالبهم على الدنيا وحرصهم عليها وقسوة قلوبهم وحسدهم وكثرة سخرهم فاليه النهاية وهذا واضعافه من الجهل وفساد العقل قليل على من كذب رسل الله وجاهر بمعاداته ومعادة ملائكته وانبيائه واهل ولايته فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله واي حقيقة ادرك من فاتته هذه الحقيقة واي علم او عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة اليه ومآله بعد الوصول اليه

اشراق الارض بالنبوة وظلمتها بفقدها المعرض عنها يتقلب في ظلمات والمؤمن في أنوار
فأهل الارض كلهم في ظلمات الجهل والغي الا من اشرق عليه نور النبوة كما في المسند وغيره من حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ان الله خلق خلقه في ظلمة والقى عليهم من نوره فمن اصابه من ذلك النور اهتدى ومن اخطأه ضل فلذلك اقول جف القلم على علم الله ولذلك بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور فمن اجابهم خرج الى الفضاء والنور والضياء ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها وهي ظلمة الطبع وظلمة الجهل وظلمة الهوى وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها فهذه جملتهاظلمات خلق فيها العبد فبعث الله رسله لاخراجه منها الى العلم والمعرفة والايمان والهدى الذي لا سعادة للنفس بدونه البتة فمن اخطأه هذا النور اخطأه حظه وكماله وسعادته وصار يتقلب في ظلمات بعضها فوق بعض فمدخله ظلمة ومخرجه ظلمة وقوله ظلمة وعمله ظلمة وقصده ظلمة وهو متخبظ في ظلمات طبعه وهواه وجهله وقلبه مظلم ووجهه مظلم لانه يبقى على الظلمة الاصلية ولا يناسبه من الاقوال والاعمال والارادات والعقائد الا ظلماتها فلو اشرق له شيء من نور النبوة لكان بمنزلة اشراق

الشمس على بصائر الخفاش ...
بصائر أغشاها النهار بضوئه ... ولائمها قطع من الليل مظلم ...
يكاد نور النبوة بعمى تلك البصائر ويخطفها لشدته وضعفها فتهرب الى الظلمات لموافقتها لها وملائمتها اياها والمؤمن عمله نور وقوله نور ومدخله نور ومخرجه نور وقصده نور فهو يتقلب في النور في جميع احواله قال الله تعالى الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم ثم ذكر حال الكفار واعمالهم وتقلبهم في الظلمات فقال والذين كفروا اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور
والحمد لله اولا وآخر وباطنا وظاهرا وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين
==

كل كتاب : هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية

كل كتاب : هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ------------------ كتاب هداية الحيارى في اجوبة اليهود والنص...